اجتماعات وزارية في بروكسل تبحث عن «الحلول الوسط» لمساعدة اليونان وملف الموازنة الأوروبية

باريس تقلل من أهمية تصنيف «موديز» ومدريد تقول إن الأسوأ قد فات

TT

اجتمع وزراء المال في منطقة اليورو ببروكسل أمس، في ظل توقعات بأن يقر الوزراء حزمة إنقاذ جديدة لليونان بقيمة أربعة وأربعين مليار يورو، دون أن يتم ضخها قبل الخامس من ديسمبر (كانون الأول)، وذلك للتأكد من تطبيق اليونان لالتزاماتها المالية. وهو الأمر الذي وصفه الكثير من المراقبين بأنه حل وسط، في ظل انقسامات بين الدول الأعضاء، فهناك من يطالب بالإعلان عن الحزمة الجديدة وخاصة بعد أن فعلت أثينا المطلوب منها ورمت بالكرة في ملعب مجموعة اليورو، بينما هناك فريق آخر يفضل الانتظار إلى ديسمبر المقبل موعد انعقاد القمة الأوروبية الشتوية لاتخاذ القرار وصرف الحزمة الجديدة من المساعدات. واليونان أقرت يوم الاثنين بإجراءات لتفعيل الرقابة على الميزانية، لكن حجم ديونها يتوقع أن يزيد هذا العام عن مائة وخمسة وسبعين في المائة من ناتجها القومي المحلي وأن يقارب العام المقبل مائة وتسعين في المائة. هذه الأرقام تؤكد صعوبة إمكانية توصل اليونان إلى الهدف المحدد للعجز من قبل الدائنين وهو مائة وعشرون في المائة. البنك المركزي الأوروبي كان قد اقترح تمديد المهلة المحددة لليونان للوفاء بالتزاماتها ما عارضه صندوق النقد الدولي. رئيسة الصندوق كريستين لاغارد كانت قد طالبت بشطب بعض ديون اليونان، لكن ألمانيا لم توافق على ذلك. ما يفاقم الأزمة هو ارتفاع الأصوات المعارضة لخطط اليونان التقشفية، ويوم الاثنين عمت المظاهرات شوارع أثينا احتجاجا على قرار الاستغناء عن ألفي موظف في الدولة قبل نهاية هذا العام. من جهة أخرى سيكون ملف الموازنة الاتحادية مطروحا للنقاش خلال اجتماعات على مستويات مختلفة من أجل التحضير الجيد لقمة استثنائية ستنطلق ببروكسل الخميس وتستمر يومين، وسيعمل القادة خلالها على إنهاء خلافات تتعلق بموازنة 2013 وأيضا موازنة طويلة الأمد تعرف باسم موازنة 2014 - 2020 وخاصة بعد أن فشلت اجتماعات بين البرلمان الأوروبي والمجلس الوزاري الأوروبي والمفوضية، في إنهاء الخلافات. وقالت المفوضية الأوروبية ببروكسل، في تعليق لها على اقتراح من رئيس المجلس الأوروبي هرمان فان رومبوي يتضمن إطارا للتفاوض لإنهاء الخلافات حول الموازنة الاتحادية متعددة السنوات، أن المقترح يتضمن أشياء تحافظ على التوازن وترتيب الأولويات ولكن يتضمن تخفيضات كبيرة في الكميات الإجمالية المخصصة في وقت اتفق فيه الجميع على أن الموازنة