رئيس لجنة الصناعة بغرفة الشرقية: صناعة الكهرباء تحولت إلى إمبراطورية.. وهي إحدى المشكلات الصناعية السعودية

سلمان الجشي يؤكد أن الصناعة هي الخيار الأوحد وأن الاعتماد على البترول لا يعطي ضمانات للمستقبل

سلمان الجشي
TT

اعتبر سلمان الجشي رئيس اللجنة الصناعية للغرفة التجارية الصناعية بالمنطقة الشرقية أن الصناعة هي الخيار الأوحد للمملكة، وأن الاعتماد شبه الكلي على مصدر وحيد وهو البترول لا يعطي أي ضمانات للمستقبل.

وقال الجشي في حوار مع «الشرق الأوسط» إن على الحكومة السعودية أن تدعم الصناعة، مما سيكون له آثار إيجابية كبيرة على الاقتصاد الوطني، وبين أن المشكلة الأساسية التي بات يعاني منها قطاع الكهرباء، المحرك الأساسي للصناعة، هو تحول هذا القطاع إلى ما سماه «إمبراطورية»، بينما كان الأجدى بقاء القطاع كشركات متعددة، لكل منطقة شركة كهربائها الخاصة، مما سيخلق نوعا من التنافس فيما بينها. كما لفت إلى الدور المنتظر من مدينة الملك عبد الله للطاقة النووية والطاقة المتجددة في المستقبل، على اعتبار أن الاستفادة من الطاقة النووية والطاقة البديلة باتت تمثل حاجة ملحة، على الرغم من التكاليف الباهظة لإنجازها.

* تتحدث عن أهمية رفع العوائق عن الصناعة، أين تكمن هذه العوائق؟

- بداية، الصناعة هي الخيار الأوحد للمستقبل، ولكن هذا يتطلب تكاتف جميع الجهات ذات العلاقة من أجل رسم خارطة طريق للمستقبل استنادا على الصناعة، ولا يمكن أن تقوم الصناعة دون وضع استراتيجية صناعية واضحة لتبديد المخاوف المستقبلية. على سبيل المثال، لا يمكن بين يوم وليلة أن تتغير تكلفة الكهرباء، ما دامت الكهرباء ركيزة للمشاريع الصناعية، ولا يمكن أن تبقى مصلحة الجمارك بصفتها عضوا في لجنة الإعفاءات الجمركية تمارس سيطرة على القرارات، ولا يمكن أن تقوم الصناعة دون وجود إيمان من كل الوزارات بتطبيق أفضلية شراء الصناعة الوطنية، الذي أقر في مجلس الوزراء في عام 1407هـ. لا يمكن أن تقوم الصناعة ما لم تتغير آلية طرح وتنفيذ المشاريع الكبيرة للشركات الكبرى، مثل «أرامكو» و«سابك» و«معادن» والتحلية والكهرباء وقطاع البتروكيماويات وغيرها.

* كثيرا ما يشتكي الصناعيون من الكهرباء.. أين يقع الخلل تحديدا فيما يتعلق بالقطاع الكهربائي؟

- أعتقد أن المشكلة الأساسية للكهرباء أنها أصبحت «إمبراطورية» جديدة، فدمج شركات الكهرباء هو الشيء السيئ، لأنها أنهت التنافس والمقارنة بين المناطق في جودتها؛ فمن الصعب إدارة الشركة بشكل مركزي من الرياض، وهنا أوضح أن إدارة الشركة تعمل جاهدة، ولكنها لا تستطيع مهما عملت أن تدير هذا القطاع لكل المساحة الشاسعة للسعودية، التي تبلغ مليوني كيلومتر مربع.. ولو أخذنا المملكة كمساحة جغرافية أكبر من مساحة عدة دول في أوروبا الغربية مجتمعة، مثل فرنسا وألمانيا وإسبانيا والبرتغال، لاتضح حجم المركزية الإدارية لشركتنا.

