رئيس اتحاد الغرف اللبنانية: المؤسسات تنهار والشعب بدأ يجوع

تبادل رسائل بين الحكومة والقطاع الخاص في ملتقى لبنان الاقتصادي

الرئيس ميقاتي يتوسط رجال الاعمال في ملتقى لبنان الاقتصادي («الشرق الأوسط»)
TT

يتصاعد السجال بين الحكومة اللبنانية من جهة والهيئات الاقتصادية من جهة مقابلة في مقاربة المسار الحقيقي للاقتصاد الوطني في ظل الأوضاع الداخلية المرتبكة وانعكاسات الأوضاع الإقليمية خصوصا منها المرتبط بالأزمة السورية. فينما يصر المسؤولون على قيام الحكومة بواجباتها على الرغم من الصعوبات المحلية والخارجية، تعلو أصوات أركان القطاع الخاص في التحذير من مخاطر تفاقم الركود الحاصل والمطالبة بفصل الاقتصاد عن السياسة.

وتبارى الطرفان في تبادل رسائل غير مباشرة عبر منصة ملتقى لبنان الاقتصادي الذي بدأ أعماله أمس في بيروت. فأكد رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي أن «لبنان أظهر، ولم يزل يظهر، مناعة في وجه كل ما يجري حوله، على الرغم من كل ما يشيعه البعض لأسباب سياسية وسعيا للنيل من الحكومة». فيما قال رئيس الهيئات الاقتصادية عدنان القصار «إن الوضع السياسي أصبح مركز الضعف البنيوي الذي يكبل محركات الاقتصاد اللبناني ويفاقم الأزمة الاجتماعية». وذهب رئيس اتحاد الغرف اللبنانية محمد شقير أبعد ليقول «المؤسسات تنهار والشعب بدأ يجوع والإجرام والخطف بدأ يزيد، والله يستر لبنان من الأعظم».

واعتبر ميقاتي، أن «الخلافات السياسية الداخلية اللبنانية المعهودة كانت لها آثار سلبية بالغة على الوضع الاقتصادي لأنه لو تحلى الجسم السياسي اللبناني بالمزيد من الحكمة والمسؤولية لكان الاقتصاد اللبناني قادرا على إظهار مناعة أقوى في مواجهة التطورات المصيرية في المنطقة، بل أيضا للإفادة من بعض نتائجها لمصلحته، وهو الذي طالما اعتمد على السياحة والخدمات واجتذاب رؤوس الأموال وتصدير المهارات، وبدأ يشكل بقطاعيه الزراعي والصناعي قوة تصديرية جيدة».

أضاف «ما نحن عليه من تراجع للمؤشرات الاقتصادية، لا يقاس مقارنة بدول أخرى في المنطقة، وما أصابها من خسائر مباشرة وغير مباشرة. لأن الركائز الأساسية للاقتصاد اللبناني لم تزل ثابتة لتكون قاعدة لانطلاقة جديدة عندما تعود أوضاع الوطن العربي إلى الاستقرار وتنقشع سحب الانقسامات الداخلية عندنا. فالقطاع المصرفي يحافظ على قوته وسلامته ولا يبدي أي تردد في تمويل الاقتصاد المحلي ضمن الشروط والضوابط الصحيحة، وهناك استقرار نقدي واحتياطات خارجية كبيرة نسبيا، ولم تطرأ تطورات سلبية غير قابلة للتصحيح لاحقا في المالية العامة، بغض النظر عن المخاوف والتحذيرات التي أثيرت بشان تمويل سلسلة الرتب والرواتب وهي مخاوف تدركها الحكومة وتعمل لمعالجتها».

وإذ أشار إلى المصاعب التي تواجه قطاع السياحة، والجمود في القطاع العقاري وانكماش حركة الرساميل الوافدة وما أدى إليه ذلك من عجز كبير في ميزان المدفوعات والانخفاض المقدر في نسبة النمو. قال ميقاتي «إن الحكومة تجهد لتقوم بكل ما في وسعها في هذا المجال». مؤكدا أنه «متفائل بالمستقبل ولدي كل القناعة بأن غد لبنان سيكون أفضل من حاضره، والرهان على الدولة الواحدة والقوية سيكون هو الرابح، وأن الاقتصاد اللبناني النابض دوما سيعود ليقوي موقعه المميز في المنطقة بعد عودة الاستقرار إليها، وخاصة بعد استكمال مشروع الاستكشاف عن الغاز والنفط ونجاحه. لكن أمامنا أيضا مهمات كبيرة تبدأ بالإصلاح الإداري والاقتصادي وتشمل تطوير البيئة التحتية بل إعادة بنائها في الكثير من الأحيان، وتحسين بيئة الاستثمار وتحديث كل الخدمات العامة وعصرنتها».