المقبلة لا بد أن تكون حافزا للنمو وخلق فرص العمل، وقالت المفوضية في بيان «نحن بحاجة إلى التوازن الصحيح بين الاستثمار والسياسات السليمة للنمو وفرص العمل والالتزام بأفضل السبل للإنفاق وأضافت المفوضية بأنها لا تزال تعتقد أن مقترحها الذي قدمته في هذا الصدد يحقق التوازن الصحيح وأن المبالغ التي اقترحتها ضرورية لأن سياسات الاتحاد الأوروبي تحتاج إلى تمويل»، واختتمت بالقول إنها لاحظت أن بعض الدول تعارض مقترحها ولكن غالبية الدول الأعضاء تؤيد المقترح وتعهدت المفوضية بالعمل بشكل بناء مع رئيس المجلس الأوروبي لإيجاد الشكل الذي يرضي البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء ودعت الجميع للعمل بروح أوروبية حقيقية حتى تكون هناك موازنة تراعي مصالح الجميع ورفض البرلمان الأوروبي الاستمرار في المحادثات المتعلقة بميزانية المفوضية الأوروبية للعام المقبل بعد رفض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي سد العجز الموجود في ميزانية المفوضية للعام الحالي حيث تطلب المفوضية الأوروبية 9 مليارات يورو إضافية لتلبية احتياجات العام الحالي. وقال مارتن شولتز رئيس البرلمان الأوروبي: «حتى الوقت الراهن لم نتوصل لأي اتفاق، وهذا ليس كارثيا، لقد علقت المناقشات ونتوقع الآن اقتراحا جديدا من اللجنة ومن ثم سنقوم باستئناف المفاوضات». البرلمان الأوروبي كان قد أكد في بيان له أن هذه الأموال ضرورية من أجل احترام الاتحاد الأوروبي لالتزاماته القانونية ولسداد قيمة فواتير سلع وخدمات وأعمال حصل عليها بالفعل. آلان اماسور عضو لجنة الموازنة في البرلمان الأوروبي يقول: «في ضوء استحالة التجاوب من قبل الدول الأعضاء من أجل حل مشكلة ميزانية عام 2012 فإن البرلمان الأوروبي لن يستطيع مواصلة المفاوضات بشأن ميزانية عام 2013». وكان بعض السياسيين قد حذروا من فشل مفاوضات ميزانية العام المقبل ما سيتسبب بتعقيد المفاوضات المرتقبة بشأن مشروع الميزانية للفترة من 2014 إلى 2020 والتي ستبدأ قبل نهاية الشهر الجاري. ويأتي ذلك بعد أن خرجت مظاهرات غاضبة في عدة عواصم أوروبية للتعبير عن السخط والغضب بسبب السياسات المالية والاقتصادية الأوروبية ومنها خطط التقشف والاستغناء عن العمال في عدد من الشركات والمؤسسات وارتفاع مستويات البطالة ويقول المراقبون، إنها مظاهرة ضدّ التقشف من تنظيم اتحاد النقابات الأوروبية. أربعون منظمة نقابية من ثلاثة وعشرين بلدا قررت النزول إلى الشوارع، والإضراب شهد تجاوبا في الدول التي تعاني أكثر من غيرها من تداعيات الأزمة الاقتصادية.