وكما هو معروف، فإن القطاع الصناعي رافد مربح جدا لشركة الكهرباء، والخسارة الحادثة للشركة هي من القطاع السكني، على اعتبار أن الحكومة لا تود إثقال كاهل المواطن بمصاريف عالية للكهرباء، الصناعيون يتفهمون ذلك، ولكن يجب إيصال الرسالة للحكومة بأن الخسائر التي تتعرض لها الشركة ناتجة عن القطاع السكني، ويمكن للدولة أن تعوض الشركة عن هذه الخسائر من خلال المسؤولية الاجتماعية.

* قبل أيام، تم تداول خبر إطلاق مشروع للاستفادة من الطاقة الشمسية في مكة المكرمة، رصدت له موازنة بمليارات الريالات. كيف ترى هذا المشروع؟ وما هو أثره على مشكلات الكهرباء في المملكة؟

- الحديث عن الكهرباء والطاقة بشكل عام شائك، واليوم توجد مدينة الملك عبد الله للطاقة النووية والطاقة المتجددة، ولديها استراتيجية واضحة، ووضع آليات مستقبلية سواء المتعلقة بالطاقة النووية أو المتجددة، أو الاعتماد على الغاز أو البترول، فإنها يمكن أن ترسم خارطة طريق لمعرفة أين نحن ذاهبون.. ولو قررت السعودية الخروج من استهلاك البترول لإنتاج الكهرباء والاتجاه للبدائل الأخرى كالطاقة النووية التي تحتاج إلى استثمارات مكلفة وعالية، إلا أنها غير مكلفة على المدى البعيد، يمكن تمويل هذه المشاريع من الفارق في أسعار البترول المخصصة لإنتاج الكهرباء عند بيعها بالأسعار العالمية.

اليوم، السعودية أكبر دولة منتجة لتحلية المياه في العالم، لكنها لا تملك أسرار هذه الصناعة، إذ ما زالت تستوردها، وعند التوجه إلى الطاقة النووية يجدر أن نكون دولة رائدة في خلق وتطوير طرق إنتاج الطاقة، ونوجد صناعة سعودية خالصة.

* هل يفهم من ذلك أنكم غير متحمسين لمشروع الاستفادة من الطاقة الشمسية؟

- هذه جزء، وأنا أحب أن أتحدث عن الكل على مستوى البلاد، ومهما تكن المشاريع وحجم الإنفاق عليها، ما لم ترتبط ببعضها، ويكون لها خطة ومنظومة متكاملة، تجمع كل أطرافها، وتفيد الوطن خلال فترة زمنية محددة بعشر أو عشرين عاما. لو لم يحدث ذلك، فلا يمكن أن يكون هناك شعور بالتفاؤل، سواء بمشروع الطاقة الشمسية في مكة المكرمة، أو غيره من المشاريع في المناطق الأخرى من السعودية، وإذا لم تكن هناك خطة واضحة المعالم، فمعنى ذلك أن العمل يتم بطريقة عشوائية.

* يرى مراقبون أن الصناعة السعودية لم تخرج عن مستوى التجميع بعد، ما رأيك؟

- لو أخذنا شركة «الزامل للمكيفات» كمثال، فغير صحيح أن الشركة تعتمد بشكل كلي على استيراد القطع، أو أن دورها يقف على التجميع فقط، قد يكون ذلك من طبيعة عمل المصنع في بداياته، لكن «الزامل للمكيفات» الآن تنتج 80 في المائة تقريبا من قطع الإنتاج، بل هناك مصانع عالمية تقوم بصناعة مكيفاتها عند «الزامل»، وتحمل اسم شركاتها، ومنتجات «الزامل» اليوم موجودة في أكثر من 50 دولة حول العالم، وهذا يمثل فخرا للصناعة السعودية، والحديد كذلك، له سوق كبيرة، و«البابطين للأبراج» موجودة أيضا في أكثر من 40 دولة حول العالم، وغيرها من الشركات السعودية التي لها سمعة ونشاط على مستوى العالم، من المهم أن الدولة تتبني هذا الأمر، وتستثمر ذلك للمستقبل، خصوصا أننا نملك فوائض نقدية كبيرة، ولدينا مشاريع يمكن من خلالها المساهمة في رفع مستوى الصناعة الوطنية من خلال قيام هذه المشاريع على الصناعة السعودية وليس المستوردة.

