ارتياح أوروبي ودولي بعد الاتفاق حول المديونية اليونانية

بعد اجتماع ماراثوني في بروكسل

TT

ساد الأمل في اليونان بانطلاقة جديدة لاقتصاد البلاد، بعد التعهد الذي قطعه الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي بدفع القروض الموعودة واتخاذ التدابير اللازمة لتخفيف حجم الدين الهائل فيها.

وقال رئيس الوزراء اليوناني أنطونيس ساماراس: «يوم جديد يبدأ بالنسبة لجميع اليونانيين»، منوها بالاتفاق الذي أعلن عنه إثر اجتماع ماراثوني في بروكسل بين منطقة اليورو وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي.

وأثينا التي استنفدت مواردها النقدية وباتت مرغمة مؤخرا على اعتماد سلسلة جديدة من التدابير التقشفية، انتظرت بفارغ الصبر منذ أسابيع الاتفاق بين منطقة اليورو وصندوق النقد الدولي بشأن ديونها، وهو شرط مسبق للإفراج عن شرائح قروض مؤجل دفعها منذ أشهر.

واعتبر إيفانغيلوس فينيزيلوس، رئيس حزب «باسوس» الاشتراكي والحليف الرئيسي للحكومة الائتلافية التي يرأسها المحافظ أنطونيس ساماراس، أن «الإطار الذي قرره وزراء مالية منطقة اليورو (يوروغروب) يمثل انطلاقة جديدة تحتاجها البلاد بعد تسعة أشهر من الانتظار (...)، هذا أمر إيجابي بفضل تضحيات الشعب اليوناني».

من جانبه، أشاد فوتيس كوفيليس، الشريك الثالث في الحكومة ورئيس حزب «ديمار» اليساري الديمقراطي، بما اعتبره «خطوة حاسمة في سبيل إبقاء البلد داخل منطقة اليورو».

وسارع ساماراس إلى دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد الأربعاء، وذلك بهدف الاتفاق على سبل توفير الانتعاش الاقتصادي، بحسب المتحدث باسمه سيموس كيديكوغلو، الذي قال لوكالة «أنا» اليونانية: «علينا إثبات أن تضحيات اليونانيين لم تذهب سدى».

لكن أليكسيس تسيرباس، زعيم المعارضة وقائد ائتلاف اليسار الراديكالي (سيريزا)، رفض ما اعتبرها تسوية تفاوضت عليها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، مشيرا إلى أن هذا الاتفاق لا يؤمن أي حل و«لا يلحظ أي خطة قابلة للحياة» في اليونان.

وتأثرت الأسواق الأوروبية بحذر بهذا الاتفاق، لكن سرعان ما تلبد الجو بفعل التوقعات المتشائمة لمنظمة التنمية والتعاون الدولي.

وقرابة الساعة 12.30 (11.30 ت غ)، ارتفع مؤشر أسهم باريس 0.16% وفرانكفورت 0.35% ولندن 0.31% ومدريد 0.25% وميلانو 0.08%.

أما بورصة أثينا التي سجلت عند الافتتاح ارتفاعا نسبته 1%، فشهدت في فترة الظهر تراجعا نسبته 0.63% في حين هوى مؤشر المصارف 8.69%. وبحسب مصدر في البورصة، تبقى السوق في انتظار إعادة رسملة أبرز المصارف اليونانية، وهي عملية مجمدة منذ أشهر بانتظار ضخ أموال القروض الممنوحة من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي.

وقرر الأوروبيون الإفراج عن مبلغ قدره 43.7 مليار يورو، يفترض أن يتم دفع الشريحة الأولى منه البالغة قيمتها 34 مليار يورو في 13 ديسمبر (كانون الأول). أما المبلغ كاملا، فمن المقرر دفعه ضمن شرائح ثلاث خلال الربع الأول من 2013.

وحول المسألة الشائكة المرتبطة بخفض المديونية اليونانية، نقطة الخلاف بين صندوق النقد الدولي ومنطقة اليورو، اتفق الجانبان، بعد مفاوضات شاقة استمرت أكثر من 13 ساعة، على أن يتم التخفيض حتى نسبة 124% من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2020، بعد هدف أول بـ120% كان ينادي به صندوق النقد الدولي.

وهذا يمثل تخفيضا يقارب 40 مليار يورو بحلول عام 2020، وفق مصدر أوروبي. وفي حال عدم اتخاذ أي تدابير جديدة، كان من المتوقع أن يبلغ الدين نسبة 144% من إجمالي الناتج المحلي عام 2020، وهو مستوى يعتبره صندوق النقد الدولي غير محتمل. وأشاد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الثلاثاء بهذا الاتفاق، معتبرا أنه «النتيجة الإيجابية لمسار بدأته فرنسا منذ 6 أشهر» و«يسمح بإعطاء أفق جديد لليونان».

أما وزير المال الفرنسي بيار موسكوفيسي، فقال لوكالة الصحافة الفرنسية إن الاتفاق يمثل «مفصلا» في الأزمة، ومن شأنه المساهمة في «استقرار» منطقة اليورو. وقال: «إنه مفصل، اتفاق أهم من كل ما تم التوصل إليه حتى اليوم».

وأضاف الوزير الفرنسي أن هذا الاتفاق «مهم جدا» في آن واحد، «لليونان والشعب اليوناني الذي يحتاج إلى إزالة المخاوف بهدف تنمية اقتصاده»، و«لمنطقة اليورو» لكونه «يجدد إعطاء الاستقرار ويسمح بإعادة الثقة».

كذلك رحب الأمين العام لمنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي خوسيه أنخيل غوريا، أمس الثلاثاء، بالاتفاق حول المديونية اليونانية. وقال للصحافيين في باريس، خلال تقديمه التقرير نصف السنوي للمنظمة حول آفاق الاقتصاد العالمي: «تم الإعلان عن اتخاذ تدابير مهمة للحد من عبء الديون السيادية لليونان، أفكر خصوصا في تحضير الأرضية لشراء الدين المترتب لصالح القطاع الخاص».

واعتبر أن هذه التدابير تسمح بـ«إعادة قابلية الحياة على المدى الطويل للنفقات العامة» في اليونان، خصوصا إذا ما ترافقت مع «مروحة من الإصلاحات الهيكلية لإعادة التنافسية والترويج للنمو».

وفي وقت رحبت غالبية وسائل الإعلام اليونانية، أمس الثلاثاء، بالتقدم المحرز في بروكسل، استمر الحراك الشعبي ضد التدابير التقشفية التي تم إقرارها مؤخرا. وتظاهر بضعة آلاف من موظفي البلديات والجامعات في وسط أثينا ضد مخططات إلغاء الوظائف.

وأشارت صحيفة «كاثيميريني» الليبرالية إلى أن التدابير المشددة التي اضطرت أثينا للقبول بها تمثل «شروطا حازمة لآلية مراقبة البلاد».

أما صحيفة «المحررين» اليسارية، فاتهمت الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي بالحكم على «المجتمع اليوناني بموت بطيء، في حين أن الحل للمديونية تأجل مجددا إلى المستقبل».

واليونان التي اضطرت للسير بنظام تقشف منذ عام 2010 مقابل الاستفادة من خطة إنقاذ مالي من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، تغرق في انكماش خطير للعام الخامس على التوالي، في حين تضرب البطالة ربع القوة العاملة في البلاد.