مستقبل الفحم يبدو ورديا في ظل نهم الصين والهند للطاقة

الهند بمفردها تعتمد عليه في توليد 55% من احتياجاتها الكهربائية

هنديات يحملن فحما في منطقة جهارخاند بالهند (رويترز)
TT

في الصيف الماضي، وجد نصف سكان الهند تقريبا أنفسهم يتصببون عرقا بعد انقطاع التيار الكهربائي فجأة، مما أدى إلى توقف أجهزة التكييف والثلاجات، والسبب الرئيسي وراء ذلك هو تقادم محطات توليد الكهرباء وضعف شبكات توزيع الكهرباء. إلا أن هناك مشكلة أخرى أطلت برأسها، وهي أن الهند تعتمد على الفحم في توليد 55 في المائة من الكهرباء التي تحتاجها، وهي تجد صعوبة في توفير كميات كافية منه تحت تصرفها. ويظل الفحم مكونا حيويا في إمدادات الطاقة في العالم رغم صورته السيئة، ففي الصين أدى الطلب على الفحم في عام 2010 إلى تكدس مروري بلغ طوله 75 ميلا نتيجة قدوم 10 آلاف شاحنة محملة بإمدادات من الفحم من منغوليا الداخلية. والهند أيضا تعمل على زيادة وارداتها من الفحم، وكذلك الحال مع أوروبا، التي تستفيد من تراجع أسعار الفحم في الولايات المتحدة، حيث إن ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في القارة العجوز يزيد الطلب على واردات الفحم من الولايات المتحدة، التي بدأ الفحم فيها يتأثر بشدة نتيجة تراجع تكلفة الغاز الطبيعي.

وقد يبدو الفحم منافسا غريبا في عالم بدأ اهتمامه ينصب على مصادر الطاقة المتجددة الواعدة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية، ورغم أنه من ألد أعداء المهتمين بشؤون البيئة لأنه يحدث قدرا هائلا من التلوث، فإنه ما زال يتمتع بمزايا لا يمكن إنكارها من حيث توافره على نطاق واسع وسهولة شحنه وحرقه، غير أن أكبر عامل جذب هو تدني التكلفة، فطبقا لكثير من التقديرات - مثل تقديرات لي يون فينغ، وهو المدير العام المخضرم لـ «اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح» في الصين - فإن حرق الفحم ما زال يتكلف نحو ثلث تكلفة استخدام الطاقة المتجددة مثل الرياح أو الطاقة الشمسية، كما أن الفحم لا يتعرض لتقلبات الأيام التي تغيب فيها الرياح أو أشعة الشمس، ومن الممكن بسهولة أن يلبي طلب الحمل الأساسي لمستهلكي الكهرباء من دون انقطاع، وهذا في مقدور الطاقة النووية أيضا، إلا أن مجال الطاقة النووية ما زال متأثرا بالكارثة التي حلت بمحطة كهرباء «فوكوشيما دايتشي» اليابانية في شهر مارس (آذار) عام 2011، وهناك بلدان مثل ألمانيا تحرص على الابتعاد تماما عن المفاعلات النووية.

ومن المتوقع أن يرتفع حجم الطلب العالمي على الفحم إلى 8.9 مليار طن بحلول عام 2016، مقارنة بحجم 7.9 مليار طن هذا العام، وجل هذا الطلب الجديد - وهو نحو 700 مليون طن - يأتي من الصين، وذلك وفقا لما توصلت إليه دراسة أجرتها شركة «بي بودي للطاقة».

ومن المتوقع أن تضيف الصين في غضون 4 سنوات 240 غيغاواط، أي ما يعادل إضافة نحو 160 محطة كهرباء جديدة تعمل بالفحم إلى 620 محطة تعمل لديها حاليا، بينما ستضيف الهند خلال تلك الفترة 70 غيغاواط من خلال إنشاء ما يزيد على 46 محطة. ويقول ويليام بيرنز، وهو محلل في مجال الطاقة لدى شركة «جونسون رايس» بولاية نيو أورليانز: «إذا أطللت برأسك خارج الولايات المتحدة، فسوف تجد أن هناك محطات تعمل بالفحم يتم بناؤها يمنة ويسرة. ما زال الفحم هو أرخص مصدر للوقود». وتضيف الدراسة التي أجرتها شركة «بي بودي» إلى أنه إلى جانب قوة الطلب على الفحم الحراري الذي يتم حرقه داخل محطات توليد الكهرباء، فمن المتوقع أن يزيد استهلاك الصين من الفحم المعدني أو فحم الكوك الذي يستعمل في الأفران العالية بما يتجاوز الضعف، ليصل إلى نحو 1.7 مليار طن متري بحلول عام 2016، في ظل زيادة مصانع الحديد والصلب في البلاد إنتاجها من الصلب من أجل مصانع السيارات وناطحات السحاب والصادرات.

كما سيتزايد الطلب على فحم الكوك في مراكز الصلب الأخرى مثل البرازيل والهند، مما يدفع شركات الفحم إلى البحث عن احتياطات جديدة في أماكن مثل بتسوانا ومنغوليا وموزمبيق. ويوضح ميلتون كاتلين، وهو الرئيس التنفيذي لـ«رابطة الفحم العالمية»، أنه من المتوقع أن يزداد استعمال الفحم على وجه العموم بنسبة 50 في المائة بحلول عام 2035، مضيفا: «في العام الماضي، كان الفحم يمثل 30 في المائة من طاقة العالم، وهي أعلى حصة سجلها منذ عام 1969». ويتوقع كاتلين أن يتفوق الفحم على النفط في غضون عام أو اثنين ليصبح الوقود الرئيسي في العالم.

