«جدوى للاستثمار» تتوقع نمو الاقتصاد السعودي بنسبة 5.8 في المائة خلال 2012

توقعت أن تؤدي ضخامة إنتاج النفط وارتفاع أسعاره إلى تحقيق إيرادات نفطية قياسية

يتوقع أن يؤدي الإنفاق الحكومي الضخم ومتانة الطلب المحلي للمحافظة على المستوى المرتفع لواردات المملكة من السلع والخدمات (تصوير: خالد الخميس)
TT

توقع تقرير اقتصادي، صدر أمس، أن يسجل الاقتصاد السعودي نموا بمقدار يصل إلى 5.8 في المائة خلال العام الحالي (2012)، مشيرا إلى أن الاقتصاد السعودي يشق طريقه على الرغم من اضطراب الاقتصاد العالمي، في الوقت الذي توقع أن تبقي زيادة حجم الإنتاج على نمو قطاع النفط عند 6.1 في المائة، على الرغم من ضعف الاقتصاد العالمي.

وقال التقرير الصادر من شركة «جدوى» للاستثمار إن الاقتصاد السعودي يواصل نموه القوي، على الرغم من الضبابية التي تكتنف الاقتصاد العالمي، كما رفع التقرير تقديرات فائض الميزانية وفائض الحساب الجاري على حد سواء، في الوقت الذي أشار فيه إلى قدرة الإنفاق الحكومي على قيادة القطاع غير النفطي ليحقق نموا بنسبة 5.7 في المائة للعام الحالي.

وعن ملامح الاقتصاد العالمي قال التقرير إن صندوق النقد الدولي عدل تقديراته لنمو الاقتصاد العالمي بخفضه إلى 3.3 في المائة (من 3.5 في المائة وفقا لتقديرات يوليو «تموز» لعام 2012)، وإلى 3.6 في المائة من 3.9 في المائة للعام الذي يليه، وذلك على ضوء التباطؤ الأخير في الأنشطة الاقتصادية بالنسبة للاقتصادات المتقدمة والناشئة على حد سواء.

ولفتت «جدوى» في تقريرها إلى أن هناك تباينا واضحا بين أداء الاقتصادات المتقدمة، التي يرجح استمرار الركود في أنشطتها الاقتصادية وأداء الاقتصادات الناشئة، ومن المتوقع أن تتباطأ معدلات النمو القوية نسبيا في الأسواق الناشئة نتيجة لتسرب تأثيرات الأوضاع في الاقتصادات المتقدمة إليها من خلال العلاقات التجارية والمالية، وكذلك بسبب بعض التحديات المحلية.

ويتوقع أن يبقى النمو في معظم الاقتصادات المتقدمة ضعيفا وتظل الأنشطة الاقتصادية دون الإمكانيات الحقيقية لتلك الدول.

وأشار إلى وجود تحديات كبيرة لا تزال تعيق كثيرا من الاقتصادات المتقدمة، ولا بد من معالجتها حتى يمكن تحفيز انتعاش الطلب المحلي وتحسين الثقة وتقليص معدلات البطالة. بالنظر إلى الأوضاع في تلك الدول، هناك إجراءات ستكون لها نتائج إيجابية، مثل إجراءات التيسير الكمي التي تبناها مؤخرا الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي، التي يتوقع أن تسهم في زيادة النمو في تلك الدول، وبالمقابل هناك جوانب سلبية تضغط على النمو، أهمها بطء التقدم في اتخاذ الإجراءات المالية، وضعف القطاعات المالية. حاليا يتوقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصادات المتقدمة بنسبة 1.3 في المائة خلال العام الحالي، وبنسبة 1.5 في المائة العام الذي يليه، ولكن هذه التوقعات ربما لا تتحقق في حال أخفق السياسيون في معالجة التحديات الاقتصادية التي تلوح في الأفق.

وقال التقرير: «تواجه الولايات المتحدة مجموعة من التحديات المالية ربما تؤدي إلى تقويض عملية انتعاشها، حيث يتوقع أن يؤدي الانكماش المالي الحاد بنسبة 3 إلى 4 في المائة من الناتج الإجمالي نتيجة للزيادة التلقائية في الضرائب والخفض الكبير في الإنفاق الحكومي (المعروف بالهاوية المالية) في بداية عام 2013 إلى جر الاقتصاد الأميركي مرة أخرى إلى خانة الركود».

