توقعات متضاربة حول أسعار الذهب

غالبية البنوك المركزية أصبحت «مشتريا صافيا» له

القوة الشرائية لزيادة المخزون في عدد من الدول ترفع أسعار الذهب عالميا («الشرق الأوسط»)
TT

يعاني مستثمرو القطاع الخاص الذين يحتفظون بالذهب في محافظهم الاستثمارية من موجات صعود وهبوط حادة في أسعار الذهب خلال الأشهر الـ18 الماضية، حيث يبلغ سعر الذهب الآن نحو 1730 دولارا للأوقية، وهو أقل بكثير من الرقم القياسي الذي حققه في شهر سبتمبر (أيلول) عام 2011 عندما كان يدور حول 1920 دولارا، ولكنه في الوقت نفسه أعلى من المستويات المنخفضة التي سجلها خلال شهر مايو (أيار) الماضي، عندما وصل سعره إلى 1537 دولارا.

وبحسب تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز»، بينما تتفق المصارف الخاصة على أن حيازة الذهب ينبغي أن تكون جزءا من محفظة استثمارية متوازنة، وتشعر أيضا بالتفاؤل بصورة عام من استقرار سعره عند نحو 1800 دولار للأوقية بنهاية العام الحالي، تنقسم هذه المصارف حول آفاق الاستثمار طويلة الأجل في الذهب.

ففي مخيم المتفائلين، تقول تشو سون جيك، رئيسة قسم الأبحاث الاستراتيجية والاقتصادية للمصارف الخاصة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في مصرف «كريدي سويس»، إن وضع الذهب رئيسي طويل الأجل «ثابت».

تضيف تشو، المقيمة في سنغافورة: «وباعتباره أحد الأصول التي لا تدر عائدا، يستفيد الذهب من بيئة أسعار الفائدة المنخفضة»، مضيفة: «نتوقع استمرار بيئة أسعار الفائدة المنخفضة لعام أو عامين آخرين، في ظل النمو الاقتصادي الاسمي وانكماش القطاع المالي».

تؤكد تشو أنه من المرجح قيام البنوك المركزية بتنويع احتياطياتها من النقد الأجنبي والإقدام على شراء الذهب.

أشار جاي روبرتس، رئيس قسم استشارات الحافظات المالية في آسيا لدى مؤسسة «آر بي سي» لإدارة الثروات، إلى أن أعداد المشترين الصينيين الأفراد للذهب قد ارتفعت بسرعة خلال العقد الماضي، لتصبح قريبة الآن من مستوى الطلب في الهند، التي كانت تاريخيا أكبر مصدر للطلب على الذهب. أكد روبرتس، المقيم في هونغ كونغ، أن غالبية البنوك المركزية أصبحت «مشتريا صافيا» للذهب منذ عام 2010 بعدما كانت «بائعا صافيا» على مدار العقدين الماضيين. يضيف روبرتس: «من المتوقع استمرار هذا الاتجاه، مما يضيف طلبا هامشيا كبيرا».

يؤكد روبرتس أن أسعار الذهب الحالية ربما تكون منخفضة في الواقع، حيث إنها لا تأخذ في الحسبان احتمال حدوث انهيار من نوع ما في منطقة اليورو أو أي هزات جيوسياسية محتملة، على سيبل المثال نتيجة لتفاقم الأوضاع السياسية في منطقة الشرق الأوسط.

يعتقد براناي غوبتا، كبير مسؤولي الاستثمار في آسيا في مصرف «لومبارد أودييه دارييه هنتش» في هونغ كونغ، أن الطلب على الحلي من الطبقة المتوسطة الصاعدة في الصين والهند سوف يستمر في دعم مستويات الطلب الفعلي، مضيفا أن أسعار الذهب تستفيد أيضا من احتياجات مسؤولي البنوك المركزية في الأسواق الناشئة الذين يقومون بإدارة احتياطيات النقد الأجنبي لتنويع احتياطياتهم من العملات العالمية مثل الدولار والجنية الإسترليني واليورو، التي تشهد انخفاضا في قيمتها بسبب سياسات التحفيز.

يتوقع غوبتا ارتفاع أسعار الذهب عن 2000 دولار للأوقية في الأشهر الـ12 المقبلة، مع بقاء الأسعار أعلى من هذا المستوى في الأشهر الـ24 المقبلة. ولكن الجميع لا يتفقون على هذا الرأي، حيث يقول ستيفان هوفر، وهو خبير استراتيجي في شؤون الأسواق الناشئة في مصرف «جوليوس باير»، إن توقعات مصرفه طويلة الأجل للذهب «أكثر تحفظا»، حيث يتوقع المصرف أن تصل أسعار الذهب إلى 1650 دولارا للأوقية في الأشهر الـ12 المقبلة، ثم تبدأ في الانخفاض بعد ذلك.

