ميركل تدعو لحماية اليورو وتعويض البلدان التي تقوم بإصلاحات

بروكسل ترحب بتصويت البرلمان اليوناني وتحدد 2014 نهاية للأزمة.. و«الترويكا» وصلت إلى قبرص «المتعثرة»

TT

قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إنه يجب على الاتحاد الأوروبي أن يجد الشجاعة لإجراء المزيد من الإصلاحات والإدماج الاقتصادي والمالي، وفي الوقت نفسه لا بد من حماية اليورو، وتعويض البلدان التي تقوم بجهود إصلاحية.

وبينما أكدت المستشارة الألمانية أن بريطانيا جزء لا غنى عنه من أوروبا، حذرت المفوضية الأوروبية من أن منطقة اليورو ستجتاز في عام 2013 مرحلة اضطرابات يطبعها ضعف النمو وانحرافات في الميزانيات وبطالة واسعة النطاق، قبل أن ترى في 2014 نهاية النفق المظلم لا سيما في اليونان التي عرفت تصويتا إيجابيا لصالح خطة متفق عليها مع الجهات الدائنة، وهذا التصويت أساسي من أجل الإفراج عن أموال قروض الأوروبيين وصندوق النقد الدولي، لكنه يجري وسط إضرابات ومظاهرات مناهضة للتقشف في اليونان.

ورحبت مؤسسات اتحادية أوروبية ببروكسل بالتصويت الإيجابي، وأعربت مجموعات حزبية داخل البرلمان الأوروبي عن أملها في أن ترى مزيدا من الدعم الأوروبي لليونان لخروج البلد من الركود. وقالت كتلة الاشتراكيين الديمقراطيين إن الحزمة التي صوت لصالحها البرلمان اليوناني تضمن حصول أثينا على مزيد من الدعم، ولكن تحتوي على تدابير قاسية بشكل كبير على السكان.

وقد وصل فريق «ترويكا» الجهات الدائنة أمس الخميس إلى قبرص لاستئناف المفاوضات مع حكومتها حول حزمة المساعدات المالية التي تحتاجها البلاد لدعم ماليتها العامة ومصارفها. وفي بروكسل، قالت المستشارة الألمانية إنه يجب على الاتحاد الأوروبي أن يجد الشجاعة لإجراء المزيد من الإصلاحات والإدماج الاقتصادي والمالي، وفي الوقت نفسه لا بد من حماية اليورو، وتعويض البلدان التي تقوم بجهود إصلاحية. كما قالت المستشارة الألمانية إن بريطانيا جزء لا غنى عنه من أوروبا. وأضافت أمام البرلمان الأوروبي «إنني أريد بريطانيا قوية في الاتحاد الأوروبي»، ورفضت ما يتردد عن احتمالات خروج بريطانيا من الاتحاد. وقالت «لا أستطيع مجرد تخيل ذلك، فما زال لدينا جنود بريطانيون اليوم، وإن بريطانيا لن تكون إلا جزءا من أوروبا.. إذا أصبحت وحيدا في عالم يضم 7 مليارات نسمة فلن يكون ذلك جيدا بالنسبة لبريطانيا».

وعلى مدى ساعتين، شاركت المستشارة الألمانية في جلسة نقاش مع أعضاء البرلمان الأوروبي حول المشاكل الاقتصادية للاتحاد الأوروبي والمفاوضات بشأن الموازنة الاتحادية طويلة الأمد. ونوهت ميركل بأن مجموعات الضغط السياسية داخل المؤسسة التشريعية لا بد أن تكون أكثر طموحا، وأن تركز بشكل أقل على التقشف والتوقف عن اتهام اليورو بأنه وراء الكثير من العراقيل. ودعت ميركل أول من أمس الأربعاء، أمام البرلمان الأوروبي في بروكسل، إلى تعزيز «شجاع وطموح» للاتحاد الاقتصادي والنقدي، لكن هذه الدعوة تستدعي لتحقيقها تعديل المعاهدات الأوروبية ذات الصلة. وشددت ميركل على الحاجة إلى «تصحيح الأخطاء في مبدأ» منطقة اليورو، مشيرة إلى أنه يمكن «الذهاب أبعد عبر إعطاء الاتحاد الأوروبي حق النظر في موازنات الدول الأعضاء».

