إنعاش الاقتصاد العالمي.. «المفتاح» المفقود

وسط مخاوف من أزمة في أكثر من اتجاه.. وأوروبا الأخطر

الاجتماعات السنوية في صندوق النقد ومجموعة البنك الدوليين لم تخرج بقرار واضح أو جديد لإنعاش الاقتصاد العالمي (رويترز)
TT

رغم لغة التفاؤل التي تحدث فيها المسؤولون في صندوق النقد ومجموعة البنك الدوليين، فإن الاجتماعات المشتركة بينهما مع الدول الأعضاء التي اختتمت مؤخرا لم تكشف حتى الآن لغز إنعاش الاقتصاد العالمي.

الاجتماعات التي استمرت على مدى 3 أيام لم تخرج بقرارات حاسمة وظلت تنادي على ما كانت تنادي به قبل الاجتماعات، ودعت إلى ضرورة تنفيذ السياسات المقترحة في السابق، حول تعامل تلك الجهات مع الأزمة في الاتحاد الأوروبي التي وصفت بـ«محور الأزمة»، وضبابية مستقبل تعامل الولايات المتحدة الأميركية مع ما يسمى بالمنحدر المالي، وهو ما خلق نوعا من تجدد فقدان الثقة، إضافة إلى تباطؤ النمو العالمي، وهو ما يتوقع أن يشهده العالم خلال الفترة المقبلة.

ويعول صندوق النقد الدولي على تنفيذ السياسات المتفق عليها والتي طرحت من جديد في الاجتماعات السنوية في طوكيو، على قدرتها في إعادة الاقتصاد العالمي لموجة النمو من جديد، في الوقت الذي أشار فيه وزير مالية سنغافورة ثارمان شانموغاراتنام أن أعضاء لجنة التنمية اتفقوا على أن الوضع في الوقت الحالي أفضل مما عليه في الاقتصاد العالمي مما كان عليه قبل 6 شهور.

وقال الدكتور أحمد محمد علي رئيس البنك الإسلامي لـ«الشرق الأوسط» إن الاجتماعات تعتمد على اللقاءات والندوات في موضوعات تبحث للتشاور والمعرفة وتبادل الآراء، مشيرا إلى أن الاجتماعات الرسمية هي اجتماعات روتينية.

وأضاف الدكتور أحمد أن الاجتماعات التشاورية هي المهمة للوصول إلى ما يتطلع إليه القطاع المصرفي والإنمائي العالمي.

صندوق النقد الدولي وضع صورة قاتمة للاقتصاد العالمي، وتوقع أن النمو الاقتصادي سيكون في حدود نسبة 2.5%، في الوقت الذي توقع تباطؤ نمو الاقتصاديات المتطورة بحدود نمو لن يزيد عن 1.4%.

ولكن ما يحتاجه العالم في الوقت الحالي هو إصلاح للسياسة المالية العامة، وليس الإصلاحات المؤقتة أو قصيرة الأجل، حيث تساعد السياسة المالية العامة بالاحتفاظ بالمكاسب التي يتم تحقيقها وفقا لما ذكره تقرير آفاق الاقتصاد العالمي لصندوق النقد والذي أعده كل من جون سايمون، وأندريا بيسكاتوري، وداميانو ساندي.

وقال التقرير إنه يجب إعطاء الأولوية القصوى إلى إكمال عملية الضبط المالي باتخاذ تدابير لدعم النمو، ولا سيما إجراء إصلاحات هيكلية واتباع سياسة نقدية على درجة عالية من التيسير.

وأضاف: «ينبغي إكمال جهود الضبط المالي باتخاذ تدابير داعمة للنمو، إذ يتعين معالجة القضايا الهيكلية وتهيئة أوضاع نقدية داعمة قدر الإمكان، حيث أشار إلى أنه رغم أن المملكة المتحدة حققت فوائض كبيرة وتمكنت من الحفاظ عليها بفضل جهدها المالي الكبير في حقبة العشرينات، فإن نسب الدين العام ارتفعت بالفعل في تلك الفترة، حيث جاء ذلك لقيام السلطات بالجمع بين تشديد سياسة المالية العامة والسياسة النقدية أفضى إلى نمو سالب، مما تسبب في تفاقم مشكلة الدين».