يقول هوفر: «لحدوث نوع من التوازن بين العرض والطلب، سوف يتعين على المستثمرين الماليين الاستمرار في شراء كميات ضخمة من الذهب كي لا تشهد السوق وجود أي فائض في المعروض»، مضيفا: «نحن لسنا مقتنعين باستمرار هذا التوازن خلال الأشهر الـ12 المقبلة».

يعتقد دومينيك شنيدر، رئيس قسم أبحاث السلع في مؤسسة «يو بي إس لإدارة الثروات»، أن أسعار الذهب سوف تستقر حول 1875 دولارا للأوقية في الأشهر الـ12 المقبلة، بعد أن تصعد في نهاية العام الحالي إلى نحو 1950 دولارا للأوقية.

يقول شنيدر: «تأمين الطلب على الاستثمار على المدى القصير مهمة سهلة، لكن الأمر يختلف على المدى الطويل. ولضمان قلة المعروض في سوق الذهب، يحتاج الطلب على الاستثمار في الذهب إلى الارتفاع بشكل دائم». وقال إن هذا من المحتمل أن يشكل تحديا، إذا ما بدأت توقعات حدوث زيادات في سعر الفائدة «تصبح موضوعا محوريا في عام 2014».

بشكل عام، يوصي المصرفيون من القطاع الخاص بأن يملك المستثمرون نسبة تتراوح ما بين 3 إلى 10 في المائة من محفظة استثماراتهم في صورة ذهب. واقترح روبرتس من «آر بي سي ويلث مندجمنت» أن يبدأ المستثمرون بممتلكات فعلية من الذهب أو بصندوق استثمار متداول مدعوم بممتلكات حقيقية من الذهب، ثم إضافة أسهم في إحدى شركات التنقيب عن الذهب.

«أسهم الذهب تكون أكثر تقلبا في المعتاد من المعدن نفسه»، هكذا شرح، مضيفا أن الذهب في حد ذاته مخزون قيمة. بالمقارنة، تكون الأسهم «معرضة لمخاطر معينة مرتبطة بالشركات مثل ارتفاع تكاليف العمالة وتكاليف الطاقة ومخاطر تنفيذ المشاريع، ومخاطر خاصة بالشركات مثل السلوك الاستحواذي الذي لا ينصح به كثيرون. وقال إن الذهب هو «العملة النهائية، إذا شئت، حيث لا يوجد بنك مركزي في العالم يمكنه أن يطبع المزيد منها، على عكس العملات الإلزامية».

وقال: «قيمة أسهم الذهب، على الجانب الآخر، تعتمد على تقييم المستثمرين لتوقعات العمل بالنسبة لشركة معينة متخصصة في التنقيب عن الذهب». وأشار شنايدر إلى أن المستثمرين الذين يختارون حيازة ممتلكات فعلية من الذهب يتجهون لتبني رؤية أطول أجلا، ويرغبون في التمسك بها. «لكن بالنسبة للمستثمرين على المدى القصير ممن يرغبون في التمتع بمزيد من المرونة وبتكاليف أقل، يعتبر فتح (حساب ذهب) بمثابة وسيلة جيدة للتعامل في سوق الذهب»، موضحا أن البنوك تمنح تلك الحسابات للعملاء، وهي مماثلة لحسابات ادخار.. «امتلاك حساب ذهب يمنح العملاء القدرة على استخدام هياكل استثمار مرتبطة بعقود خيار بدرجة عالية من الكفاءة، لكنه يحمل معه أيضا مخاطر ائتمانية - التعرض لمخاطر البنك التي ربما لا تكون موضع ترحيب في مواقف مالية عصيبة».

وأضاف: «يجب أن يولي المستثمرون اهتماما أيضا إلى المكان المخزن به الذهب. وواصل قائلا: «لا يمكن لأحد أن يستثني احتمال أن يرغب الساسة في الاستحواذ على الذهب»، مشيرا لما حدث في الولايات المتحدة في عام 1933، عندما أمر الرئيس فرانكلين روزفلت بمصادرة الذهب من أجل منع تخزينه أثناء فترة الكساد العظيم. وقال: «إنني لا أقول إن ذلك سيحدث، غير أن البعض يولي اهتماما للموضع الذي يخزن به الذهب، ولهذا تحتل (سنغافورة فريبورت) موقعا استراتيجيا مهما بين الهند والصين، الذي سيفيد من الطلب على امتلاك الذهب على المستوى الإقليمي».