وحذرت المفوضية الأوروبية من أن منطقة اليورو ستجتاز في عام 2013 مرحلة اضطرابات يطبعها ضعف النمو وانحرافات في الميزانيات وبطالة واسعة النطاق، قبل أن ترى في 2014 نهاية النفق المظلم، لا سيما في اليونان. ونشرت المفوضية توقعاتها الاقتصادية للخريف والتي جاءت أكثر تشاؤما من سابقاتها، إذ أشارت إلى أن منطقة اليورو ستخرج من الانكماش عام 2013 ولكن بنمو شبه معدوم (+0.1 في المائة). وأوضحت المفوضية أن النمو سيستأنف في 2014 حيث يتوقع أن يبلغ 1.4 في المائة. مقابل هذا النمو البطيء، قالت المفوضية إن نسبة البطالة ستستمر في الارتفاع في منطقة اليورو، وستصل إلى 12 في المائة في 2013 وهو مستوى قياسي، مع دين عام سيبلغ 94.5 في المائة.

وقالت المفوضية إنه «نظرا إلى أن وضع سوق العمل أسوأ من قبل فإن الثقة وآفاق النمو ستتأثر بذلك». وعلى مستوى الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد ستبلغ نسبة النمو 0.4 في المائة في 2013، و1.6 في المائة في 2014. وصرح المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية أولي رين بأن «أوروبا تمر بمرحلة صعبة من إعادة التوازن إلى اقتصادها الكلي ستستغرق المزيد من الوقت. لقد هدأ اضطراب الأسواق لكنه من المبكر جدا الاحتفال بذلك». لكنه أوضح أنه يتعين على القارة العجوز «مواصلة مواءمة سياسات الميزانية السليمة والإصلاحات البنيوية من أجل إنشاء الظروف التي تسمح بنمو دائم كفيل بتقليص البطالة مقارنة بالنسب الحالية المرتفعة غير المقبولة».

غير أن الإصلاحات التي تطالب بها بروكسل يصعب إقناع الكثيرين بقبولها. ففي أثينا صوت النواب مساء الأربعاء على مشروع قانون مثير للجدل يشدد إجراءات التقشف على البلاد طوال أربع سنوات إضافية بضغط من المانحين. وهذا التصويت أساسي من أجل الإفراج عن أموال قروض الأوروبيين وصندوق النقد الدولي، لكنه جرى وسط إضرابات ومظاهرات مناهضة للتقشف في اليونان. ورحبت مؤسسات اتحادية أوروبية ببروكسل بالتصويت الإيجابي، وأعربت مجموعات حزبية داخل البرلمان الأوروبي عن أملها في أن ترى مزيدا من الدعم الأوروبي لليونان لخروج البلد من الركود. وقالت كتلة الاشتراكيين الديمقراطيين إن الحزمة التي صوت لصالحها البرلمان اليوناني تضمن حصول أثينا على مزيد من الدعم، ولكن تحتوي على تدابير قاسية بشكل كبير على السكان حسبما ذكر هانز سوبودا، رئيس الكتلة البرلمانية. وفي اليونان، يتوقع أن يبلغ مستوى البطالة 24 في المائة العام المقبل، ولن يشهد عام 2014 إلا تحسنا طفيفا. كما توقعت المفوضية تضاعفا هائلا في الدين العام سيبلغ 188.4 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي عام 2013 ليصل إلى حده الأقصى عام 2014 بنسبة 188.9 في المائة.