وقالت وسائل الإعلام الأوروبية «النقابات العمالية الأوروبية تدعو إلى تغيير خطة العمل لأنها تعتقد أن الحلول التي تمّ تقديمها لم تكن صالحة، فالتدابير التقشفية أغرقت أوروبا في ركود وكساد اقتصادي كبير.

والنتيجة: ظهور التفاوت الاجتماعي وارتفاع نسبة البطالة وتراجع النمو»، وفي باريس أكد وزير الاقتصاد الفرنسي بيير موسكوفيسي أن التصنيف الائتماني لبلاده لا يزال «مرتفعا للغاية»، على الرغم من قيام وكالة «موديز» بخفضه من «AAA» إلى «Aa1»، القرار الذي أكد أنه لن يؤثر على أسس الاقتصاد الفرنسي. وصرح موسكوفيسي في مؤتمر صحافي بأن «فرنسا لا تزال من بين الدول الأفضل على مستوى التصنيف الائتماني في العالم وأوروبا»، موضحا أنها تأتي في المستوى التالي لألمانيا، ولكنها متقدمة على إيطاليا بقدر سبع درجات، وعلى إسبانيا بواقع ثماني درجات، على مقياس يشمل 21 مستوى.

وأكد أيضا أن قرار «موديز» لن يؤثر على أسس الاقتصاد الفرنسي، التي لا تزال صلبة، وأنه يعكس نفس تحليل الحكومة بشأن فقدان التنافسية، وهو ما دفع باريس لاتخاذ إجراءات لمكافحة هذه المشكلة. وفي هذا السياق، شدد وزير الاقتصاد الفرنسي على اعتزام الحكومة تطبيق الإجراءات الرامية لاستعادة التنافسية سريعا، ولخفض العجز للنسبة المستهدفة لعام 2013 والبالغة 3% من إجمالي ناتجها المحلي، مقابل 4.5% خلال العام الجاري. وكانت وكالة «موديز» قد خفضت الليلة الماضية التصنيف الائتماني لفرنسا من «Aaa» إلى «Aa1» مع توقعات سلبية، وعزت أسباب قرارها للتحديات الهيكلية التي يواجهها الاقتصاد الفرنسي.

وكانت وكالة التصنيف الائتماني «ستاندرد أند بورز» قد اتخذت نفس القرار قبل نحو عشرة أشهر في نفس الإطار أظهر استطلاع رأي نشر أمس أن 49% من الفرنسيين لا يعتقدون أن بلادهم قادرة على الخروج من الأزمة قبل نهاية 2015، فيما قال 34% إن النمو الاقتصادي سيتم على مدار الأعوام الثلاثة المقبلة. وكشف الاستطلاع الذي بثته إذاعة «آر تي إل» أن 2% فحسب من الفرنسيين يثق في خروج باريس من الأزمة في 2013، وذلك قبل تخفيض وكالة «موديز» يوم الاثنين لدرجة الديون الفرنسية من AAA إلى AA1. وأعرب 15% عن تطلعهم لأن يحدث التعافي من آثار الأزمة في 2014، بينما اعتبر 17% أنه يجب الانتظار حتى 2015، وامتنع 17% عن الإدلاء برأيهم.

ووضح من الاستطلاع أن الشباب هم الفئة العمرية الأكثر تشاؤما حيث إن 55% من الأشخاص الذين شاركوا برأيهم وكان عمرهم يتراوح بين 15 و24 عاما، اعتبروا أنه لن يكون هناك خروج من الأزمة حتى بعد انتهاء 2015. وأجري الاستطلاع يومي 14 و15 من الشهر الجاري وشمل ألف و40 شخصا وفي مدريد أكد رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي أنه لا تزال هناك أوقات «صعبة للغاية»، لكن «الأسوأ قد مضى». واستعرض راخوي في مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف، التي تقوم بأول زيارة رسمية لها إلى إسبانيا، إنجازاته خلال العام الأول من فترة ولايته. واعترف رئيس الحكومة بقسوة الإجراءات المتخذة لخفض عجز الموازنة، لكنه أكد «إننا نتخذ خطوات في الاتجاه الصواب»، لكن لا تزال هناك أوقات صعبة للغاية. وقال «حقا.. إنها إجراءات تضر بالكثير من المواطنين، لكنها تعد جوهرية». وأوضح أن المشكلة الرئيسية التي تواجه إسبانيا تكمن في «إمكانية تمويل الاقتصاد بشكل جيد» بأسعار معقولة.

وأضاف «إننا نضع القواعد لتحقيق النمو وتوفير الوظائف على المديين المتوسط والبعيد». وتحل غدا الذكرى الأولى على فوز الحزب الشعبي التابع لراخوي في الانتخابات العامة التي جرت في 20 من نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2011 وحصل فيها على أغلبية مطلقة بعد ثمانية أعوام من الحكم الاشتراكي لخوسيه لويس رودريجث ثاباتيرو. وتمر إسبانيا بأزمة تسببت في تراجع الاقتصاد وأدت إلى ارتفاع نسبة البطالة إلى معدل قياسي لتصل إلى نحو خمسة ملايين عاطل 25% منهم من الشباب، بالإضافة إلى ارتفاع عائدات سنداتها بشكل مطرد. وستحصل إسبانيا على 100 مليار يورو من الاتحاد الأوروبي لإنعاش قطاعها المصرفي، الذي تجري حاليا إصلاحات واسعة فيه.