وأشار إلى أن هذه الهاوية المالية ستؤدي، مقرونة مع الضبابية التي تلف الدين الفيدرالي المتصاعد وسقفه الحالي، إلى خلق ظروف غامضة ربما تنهك القطاع الخاص الذي يعاني أصلا من ضعف النمو، فضلا عن أن ضعف الثقة ربما يتسرب إلى الاقتصادات الناشئة والمتقدمة على حد سواء.

وقد دفع التأخر في عملية رفع سقف الدين في صيف عام 2011 الذي نتج عن الخلافات السياسية بعض وكالات التصنيف الائتماني إلى خفض درجة تصنيف الولايات المتحدة، وقاد ذلك بدوره إلى خلق اضطراب كبير في الأسواق. أما بالنسبة لمنطقة اليورو، فإن التركيز على سياسة التقشف الآنية وأزمة الديون السيادية وضعف القطاع المالي ساهمت جميعها في تعميق الضبابية وإبطاء انتعاش الطلب الاستهلاكي وإضعاف استثمارات الشركات.

وتعني المخاوف بشأن الإنفاق الحكومي والدين العام في معظم الاقتصادات المتقدمة أن كل التحفيز الاقتصادي سيأتي على شكل تيسير للسياسة النقدية. وبما أن أسعار الفائدة هي في الأصل متدنية على نحو استثنائي، ويتوقع أن تظل كذلك لبعض الوقت، تطبق البنوك المركزية سياسة نقدية غير تقليدية جاءت أقل فعالية من سياسة الإنفاق الحكومي الضخم التي تم تبنيها عند انزلاق الاقتصاد العالمي إلى الركود عام 2008. إضافة إلى ذلك، ظلت القطاعات المالية في كثير من الاقتصادات المتقدمة ضعيفة نتيجة لبطء النمو كسبب رئيسي، وكذلك جراء الغموض الناجم عن انعدام إجراءات مالية موثوقة وبيئة تنظيمية جديدة. وقد تسبب العاملان الأخيران في الإبقاء على شروط الإقراض قاسية على الرغم من إجراءات التيسير الكمي.

وأكد التقرير أن الملامح المستقبلية للاقتصادات الناشئة تعتبر أفضل حالا، مشيرا إلى أن هذه المجموعة ستواجه مجموعة مختلفة من التحديات التي ربما تؤدي إلى تقليص زخم النمو لديها. فعلى الرغم من العوامل المحلية التي تضغط على النمو المحلي، مثل انتقال القيادة في الصين وعدم وضوح السياسات في الهند وتباطؤ النشاط في البرازيل والأرجنتين، فإن الاقتصادات الناشئة ستظل تجني فوائد الإصلاحات بعيدة المدى التي قادت إلى تحفيز الطلب المحلي ودعمت تعزيز النمو الاقتصادي القوي نسبيا لعدة سنوات.

لقد استطاعت الاقتصادات الناشئة بفضل القطاعات المالية القوية إلى حد ما والمديونية المنخفضة والميزانيات الجيدة أن تنهض بسرعة من الركود العالمي، وهي مهيأة لتسجيل معدلات نمو قوية عام 2012.

ووفقا لـ«جدوى»، فإنه على الرغم من جميع تلك العوامل المحلية الإيجابية، بدأت تأثيرات الأوضاع في الاقتصادات المتقدمة تتسرب إلى الاقتصادات الناشئة من خلال تباطؤ النشاط التجاري وتذبذب تدفق رؤوس الأموال.

وبين التقرير أن الاقتصاد السعودي يتوقع أن يسجل النمو خلال العام الحالي، ولن يكون على الأرجح بنفس مستوى العام الماضي، أحد أعلى معدلات النمو بين دول مجموعة العشرين، حيث إن هناك 4 عوامل تدفع نحو المحافظة على متانة النمو هذا العام؛ قطاع النفط، وسياسة التوسع المالي وتأثيرها الإيجابي على القطاع الخاص غير النفطي، وقوة الاستهلاك المحلي، إضافة إلى القروض الداعمة التي تقدمها البنوك إلى القطاع الخاص.

وتوقع التقرير أن تؤدي ضخامة إنتاج النفط وارتفاع أسعاره (109 دولارات للبرميل) إلى تحقيق إيرادات نفطية قياسية تبلغ حسب التقديرات بنحو 1.079.8 مليار ريال، أو ما يعادل 44.3 في المائة من الناتج الإجمالي، مما يؤدي إلى فائض ميزانية يصل إلى 347.7 مليار ريال عام 2012، أي بزيادة 5 في المائة عن التقديرات السابقة.