من جهته، قال محافظ المصرف المركزي الأوروبي ماريو دراغي إن «أرقام البطالة ارتفعت بشكل مأساوي. الوضع الاقتصادي بمجمله ضعيف وهذا لن يتغير في المستقبل القريب». وتتضاعف الانحرافات بالنسبة إلى دول أخرى على غرار إسبانيا التي لن تتمكن من تحقيق أهدافها المالية عام 2013 و2014 وستبقى غارقة في الانكماش العام المقبل (- 1.4 في المائة). وقدرت بروكسل بلوغ العجز المالي الإسباني 8 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي لهذا العام، و6 في المائة عام 2013، قبل أن يتصاعد إلى 6.4 في المائة عام 2014. وهذا يشكل ضربة قاسية لرئيس الوزراء المحافظ ماريانو راخوي الذي وعد بالعودة إلى ما دون عتبة 3 في المائة عام 2014، وأقنع بوعده هذا شركاءه الأوروبيين بتمديد المهلة الممنوحة لبلاده عاما لإنجازه. هذه الأرقام السيئة تهدد باستئناف النداءات من أجل طلب البلاد خطة مساعدة اقتصادية إلى جانب المساعدة الممنوحة لمصارفها.

ومن الدول الأخرى التي تواجه المصاعب تبرز فرنسا التي بات عليها تغيير مسار ميزانيتها عامي 2013 و2014، حيث سيبلغ عجزها العام 3.5 في المائة بعد أن تعهدت باريس بتخفيضه إلى 3 في المائة في العام المقبل. كما يتوقع ألا يتجاوز النمو في الاقتصاد الثاني في منطقة اليورو 0.4 في المائة عام 2013 بحسب المفوضية، أي أقل مما توقعته الحكومة الفرنسية التي تسعى إلى 0.8 في المائة. وستخفض فرنسا الضرائب على المداخيل بمعدل عشرين مليار يورو خلال السنوات الثلاث المقبلة، وهذا ما أعلنه رئيس الوزراء جان مارك أيرولت، في إطار سلسلة من الإجراءات تهدف إلى تفعيل القدرة الصناعية للصناعات الفرنسية. الإجراءات مستوحاة من تقرير رئيس الاستثمارات لوي غالوا. وقال أيرولت إن نصف المبلغ سيتم تأمينه عبر إجراء تخفيضات إضافية على الإنفاق، أما النصف الآخر فسيتم تأمينه عبر زيادة الضريبة على القيمة المضافة والضريبة البيئية. وأعلن أيرولت عن رفع الضريبة على القيمة المضافة من 19.6 في المائة إلى 20 في المائة، مشيرا إلى أن الارتفاع الأكبر سيتم فرضه على المطاعم والخدمات المنزلية، لكنه أكد أن هذه الزيادات لن تتم قبل عام 2016 كي لا يتأثر الاستهلاك العام. وبالتالي، لن ترى أوروبا النور في نهاية النفق قبل 2014. فكل دول منطقة اليورو بما فيها اليونان يتوقع أن تكون قد خرجت من مرحلة الانكماش، باستثناء قبرص التي تنتظر وفد ترويكا الجهات الدائنة (الاتحاد الأوروبي، صندوق النقد الدولي، البنك المركزي الأوروبي) أمس الخميس لإبرام اتفاق حول خطة لمساعدة اقتصادها.

ويذكر أنه بعد التهنئة الحارة وكلمات الإشادة بما تحقق طوال السنوات الأربع الماضية، والإشارة إلى القيم والمصالح المشتركة، شهدت الرسائل التي صدرت من أوروبا لتهنئة الرئيس الأميركي باراك أوباما لإعادة انتخابه لأربع سنوات قادمة، التركيز على الملفات الاقتصادية، وضرورة تعزيز التعاون عبر الأطلسي من أجل تحقيق النمو وخلق فرص العمل. وفي بيان مشترك، عبر كل من رئيس الاتحاد الأوروبي هيرمان فان رومبوي، ورئيس المفوضية الأوروبية مانويل باروسو، عن أملهما في تكثيف التعاون مع إدارة الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما خلال السنوات الأربع المقبلة. وجاء في البيان «نتطلع للعمل مع الرئيس أوباما والتعاون من أجل النهوض بالتحديات المشتركة التي تواجهنا، خاصة في مجالات الأمن والاقتصاد»، مع التأكيد على أن «العودة للنمو وخلق مزيد من فرص العمل في صدارة الأولويات لأوروبا والولايات المتحدة الأميركية معا، كما أن التعاون المشترك سيسمح بفتح آفاق جديدة تعود بالفائدة على الأسواق عبر الأطلسي».

