موازنة الاتحاد الأوروبي تقسم التكتل.. وتضع قادته أمام اختبار صعب

بينما تواجه المنطقة أسئلة اقتصادية واجتماعية صعبة

مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل («الشرق الأوسط»)
TT

كان وصول قادة الاتحاد الأوروبي إلى مقر اجتماعات القمة الأوروبية ببروكسل أمرا سهلا، ولكن الصعب هو الوصول إلى اتفاق بين القادة.. لإنهاء خلافات تتعلق بالموازنة الاتحادية للفترة الممتدة من 2014 إلى 2020، خلافات تسببت في تأجيل انطلاق اليوم الأول من القمة لأربع ساعات لإجراء مشاورات ثنائية للبحث عن حلول وسط وانتهت مشاورات اليوم الأول دون التوصل إلى اتفاق.. اللهم اتفاق وحيد على تعيين اللوكسمبورغي ايفيس ميرش عضو في اللجنة المركزية للمصرف المركزي الأوروبي، وقبل انطلاق أعمال اليوم الثاني من القمة، حث رئيس مجلس الاتحاد فان رومبوي، قادة أوروبا على قبول مقترحه الذي ينص على الاعتدال في الموازنة القمة عرفت وجود معسكرين أحدهما يرغب في زيادة الموازنة أو على الأقل الإبقاء على وضعها الحالي فيما يسعى الطرف الآخر لتقليصها.

وشكك رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز في إمكانية التوصل إلى تسوية بسبب تصلب موقف الحكومة البريطانية. واقترح رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي هيرمان فان رومبوي لخفض الموازنة بقيمة 80 مليار يورو من إجمالي 1.03 تريليون يورو اقترحتها المفوضية الأوروبية للموازنة المقبلة. وترغب كبرى البلدان المساهمة في موازنة الاتحاد الأوروبي مثل المملكة المتحدة خفض إسهاماتها في حين تخشى دول الاتحاد الأوروبي الأصغر خفض ما ستحصل عليه من مال إذا تم تقليص الموازنة فقد استأنف قادة دول الاتحاد الأوروبي الجمعة أعمال قمتهم ببروكسل في يومها الثاني والمخصصة لملف الموازنة الاتحادية، واستمرت الخلافات في وجهات النظر حول مقترحات لخفض الموازنة وخاطب رئيس الاتحاد الأوروبي قادة أوروبا قائلا يجب علينا اتخاذ قرار بشأن موازنة الاتحاد الأوروبي للفترة من 2014 إلى 2020 ونحن نعلم جيدا أن المفاوضات صعبة وبالغة التعقيد ولكن لحسن الحظ فهذا الملف لا يطرح إلا كل سبع سنوات، هذه كانت كلمة رئيس الاتحاد الأوروبي لقادة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قبيل ساعات من استئناف أعمال اليوم الثاني من القمة ولخص هرمان فان رومبوي الأمر بالقول إن القرار المعروض على القمة بسيط وهو التأكد من أن الاتحاد الأوروبي لديه المال اللازم لكي يفعل الأوروبيون ما يريدون وعلى الرغم من قيود الموازنات في كل دولة عضو. وقال فان رومبوي إنه طوال الأسابيع الماضية وحتى مع بداية انطلاق القمة التقى بشكل فردي مع الزعماء الأوروبيين للتعرف على وجهات النظر المختلفة والتي تركزت على طلبات تتعلق بالإنفاق وضرورة تحقيق الوفرة، وغير ذلك، وقال فان رومبوي، إن مقترحه الذي عرضه علي القادة في اليوم الأول من القمة ينص على الاعتدال في الموازنة، لأن الأزمة الحالية تتطلب ذلك، «ولهذا فإن من الخيارات الأساسية لنا العمل بشكل أكثر وبقدر أقل من المال وهو أمر مؤلم حتى التخفيضات في الموازنة لا بد أن تكون معقولة وواقعية»، وأبلغ القادة بأن هذه الموازنة لبقية العقد «وهذا يعني أننا نخطط للمستقبل»، ولمح فان رومبوي إلى أن اقتراحه يركز على الوظائف والنمو وفي جميع المناطق وفي مختلف القطاعات وأيضا على البحوث والاستثمارات، وطالب القادة بالعمل من أجل مصلحة أوروبا جنبا إلى جنب المصالح الوطنية، «ومن خلال العمل المشترك يمكن الوصول إلى حل متوازن وهو أمر ما زال في أيدينا ودعونا ننكب على العمل لتحقيق هذا الأمر».

وتقوم مفاوضات القمة على أساس المقترحات المقدمة من رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي هيرمان فان رومبوي لخفض الموازنة بقيمة 80 مليار يورو من إجمالي 1.03 تريليون يورو اقترحتها المفوضية الأوروبية للموازنة المقبلة.