وسيستفيد ميزان الحساب الجاري من صادرات النفط التي تقدر بنحو 322.6 مليار دولار، التي ستؤدي إلى خلق فائض قدره 167.5 مليار دولار، أو ما يعادل 25.8 في المائة من الناتج الإجمالي.

ورفعت «جدوى» تقديرها لنمو الناتج الإجمالي الفعلي للعام 2012 من 5.3 في المائة إلى 5.8 في المائة، وذلك نتيجة لتعديل التوقعات بشأن حجم إنتاج النفط، في الوقت الذي توقعت سابقا أن يكون متوسط حجم إنتاج السعودية من النفط الخام خلال عام 2012 عند 9.6 مليون برميل يوميا، ولكن الإنتاج الفعلي ارتفع ليقترب من تسجيل رقم قياسي هذا العام، حيث تجاوز المتوسط في شهري أبريل (نيسان) ويونيو (حزيران) مستوى 10 ملايين برميل يوميا.

وبلغ مستوى الإنتاج خلال الفترة من بداية العام وحتى أغسطس (آب) 9.9 مليون برميل في اليوم، بزيادة 8.5 في المائة عن مستواه لنفس الفترة من العام الماضي. إضافة إلى ذلك، أشار وزير النفط السعودي علي النعيمي الشهر الماضي إلى أنه على الرغم من توفر إمدادات نفطية كافية في السوق حاليا إلا أن المملكة على أهبة الاستعداد لزيادة الإنتاج لتلبية أي طلب إضافي وبالتالي المحافظة على أسعار النفط عند مستويات معقولة.

ويتوقع أن يبقى إنتاج الخام السعودي مرتفعا خلال الفترة المتبقية من العام خاصة أن أوضاع السوق لا تبدو مقدمة على تغييرات مهمة، وبناءً عليه، فقد عدلت التقديرات لمتوسط الإنتاج لمجمل العام برفعه إلى 9.9 مليون برميل في اليوم، أي بزيادة نسبتها 6.3 في المائة عن الإنتاج الفعلي للعام الماضي. هذه الزيادة في الإنتاج ستؤدي على الأرجح إلى زيادة نمو الناتج الإجمالي الفعلي لقطاع النفط، الذي نتوقع أن يرتفع في عام 2012 بنسبة 6.1 في المائة عن مستواه للعام الماضي مقابل 5.1 في المائة، حسب توقعاتنا السابقة، وتوقع أن يبلغ متوسط سعر صادر النفط السعودي للعام 2012 نحو 109 دولارات للبرميل، مقارنة بمتوسط عند 100 دولار للبرميل، حسب التقديرات السابقة.

وقالت «جدوى» إن سوق النفط ستظل على الأرجح شديدة الحساسية تجاه عاملين رئيسيين يتجاذبان السوق في اتجاهين مختلفين، هما المخاطر الجيوسياسية في الشرق الأوسط والتخوف من بطء انتعاش الاقتصاد العالمي، والخوف من الاضطرابات في الشرق الأوسط سيدفع بأسعار النفط إلى الأعلى، بينما يدفع بها تباطؤ الاقتصاد العالمي إلى الأسفل.

ونتيجة لذلك، يتوقع أن تظل أسعار النفط متقلبة وفقا لتقدم وتراجع هذين العاملين. ويرجح أن تميل كفة الميزان ناحية المخاطر الجيوسياسية وتضاؤل طاقة الإنتاج الاحتياطية العالمية خلال العام الحالي، في حين تعتبر عملية تصوّر ما سيكون عليه التوازن بين تلك العوامل في العام المقبل أمرا أكثر تعقيدا، في ضوء التداعيات الكبيرة المتوقعة جراء الأحداث المالية والسياسية المرتقبة.

وبناء على ذلك، يتوقع أن تبقى أسعار النفط مرتفعة هذا العام على الرغم من توازن المعطيات الأساسية للسوق، ونقدر أن ينهي خام برنت عام 2012 بمتوسط سعر سنوي عند 114.4 دولار للبرميل، بزيادة 3 المائة عن العام الماضي، بينما ينهي صادر الخام السعودي العام عند 109 دولارات للبرميل مقارنة بمتوسط 103 دولارات للبرميل العام الماضي.

وقال التقرير إن ارتفاع أسعار النفط وزيادة حجم الإنتاج سيقودان إلى المزيد من التعزيز لوضع الميزانية العامة للدولة في المملكة، حيث يتوقع أن تواصل الميزانية تسجيل الفوائض على الرغم من الزيادة المتصاعدة في الإنفاق الحكومي.

