حتى لا نعمق جرح أزمة السكن!

سعود الأحمد

TT

نسمع هذه الأيام آراء صحافية تتوقع سقوطا قريبا لسوق العقار! وحول هذا الموضوع كانت لي آراء كثيرة، ملخصها أنني أطالب كل صاحب رأي بأن يوضح بالتحديد ماذا يقصد بنوع العقار الذي يتوقع لأسعاره أن تسقط.. وأهم من ذلك أن نستشعر مسؤوليتنا الأدبية والأخلاقية والمهنية كحملة أقلام، حتى لا نظلل الرأي العام ونحن لا ندري.

فما أكثر ما يتخذ العامة ورجال أعمال ومستثمرون قرارات اقتصادية واجتماعية بتأثير مما يقرأونه من آرائنا وتحليلاتنا الصحافية، وهي (مع الأسف) آراء لم تؤهل لهذه المهمة ولم تُعط وتبذل ما تستحقه من الحرص والعناية.. في ظل غياب آليات المساءلة القانونية لتلك الممارسات، فكل يكتب ويكتب تحت اسمه ما يشاء من عناوين! وبهذا الصدد، أريد أن أقول إن على من يريد قراءة مستقبل سوق العقار ويقدم توقعاته، أن يُدرك أن في الفكر الاستثماري عوامل يمكن قياسها والتحكم فيها وأخرى لا يمكن قياسها، مع أن كليها مؤثر في ميكانيكية العرض والطلب، فالعوامل التي يمكن للمستثمر قراءتها والتحوط منها Unsystematic factors مثل احتياجات الإسكان من خلال أرقام النمو السكاني ونمو الدخل إلى غير ذلك من العوامل التي يمكن دراستها علميا ومهنيا.

أما العوامل الأخرى التي لا يمكن قراءتها وقياس تأثيرها على السوق Systematic factors، فهذه مثل الكوارث الطبيعية والقرارات الحكومية والاكتشافات والاختراعات التي تؤثر في ميكانيكية العرض والطلب للسلعة. وإن كان هناك عوامل مما لا يُمكن قراءتها لكن يمكن توقعها، فأحيانا تضرب توقعات البعض لقرارات حكومية يفترض أنها لا بد أن تصدر لحل مشكلة ما، ويحدث أن تصدر بالفعل مثل هذه القرارات، فيقال عن صاحب هذا الرأي أو التحليل إنه صادق أو صائب أو دقيق! والحقيقة أن مثل هذه العوامل لا يمكن دراستها وتحليلها بأسلوب علمي ومهني، ومع هذا لا يُنكر تأثيرها على توجيه المستثمر للقرار الاستثماري المفيد.. لكنها لا تصدق دائما.

الأمر الآخر أنه يجب علينا كمحللين ماليين واقتصاديين أن نوضح ما نقصد بالتحديد. فعندما نقول إن سوق العقار مقبلة على سقوط أو طفرة، فيجب أن نوضح ما نقصد بالعقار السكني؛ هل نقصد الفيللات أو الشقق أو «الدبلكس» أو البيوت الشعبية بالأحياء القديمة، أم أننا نقصد العقار الاستثماري، ونوضح ذلك بالعمائر التجارية على الشوارع الرئيسية والطرق السريعة أو المحلات والدكاكين بالمجمعات بالأحياء الجديدة أو بالأسواق التجارية داخل ووسط المدن الرئيسية. أم أننا نقصد بالعقار الأراضي؟ وهنا لا بد أن نفرق بين الأراضي داخل الأحياء القديمة والأراضي داخل الأحياء الجديدة المخططة، وما هو منها قريب يعتبر داخل المدن وما هو في أطراف المدن وخارجها؛ المخططات الجديدة التي وفرت لها الخدمات (على بعدها من المدينة).

ونفرق بين هذه العقارات والأراضي السكنية التي بمخططات معتمدة، ولكن ينقصها بعض الخدمات أو التي تحتاج على وقت لتستكمل خدماتها، وما هو منها للسكن وما هو للاستراحات.

فعلى سبيل المثال، لو أصدرت الحكومة قرارا يقضي باعتماد مخططات منح جديدة ومنحها لكل مواطن لا يملك سكنا وإيصال الخدمات لها خلال فترة سنة أو سنتين، فهذا يعني أن أسعار الأراضي البعيدة ستنخفض، لأن الطلب عليها سينخفض. لكن هذا لا يعني أن العمائر والمحلات التجارية في المجمعات التجارية والأسواق داخل المدن ستنخفض.. صحيح أنها كلها عقارات، لكن التأثير لن يكون شاملا بنفس المعدل.

كما أن الإنفاق الحكومي الداخلي وكثرة المشاريع الحكومية تنعش السوق المحلية، وتزيد من أسعار إيجارات المحلات التجارية.

الشاهد أننا، وحتى لا نعمق الجرح ونقود الرأي العام إلى غير هدى، نحتاج إلى بيان ما نقصد عندما نقدم قراءاتنا لسوق العقار، لأن القراء ليسوا دائما متخصصين ويفهمون في الاقتصاد ويستطيعون قراءة ما نقصد من بين السطور.

* كاتب ومحلل اقتصادي [email protected]