* المجتمع السعودي لديه قناعة بعدم توفر شعار «صنع في السعودية»، وأن كل المتوفر في الأسواق المحلية إنما هو مستورد من الخارج، ما رأيك؟

- هذا الكلام غير صحيح، فهناك صناعات سعودية متكاملة، اليوم يتم تصنيع المواد الخام في المملكة، كما تجري بقية عمليات التصنيع، وهناك صناعات كثيرة وضعت لها الأسس، ولكنها تحتاج إلى تفعيل الصناعات في قطاع البترول والكيماويات. تحتاج السعودية إلى بناء مصانع للكيماويات، وأن تكون الصناعات بمنتجات وأيد سعودية وداخل السعودية، هذا أمر يتطلب إيمان جهات ذات علاقة بخلق الصناعة السعودية وبدعمها. بعد 80 سنة من اكتشاف البترول، وحسب تصريح مسؤول في «أرامكو».. 80 في المائة من احتياجات الشركة تستورد من الخارج.. لماذا؟ هذا السؤال يجب أن يواجه بواقع وبأرقام، ويتم وضع خطة، بحيث تتحمل الدولة، عن طريقها أو عن طريق صناديق الاستثمارات العامة، دخول وإنشاء صناعات تكون لديها استراتيجية.

* كثير من الدول الفقيرة بدأت في مجال التصنيع، وعلى الرغم من إمكانيات المملكة، فإنها لا تزال بعيدة عن تصنيع السيارات مثلا، كيف ترى المستقبل في هذا الاتجاه؟

- أعتقد أن مرحلة تجميع السيارات هي مرحلة أولى يجب دعمها، ونأمل أن تكون البداية من «إيسوزو»، وستتبعها شركات أخرى، وهذا ما نرجوه. كما نأمل أن تتبني وزارة التجارة والصناعة ضمن استراتيجيتها البدء في صنع مكونات السيارة، وذلك على نسق ما جرى في دول أخرى كتايلاند وماليزيا، وحتى الصين لم يكن لديها صناعة قطع سيارات بالكامل، وفي مصر بات هناك تجميع كامل للسيارة في الوقت الراهن.

* إلى ماذا تعزي ضعف حجم التبادل الصناعي بين دول مجلس التعاون؟

- هناك ميزة الـ5 في المائة للجمارك، ولكن الأهم هو انتقال السلعة من دولة إلى أخرى، حيث لا نزال نعاني من عملية تصدير واستيراد البضاعة، يجب أن تكون هناك حلول سريعة من أجل انسيابية وانتقال المنتج من دولة لأخرى.

* ما رأيك في موضوع نشاط الموانئ في المملكة وأثره على التجارة والصناعة في الدولة؟

- كما في دبي، يجب أن تتولي هيئة الموانئ، كجهة واحدة، إنهاء الإجراءات، ولا تتداخل معها جهات أخرى، وإدارة الموانئ في المملكة لا تملك السلطة، وهذا يمثل عائقا في العملية، وبتالي يتضرر التجار والصناع، والحل هو أن تتم العملية لدى جهة واحدة، من وصول الباخرة إلى حين تسلم البضاعة.

* ادعى بعض المخلصين الجمركيين أنهم يتسلمون البضائع من ميناء الملك عبد العزيز بالدمام بعد وصولها بأسبوعين أو ثلاثة، نتيجة لكثرة الإجراءات، وهذا يسبب لهم الضرر، فيما تنفي إدارة الميناء صحة كثير من هذه الشكاوى، ما رأيك؟

- لماذا يشهد جسر الملك فهد الرابط بين السعودية والبحرين ازدحاما يوميا في عدد الشاحنات التي تعبر من خلاله محملة بالبضائع المستوردة التي تصل إلى الميناء في البحرين؟.. هذه خسارة على الاقتصاد الوطني.. لماذا لا تصل هذه البضائع عبر الموانئ في السعودية؟ هذا السؤال الذي يجب أن نسأله. هناك ضعف في أداء بعض الأجهزة الحكومية ذات الارتباط بالموانئ، ويجب مواجهة هذا الواقع والاعتراف وحله، وهناك كثير من التجار الذين يفضلون الاستيراد عن طريق ميناء البحرين، على الرغم من الازدحام، والسبب سهولة الإجراءات في ميناء البحرين.