وقال وزير الخارجية البلجيكي ديدييه رايندرز إن الرئيس أوباما أظهر خلال فترة الرئاسة الأولى انفتاحا وميلا للعمل في إطار دولي تعددي. وأضاف الوزير البلجيكي أن هناك قناعة بأن أوروبا تستطيع الاستمرار في التعاون مع الولايات المتحدة بشأن العديد من الملفات الدولية، وكذلك يمكن الاستمرار في التعاون معه في الكثير من المجالات ومنها الملفات الاقتصادية. وجاءت خطابات التهنئة الأوروبية عشية اجتماع الخميس للمجلس الحكومي للمصرف المركزي الأوروبي في برلين، وشاركت فيه المفوضية الأوروبية. وهناك ترقب لنتائج هذا الاجتماع الذي يبحث في سبل معالجة الأزمة التي تشهدها منطقة اليورو ودور المصرف الأوروبي في هذا الصدد، وذلك قبل أيام قليلة من اجتماعات مقررة لوزراء المال الأوروبيين في الثاني عشر من الشهر الحالي للبحث في عدة خطوات في هذا الصدد.

يحدث ذلك بينما أزمة الديون ما زالت تهدد منطقة اليورو، فالشركات شهدت انخفاضا كبيرا للطلب في شهر أكتوبر (تشرين الأول)، ومؤشر مديري المشتريات كان دون التوقعات إذ بلغ 45.7 وهو أدنى من 50، المؤشر الفاصل بين النمو الاقتصادي والانكماش. في حال لم يشهد المؤشر أي تحسن هذا الشهر والشهر المقبل، يرجح أن تشهد منطقة اليورو تراجعا اقتصاديا كبيرا في الربع المالي الرابع.

وما يقلق المحللين هو احتمال دخول أكبر قوتين اقتصاديتين في المنطقة بانكماش اقتصادي، حيث إنه في فرنسا، بلغ مؤشر مديري المشتريات لقطاع الخدمات 44.6، وهو ما يشكل أدنى معدل منذ عام واحد، أما في ألمانيا، القوة الاقتصادية الأولى، فقد بلغ 44.6.

وفي الإطار نفسه، وصل فريق «ترويكا» الجهات الدائنة الخميس إلى قبرص لاستئناف المفاوضات مع حكومتها حول حزمة المساعدات المالية التي تحتاجها البلاد لدعم ماليتها العامة ومصارفها. وأعلن المتحدث باسم الحكومة القبرصية، ستيفانوس ستيفانو، في بيان عن الزيارة المقررة لممثلي «الترويكا»، المؤلفة من البنك المركزي الأوروبي والمفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولي، مشيرا إلى أنهم سيستأنفون محادثاتهم مع الحكومة اليوم الجمعة. وأوضح ستيفانو أن المفاوضات بين نيقوسيا وفريق «الترويكا» تهدف للتوصل إلى اتفاق حول منح قبرص برنامج مساعدات.

وكانت السلطات القبرصية قد بدأت مفاوضاتها مع «الترويكا» منذ خمسة أشهر، بعد أن باتت قبرص في 25 يونيو (حزيران) الماضي خامس دول منطقة اليورو التي تطلب مساعدة مالية من شركائها في تكتل العملة الموحدة. وقد زار وفد الجهات الدولية الدائنة القبرص مرتين منذ ذلك الحين. ووفقا لتقديرات وكالة «ستاندرد آند بورز» للتصنيف الائتماني، فإن قبرص قد تحتاج لنحو 15 مليار يورو (83 في المائة من إجمالي ناتجها المحلي) لتحقيق التعافي لاقتصادها وقطاعها المصرفي.