وتابع: «في اليابان وفي حقبة التسعينات، كان ينبغي إجراء إصلاحات هيكلية في القطاع المصرفي وتهيئة بيئة نقدية داعمة قبل أن يبدأ تأثير الضبط المالي، وبالتالي ينبغي أن تركز خطط الضبط المالي على الإصلاحات الهيكلية المتواصلة بدلا من التدابير المؤقتة أو قصيرة الأجل».

الجميع كان في طوكيو ينتظر حلولا أكثر لإنعاش الاقتصاد العالمي، إلا أن القضايا السياسية دخلت أيضا ضمن التحديث التي تواجه إنعاش الاقتصاد العالمي، ابتداء من مضاعفات الربيع العربي، ووصولا لمقاطعة الصين على مستوى وزير المالية ومحافظ البنك المركزي لاجتماعات الصندوق، حيث كان من المقرر أن يحضر المسؤولان على رأس وفد صيني للمشاركة في أعمال الجمعية العامة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في طوكيو.

وتمثل الصين بمسؤولين أدنى منهما. وقالت وكالة الصحافة الفرنسية «تحدث المسؤولون عن أسباب تقنية، لكن حسب المراقبين فإن هذا القرار مرتبط مباشرة بالنزاع الصيني الياباني حول جزر سيكاكو في بحر الصين الشرقي التي تديرها طوكيو وتطالب بها بكين التي تطلق عليها اسم جزر دياويو»، وأوضحت كريستين لاغارد رئيسة صندوق النقد الدولي «نأمل أن تحل الخلافات وحتى القديمة منها بطريقة منسقة وسريعة».

الاجتماعات السنوية المشتركة أظهرت وجود معادلة من طرفين كلاهما صعب، فمع تباطؤ نمو الاقتصاديات الكبرى خلال الفترة المقبلة، والذي سيكون له تبعات على مستوى تلك الاقتصاديات وارتباطها بدول العالم، شهدت تخوفا جديدا من نمو مفرط في اقتصاديات الدول الناشئة بسبب تدفقات السيولة الكبيرة نحو تلك البلدان، والذي يحمل تبعات أخرى حيث ما وصفته الفرنسية لاغارد رئيسة صندوق النقد أن معالجة الطرف الأول قد يؤدي إلى خلل في الطرف الثاني.

وقالت لاغادر «السياسات النقدية المتساهلة يمكن أن تسبب حالات واسعة من تدفق الرساميل نحو الاقتصادات الناشئة، وتؤدي إلى تشكيل طفرات مالية في أسعار بعض الأصول وولادة اختلالات في التوازنات المالية».

وأشارت إلى أن هذا الميل «يتسارع بوضوح» بفعل معدلات الفوائد المرتفعة في القوى الناشئة الرئيسية، ما يعني مردودية مرتفعة بالنسبة إلى المستثمرين، معربة عن أسفها لأن تضافر هذه العوامل «قد يقيد قدرة هذه الاقتصادات على استيعاب تدفقات الرساميل الكثيفة هذه ويؤدي إلى خطر نمو مفرط حتى درجة التضخم وإلى تشكيل طفرات مالية وولادة اختلالات في التوازن».

وقبل الأزمة المالية عاشت تلك الدول نفس الاختلالات لدرجة أن بعض مسؤولي البنوك المركزية في تلك الفترة اعترفوا بعدم القدرة على معالجة تلك المضاعفات للنمو المفرط في اقتصادياتهم، وبالتالي فإن السيناريو مرشح للعودة من جديد. لكن ومع كل هذه النتائج والتصريحات التي خرج بها المسؤولون يظل لغز إنعاش الاقتصاد العالمي مفقودا حتى إشعار آخر، وبحسب مسؤولين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» على هامش الاجتماعات - فضلوا عدم ذكر أسمائهم - أن حل ذلك اللغز قد يأخذ وقتا بأجزاء تقبع في خانة السنوات.