وتشكل عائدات النفط نحو 90 في المائة من إيرادات الميزانية، ولذلك ستؤدي أسعار النفط المرتفعة إلى تحقيق إيرادات نفطية قياسية تقدر بنحو 1.08 تريليون ريال (288 مليار دولار)، أو ما يزيد على الإيرادات الفعلية للعام الماضي بنسبة 4 في المائة.

وبتضافر هذه الإيرادات الضخمة مع ارتفاع الإيرادات غير النفطية بفضل نمو القطاع غير النفطي، يرتفع إجمالي الإيرادات للعام ككل إلى 1.19 تريليون ريال، بزيادة 6 في المائة عن مستواها للعام السابق، وستمكّن هذه الإيرادات الحكومة من تمويل كل مجالات الإنفاق المخططة لهذا العام بارتياح، ولا يعتقد أن الحكومة سترفع إنفاقها بشكل كبير على الرغم من أنه تم تعديل التقديرات للمنصرفات برفعها إلى 841 مليار ريال (224 مليار دولار) بسبب زيادة عدد متلقي إعانة البحث عن العمل بمعدل أكبر مما يتوقع.

وعليه يتوقع تقرير «جدوى» أن يصل فائض الموازنة العامة إلى 347.7 مليار ريال (92.72 مليار دولار) هذا العام، وهذا يمثل 14.3 في المائة من الناتج الإجمالي، مقارنة بفائض قدره 291 مليار ريال (77.9 مليار دولار)، وهو ما يمثل 13.5 في المائة من الناتج الإجمالي للعام 2011، ونتيجة لذلك، يتوقع أن تواصل الحكومة تقليص دينها العام من 6.3 في المائة من الناتج الإجمالي في عام 2011 إلى 5.6 في المائة هذا العام، وبناء على تقديراتنا الجديدة لحجم إنتاج النفط والوضع المالي، يقدر سعر النفط التعادلي للميزانية، الذي يجعل إجمالي الإيرادات تغطي إجمالي المنصرفات للعام، بـ74 دولارا للبرميل (سعر خام الصادر السعودي).

ويتوقع أن يؤدي الإنفاق الحكومي الضخم ومتانة الطلب المحلي إلى المحافظة على المستوى المرتفع لواردات المملكة من السلع والخدمات، وقد فاقت قيمة خطابات الاعتماد التي تم فتحها لدى البنوك التجارية لتغطية الواردات خلال الشهور الثلاثة المنتهية في أغسطس (آب) مستواها لنفس الفترة من العام الماضي، بنحو 14 في المائة.

ولكن على الرغم من ارتفاع قيمة الواردات، فإن الزيادة الكبيرة في إيرادات الصادرات النفطية ستبقي الميزان التجاري يحقق فائضا مريحا يتوقع ارتفاعه حسب التقديرات الحالية إلى 258 مليار دولار للعام 2012، أي بزيادة 5 في المائة عن مستوى العام الماضي.

ويتوقع أن يعمل هذا الارتفاع في فائض الميزان التجاري على موازنة صافي التدفقات النقدية الخارجة وأن يؤدي إلى زيادة فائض الحساب الجاري إلى 167.5 مليار دولار، وهو ما يمثل 25.8 في المائة من الناتج الإجمالي، من 158.5 مليار دولار العام الماضي.

وستنعكس متانة وضع المدفوعات الخارجية للسعودية على زيادة صافي الموجودات الأجنبية، حيث يتوقع أن تسجل الاحتياطيات الرسمية الأجنبية مستوى قياسيا جديدا بارتفاعها إلى 700 مليار دولار عام 2012 مقارنة بـ621,5 مليار دولار بنهاية عام 2011، وهناك عامل واحد قد يجعل النتائج الفعلية تأتي أقل من تقديرات، هو زيادة التدهور في معدل نمو الاقتصاد العالمي، الذي ربما يؤدي إلى تقليص الطلب على النفط وخفض أسعاره، وإن كان هذا الاحتمال لا يشكل السيناريو الأساسي للتوقعات.

القطاع غير النفطي: على الرغم من تباطؤ وتيرة نشاط القطاع الخاص خلال النصف الأول من العام الجاري مقارنة بمستواه الذي اقترب من الارتفاع القياسي خلال نفس الفترة من العام الماضي، من المتوقع أن يبقى نمو القطاع غير النفطي قويا، وفي ظل متانة المعطيات المحلية خاصة فيما يتعلق بقطاع النفط والأوضاع المالية، فيتوقع أن يحافظ القطاع غير النفطي على أداء قوي هذا العام وينمو بنسبة 6.1 في المائة.