* ما صحة ما يشاع أن السعودي لا يمكنه أن ينتج كما ينتج الأجنبي؟

- هذا ليس صحيحا بالمطلق، فهناك سعوديون منتجون، وهناك سعوديون لا ينجزون، وهذه أمر طبيعي، في الشرقية فرصة لتوظيف سعوديين بشكل أكبر، وقد يكون أبناء منطقة أخرى يعتبرون العمل في المجال الصناعي عيبا، أو هناك من يفضل العمل في الوظائف الحكومية ويعتبرونها أساسا، لذا لا يمكن الحكم بشكل عام بأن السعودي غير منجز. ولكن لكي يدعم التوطين، أتمنى أن يكون هناك التزام وإيمان أكبر من وزارات الدولة بدعم المنتج السعودي، حتى يمكن توسيع قاعدة السعودة وتوطين الوظائف. ليس من العدل والإنصاف أن المصنع السعودي يدخل في مناقصة مع المصنع الكوري والمصنع الصيني، من دون أفضلية، وفي الوقت الذي يلزم السعودي بتطبيق نسبة معينة من السعودة لا يطبق الكوري والصيني، أي آلية من آليات السعودة؛ فمن العدالة أن ألتزم بقرار «نطاقات» في المجال الذي أعمل فيه، وفي نفس الوقت تلتزم وزارات الدولة بتطبيق قرار مجلس الوزراء بتفضيل المنتجات الوطنية.

* ما هو تقييمك لبرنامج «نطاقات»؟

- أتمنى تطبيقه على أساس مناطقي، بحيث يختلف في الشرقية عنه في الرياض والمنطقة الغربية، بمعني أنه تكون النسبة الصناعة في الشرقية تختلف عن الرياض والأخيرة عن الجوف مثلا. وكذلك الحال في الزراعة، عاش القطاع الخاص «نطاقات 2» و«3»، ونتمنى من وزارة العمل أن نعيش مستقبلا نطاقات المناطق، ويتم تكوين مجالس في المناطق مشتركة بين وزارة العمل والقطاع الخاص في كل منطقة من مناطق المملكة، لمعرفة الميزات والمدخلات المتوفرة في كل منطقة.

* يشكو كثير من رجال الأعمال، وخصوصا المستثمرين في قطاع المقاولات، من آلية تطبيق برنامج «نطاقات»، ومن ضعف رغبة السعودي في العمل بهذا المجال.. هل تعتقد أن تطبيق هذا البرنامج أضر قطاعات استثمارية معينة؟

- برنامج نطاقات يطبق آلية التعامل مع الجميع بالتساوي وبشفافية كبيرة، مع عدم تجاهل وجود تلاعب، ولكن تطبيقه حتى الآن يستحق الإشادة، لكن فيما يخص السعودة في قطاع المقاولات، فالرأي تخفيض النسبة مقابل رفعها في قطاعات أخرى ممن يكون فيها العمل في مكان مهيأ ومريح. قطاع المقاولات مرتبط بوقت معين يكون من خلال إنجاز مشاريع، وفي حال عدم حصول المقاول على العمل يسرح العاملين في المنشأة، ومن الأمثلة للمنشآت التي يجب أن يحصل فيها سعودة البقالات في الحواري داخل المدن والقرى، ولو صدر قرار بعدم فتح أي بقالة إلا بتوظيف سعودي، هذا الحل سيكون له أثر في تقليل القائمة الكبيرة من الموجودين في برنامج «حافز»، الذي أعتبر أن إقراره كان عاطفيا، وآلية تطبيقه الحالية خاطئة جدا، ولو طورت بطريقة أفضل، بحيث يمنح الدعم من يعمل في وظائف بسيطة وليس لمن يجلس في منزله ويصل إليه مبلغ شهريا دون أي جهد.

* لماذا لم تجدد عضويتك في مجلس الغرف الخليجية؟ وهل لديك النية في الانسحاب من مجلس الغرف السعودية؟

- لإيماني بفتح المجال للدماء والطاقات الجديدة، القادرة على معايشة الواقع، سأكون داعما لهم بالرأي، فقد حان وقت الرحيل.