وعلى صعيد متصل ترغب كبرى البلدان المساهمة في موازنة الاتحاد الأوروبي مثل المملكة المتحدة خفض إسهاماتها في حين تخشى دول الاتحاد الأوروبي الأصغر خفض ما ستحصل عليه من مال إذا تم تقليص الموازنة ومن وجهة نظر الكثير من المراقبين. المهمة تبدو في غاية الصعوبة في ظلّ تردد عدة قادة في الاتحاد الأوروبي على تقديم تنازلات وطنية لصالح تكتل لم تعد قلوب شعوبه تخفق لدى سماعهم اسم أوروبا.

الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تحدثا عن مساعي تشكيل محرك للسماح بتسوية مماثلة. ميركل قالت في هذا الشأن: «هذا هو مستقبل الاتحاد الأوروبي بخصوص الاستثمار في البحث، والتطوير، من أجل استخدام أفضل للمال، كل يورو يجب أن يتمّ استخدامه بشكل جيد». اجتماعات ثنائية بين القادة سبقت عقد القمة، فالرئيس الفرنسي أكد أن بلاده وألمانيا ستشكلان محركا من أجل إيجاد تسوية، رئيس المجلس الأوروبي هيرمان فان رومبوي اقترح ميزانية من تسعمائة وثلاثة وسبعين مليار يورو. ولضمان هذا المبلغ، فقد خفض خمسة وسبعين مليار يورو، وهو المبلغ الذي طلبته المفوضية الأوروبية لإجراء تخفيضات لجميع الدول الأعضاء.

ولكن هذا الاقتراح غير كافٍ حسب رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذي دعا إلى تخفيضات إضافية بين أربعين وخمسين مليار دولار. ووضح منذ اليوم الأول عدم التفاؤل بإمكانية التوصل لاتفاق نهائي خلال القمة، حول هذا الملف شديد التعقيد، بحسب وصف بعض القادة، ومنهم ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني، الذي قال أمام الصحافيين «إن المشاورات ستكون صعبة للغاية ولكنها مهمة جدا، لأن هناك قرارات صعبة جدا يجب اتخاذها في هذا الصدد، ويجب دراستها بشكل جيد، وخاصة في ظل الأزمة الحالية والظروف الصعبة التي تمر بها بعض الدول في أوروبا»، وتعهد كاميرون بالعمل من أجل قرارات تخدم مصالح بريطانيا وفي نفس الوقت تخدم مصالح الاتحاد الأوروبي بشكل عام، وأعلن كاميرون معارضته لمقترحات زيادة موازنة الاتحاد الأوروبي. وقال «بالطبع في وقت نتخذ فيه قرارات صعبة في الداخل بشأن الإنفاق العام سيكون من الخطأ تماما وجود مقترحات لهذا الإنفاق المتزايد في الاتحاد الأوروبي». وأوضح «إننا نتفاوض بشكل صعب للغاية من أجل التوصل لصفقة طيبة لدافعي الضرائب البريطانيين والأوروبيين». وكانت المفوضية الأوروبية الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي دعت لزيادة موازنة التكتل بمقدار 4.8 في المائة. من جانبه دافع رئيس وزراء بلجيكا اليو دي روبو عن زيادة موازنة الاتحاد الأوروبي وقال في تصريح للصحافيين «لا يمكن أن يكون لدينا اتحاد أوروبي يطلب ويفرض باتحاد أوروبي ليس لديه السبل لتفعيل سياساته». وأضاف دي روبو «بالنسبة لي وبالنسبة لبلجيكا فإن أوروبا تكون أكثر تضامنا وازدهارا من أجل جميع الأوروبيين»، معربا عن أمله في أن تدعمه دول أخرى مثل إيطاليا وفرنسا في إقرار هذه الموازنة الطموح، من جانبه قال رئيس الوزراء الهولندي مارك روتا إنه يتفهم جيدا أن كل الأطراف المشاركة سيكون لها مطالب والأمر في غاية التعقيد وسيكون هناك مطالب من بريطانيا وأخرى من دول جنوب القارة وأيضا من شرق القارة ولكن إذا لم تستطع القمة أن تخرج بنتائج نهائية، يجب الحفاظ على التماسك وإرسال رسالة قوية للأسواق خلال الفترة المقبلة حتى نعود للاجتماع من جديد لدراسة الأمر في يناير (كانون الثاني) المقبل، وأضاف أنه وجه رسالة حول هذا الصدد إلى عدد من الزعماء الأوروبيين خلال مشاورات أجراها قبل انطلاق القمة لتنسيق المواقف.