أما الآن، فيبدو أن الفحم يتجاوز عائقا خطيرا محتملا أمام استعماله، وهو الاتفاقات الدولية التي تقضي بالحد من انبعاث غازات الاحتباس الحراري، حيث إن هذه الاتفاقات الرامية إلى منع التغيرات المناخية ظلت حتى الآن غير فعالة. وتنوي الصين إضافة معدات لتقليل الانبعاثات الكربونية في المصانع الجديدة، إلا أنها هي وغيرها من كبار البلدان المنتجة للفحم ما زال أمامها شوط طويل كي تقطعه في ما يتعلق بأمور مثل معايير الأمان داخل المناجم، فهناك 2500 عامل في المتوسط من عمال مناجم الفحم الصينيين يموتون في حوادث سنويا. ففي يوم 29 أغسطس (آب) الماضي على سبيل المثال، وقع انفجار في منجم «شياو جياوان» بمقاطعة سيشوان أدى إلى مصرع ما يزيد على 40 عاملا، وعزا المسؤولون ذلك الحادث إلى ضعف إجراءات الأمان والازدحام داخل ممرات المنجم. ويصر المسؤولون في هذا المجال على أن إجراءات الأمان سوف تتحسن في ظل شراء شركات الفحم الصينية الكبرى مثل شركة «شينهوا غروب» مناجم أصغر حجما، وتطوير تقنيات حديثة يمكنها اكتشاف غاز الميثان الخطير وإغلاق أبواب المناجم تلقائيا.

ولا يوجد مكان يشهد جدلا أكثر عمقا بشأن الفحم مما تشهده الولايات المتحدة، حيث تحول الفحم إلى قضية مهمة في الحملة الرئاسية، حين اتهم المرشح الجمهوري السابق ميت رومني الرئيس الأميركي باراك أوباما بأنه معاد للفحم، وتزعم صناعة الفحم الأميركية أن أوباما يشن «حربا على الفحم» ردا على الاقتراح الذي تقدم به بفرض ضوابط تنظيمية على معدلات تلويث الهواء والتعدين على سطح الأرض في المناطق الجبلية. وقد شهد إنتاج الولايات المتحدة من الفحم حالة من الركود هذا العام، إلا أن هذا يعود إلى اقتصادات السوق أكثر مما يعود إلى السياسة، ذلك أن تدفق الغاز الطبيعي من المصادر الجديدة يحل محل الفحم عالي التكلفة في بعض المناطق.

ويتوقع المحللون في هذا المجال أن يكون ذلك الركود قصير الأمد، وهم يبحثون عن مصادر جديدة للفحم، خاصة فحم الكوك، وتعتبر شركتا «شينهوا غروب» و«بي بودي للطاقة» الصينيتان، بالإضافة إلى مزيج من الشركات اليابانية والروسية والكورية الجنوبية، من أصحاب أكبر العطاءات المقدمة لتطوير مستودع «تافان توغولي» في منغوليا. ويتم حاليا إعداد خطط كبيرة للصادرات في كل من كولومبيا وجنوب أفريقيا، كما أبرمت شركة «أبيجيت غروب» الهندية عقدا جديدا بقيمة 7 مليارات دولار لاستخراج الفحم البخاري من ولايتي كنتاكي وويست فرجينيا.

وهناك تحديات تواجه خطط التوسع، ففي منغوليا تقع مستودعات الفحم في مناطق نائية تتطلب طرقا وخطوط سكك حديدية جديدة في ظل أوضاع مناخية بالغة السوء، ورغم أن جنوب أفريقيا لديها مرافق تعتبر من أكبر مرافق الصادرات في العالم، فهي معرضة لاضطرابات عمالية. ويقول جيمي بروك، وهو الرئيس التشغيلي لشركة «كونسول للطاقة» التي تقع في مدينة بيتسبرغ، إن أستراليا تعتبر أكبر دولة مصدرة للفحم في العالم، إلا أن الضوابط التنظيمية الجديدة قد ترفع من أسعار الفحم الأسترالي، حيث إن الجهات التنظيمية هناك تشعر بالقلق من أن يتضرر الحيد المرجاني العظيم من مرور السفن به، كما أن الموانئ الأسترالية أيضا معرضة للتلف بفعل العواصف والفيضانات، مما يؤثر على حركة شحن فحم الكوك ومستوى الأسعار عالميا. ففي عام 2011 على سبيل المثال، تم إغلاق الموانئ في ولاية كوينزلاند بسبب الإعصار «ياسي».

وترغب شركات الفحم الأميركية بشدة في تصدير الفحم من المناجم الأكثر إنتاجية في البلاد التي تقع في حوض نهر باودر بولايتي وايومنغ ومونتانا، إلا أنه لا توجد أي طريقة لإخراج الفحم. ويؤكد فيليب كافاتوني، وهو الرئيس الاستراتيجي لشركة «ألفا للموارد الطبيعية» التي يقع مقرها في ولاية فرجينيا: «لا توجد لدينا أي قدرة تصديرية في الغرب». وهناك معارضة شديدة من جانب المهتمين بشؤون البيئة ضد خطط شحن الفحم لمسافة 1500 ميل عن طريق السكك الحديدية إلى 5 موانئ جديدة تم وضع خطة لإنشائها في كندا والمنطقة الشمالية الغربية من الولايات المتحدة، إذ يقول إريك دي بليس كبير الباحثين في «معهد سايت لاين»، وهو معهد بحثي متخصص في السياسات العامة يقع مقره في سياتل: «إن القطارات مزعجة وسوف تثير الكثير من غبار الفحم». ومع ذلك، فإن مستقبل الفحم على المدى الأطول يتوقف على الصين والهند، وتبدو الفرص المتاحة أمامه مشرقة، خاصة لأنه أرخص من منافسيه.

* خدمة « نيويورك تايمز»