من جانبها عبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن شكوكها حيال قدرة قادة أوروبا خلال القمة على التوصل لاتفاق بشأن الموازنة طويلة الأمد وقالت ميركل أمام البرلمان الألماني «لست أدري إذا كنا نستطيع التوصل لنتيجة خلال القمة ونحن نريد بطبيعة الحال التوصل لاتفاق» وأوضحت أنه «إذا فشلت القمة في بلورة اتفاق سيتعين عليها عقد اجتماع جديد في يناير المقبل»، وقال عدد من القادة السياسيين خلال مناقشة الإطار المالي المتعدد السنوات في البرلمان الأوروبي إن الاتحاد بحاجة إلى موازنة مناسبة ومرنة طويلة الأمد من أجل تعزيز الاقتصاد. وفي هذا السياق اعتبر رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو أن مفاوضات الموازنة هي «اختبار لمصداقية الاتحاد الأوروبي» في حين انتقد رئيس كتلة الاشتراكيين الديمقراطيين في البرلمان الأوروبي هانس سوبودا بشدة ما اعتبره سلوك «الجميع يعمل لمصلحته» والذي تعتمده عدة دول أعضاء. وأوضح سوبودا «إننا نسمع عن 50 مليار يورو أو أقل أو 80 مليار يورو أو 100 مليار يورو أو حتى 200 مليار يورو وهذا يعد سباقا مشينا نحو القاع واعتبارا بأن موازنة الاتحاد مجرد لعبة أرقام».

وقد اقترحت المفوضية الأوروبية التي تمثل الجهة التنفيذية للاتحاد مبلغ 1.03 تريليون يورو أي (1.3 تريليون دولار) للموازنة على مدى سبع سنوات.

من جهة أخرى قدم رئيس الاتحاد الأوروبي هيرمان فان رومبوي اقتراحا للإطار المالي المتعدد السنوات من خلال تقليص ما قيمته 80 مليار يورو وقبل ساعات من انعقاد القمة، تجمع موظفو مؤسسات الاتحاد الأوروبي وتظاهروا تعبيرا عن خشيتهم من التأثر سلبا بالتخفيضات المقترحة، خاصة من قبل بريطانيا، على ميزانية الاتحاد. وقد أرسل المتظاهرون رسالة احتجاج بهذا المعنى إلى ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني. تقول المسؤولة النقابية دانييللا مورفيل: «منذ عدة سنوات لا يمكن توظيف بريطانيين بسبب تدني الرواتب منذ عام 2004 وبسبب شعور مواطني السيد كاميرون أن الرواتب التي تدفعها المؤسسات الأوروبية ليست كافية لكي يأتوا ويعملوا هنا». والميزانية الإدارية في الاتحاد الأوروبي تشكل ستة في المائة من الميزانية العامة وديفيد كاميرون أعلن خلال القمة الماضية أن ستة عشر في المائة من موظفي الاتحاد يتقاضى كل منهم أكثر من مائة ألف يورو سنويا. رئيس الوزراء البريطاني سيعلن في القمة الأوروبية موقف بلاده المصر على اقتطاع نحو مائتي مليار يورو من ميزانية الاتحاد وعلى هذا الموقف المتشدد سيبنى نجاح أو فشل القمة المخصصة لميزانية الاتحاد حتى عام 2020. النائب الفرنسي الأوروبي آلان لاماسور علق على موقف البريطانيين قائلا «لقد تعودنا أن نعمل معهم منذ عام ثلاثة وسبعين ونعرف أنهم شركاء صعاب» لكن أضاف لاماسور «نشهد منذ بضعة أسابيع تحولا سياسيا بريطانيا جديدا تجاه الاتحاد الأوروبي». والبرلمان البريطاني صوت في مستهل الشهر الجاري على طلب تخفيض الميزانية الأوروبية وهو اقتراح طالب به المشككون بالبناء الأوروبي الحلفاء للمعارضة العمالية. النائب البريطاني الأوروبي المعارض روجر هيلمر لمح إلى أن «ديفيد كاميرون لن يحصل على التخفيض المطلوب في الميزانية ولا على تجميدها ولا خيار أمامه إلا ممارسة حق النقض فلو عاد بموقف متردد أو تنازل عن مطالب بريطانيا ولو نسبيا فسيحصل على استهجان غرفة العموم». وتقول «يورونيوز» الإخبارية الأوروبية عن الموقف البريطاني «إذا استخدم ديفيد كاميرون حق النقض سيغضب الشركاء الأوروبيين وإن جاراهم سيغضب حزبه المحافظ وقد يخسر رئاسة الحكومة فيما لو احتدم النقاش حول أوروبا كما حصل لرئيسين سابقين محافظين وهما جون ميجر ومارغريت ثاتشر ومن وجهة نظر البعض فإنه في ظلّ العقبات والتباين في المواقف، يبدو أنّ تنظيم قمة أخرى ضروري للوصول إلى نتائج».