وأشار القصار، في افتتاح المنتدى الذي تنظمه مجموعة «الاقتصاد والأعمال» على مدى يومين ويتناول الأوضاع السائدة في القطاعات الإنتاجية الأساسية، إلى أن «الوضع السياسي أصبح مركز الضعف البنيوي الذي يكبل محركات الاقتصاد اللبناني ويفاقم الأزمة الاجتماعية، ويخلف تداعيات مباشرة وبالغة السوء على الاقتصاد والوطن، إذ ننتظر عجزا في ميزان المدفوعات في قد يتجاوز الملياري دولار أميركي، ولم تكن نتائج 2011 أفضل. فهل تدرك القوى السياسية المعنية حجم تأثير الأمر على الاقتصاد وعلى معيشة الناس وحياتهم اليومية؟ لقد آن الأوان لتدرك ذلك وتتحمل مسؤولياتها».

وطالب باسم الهيئات الاقتصادية بتحييد الاقتصاد عن المناكفات السياسية، بحيث لا تحول الخلافات السياسية دون استمرار عمل المؤسسات الدستورية بفاعلية وكفاءة لإقرار وإدارة المشاريع الحيوية للاقتصاد التي لا خلاف عليها. ورأى أن الأمر نفسه ينسحب على تداعيات الأزمة في سوريا والوضع الإقليمي حيث يجب العمل لتخفيف النتائج السلبية لتلك الأزمات إلى حدها الأدنى.

ولفت إلى تراجع الحضور العربي البشري والاقتصادي في لبنان في الآونة الأخيرة. معتبرا أن «وجود إخواننا العرب في بلدهم الثاني لبنان هو أمر أساسي وحيوي ولا غنى عنه، كما نعتبر أن الظروف التي دفعت إلى اتخاذ بعض الحكومات العربية الشقيقة قرارات أدت إلى إحجام أهلنا العرب من المجيء إلى لبنان، قد زالت، وهي ما كانت في الأصل إلا هامشية. فلبنان آمن إلى حد بعيد، ولبنان كله يتوق إلى عودة الأشقاء العرب كما كانوا. فلا عرب من دون لبنان ولا لبنان من دون العرب».

بدوره، قال رئيس اتحاد الغرف اللبنانية، «إن الهيئات الاقتصادية لا يمكن لها أن تقف متفرجة، حين تتخذ قرارات غير مناسبة لا توقيتا ولا تخطيطا. فهل من خبير اقتصادي ينصح بزيادة الضرائب في ظل تراجع النمو وتباطؤ العجلة الاقتصادية؟ وهل من خبير مالي أو اقتصادي ينصح بزيادة الإنفاق في ظل تعاظم الدين وتراجع الإيرادات؟ ربما القيمون على سياسات الحكومة الاقتصادية يعرفون شيئا لا نعرفه، لكننا نعرف حقيقة واضحة وهي الأرقام والمؤشرات وهي حقائق علمية وليست وجهات نظر وجميعها تنذر بأن البلاد بحاجة لخطوات سريعة وفعالة لتنشيط الاقتصاد، واستعادة عافية المناخ الاستثماري».

وتابع شقير: «نوجه اليوم أصابع اللوم للمسؤولين لنتجنب أن يوجه الناس إلينا جميعا أصابع الاتهام في المستقبل. يقولون إن المصيبة تجمع، إلا في لبنان فالمصيبة تفرق. هناك بعض الأصوات بدأت تهمس مشككة بعمل الغرف التجارية والهيئات الاقتصادية. وقد أثبتت وحدة الهيئات الاقتصادية أنها تستطيع أن توقف وتجمد أي قرار يؤثر سلبا على الاقتصاد، وهي ما كانت لتتمكن من ذلك لولا وحدتها وعلاقاتها الجيدة مع النقابات والقطاعات الإنتاجية».

وقال «إن تعاطي الهيئات الاقتصادية مع أي طرح لن يكون إلا إيجابيا وهي منفتحة على جميع الأفكار البناءة. وفي هذا الإطار فنحن ندعو إلى حوار برئاسة رئيس الجمهورية من أجل تقريب وجهات النظر وإيجاد حلول لمشكلاتنا الاقتصادية وإزالة العوائق التي تحول دون تعافي الاقتصاد».

من جانبه، اعتبر رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات في لبنان «ايدال» نبيل عيتاني أنه نتيجة لتأثر لبنان بالأزمات السياسية والتطورات في المنطقة، تم تسجيل تراجع في عدد من المؤشرات الاقتصادية. فلبنان الذي لم يكن اقتصاده بمنأى عن تأثيرات هذه التطورات الإقليمية، أصيب بالتباطؤ وضعف النمو ولكن ليس بالركود الاقتصادي.

ولفت إلى أن هذه المؤشرات قابلتها مؤشرات أخرى إيجابية. فلبنان حافظ خلال السنوات الماضية على عوامل الاستقرار، واستمر في تحقيق النمو الإيجابي. وقد وصلت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في لبنان حتى نهاية عام 2011 إلى مجموع تراكمي يقارب 41 مليار دولار بعد أن كانت في حدود الخمسة مليارات فقط في عام 2000. وهذا المجموع التراكمي المسجّل يساوي اليوم 98 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وهي نسبة من بين الأعلى إقليميا ودوليا. واعتبر الرئيس التنفيذي في مجموعة «الاقتصاد والأعمال» رؤوف أبو زكي أن «الجميع يدرك الواقع السياسي الذي تعيشه البلاد والتجاذب الإقليمي الحاد، لكن لا ندرك إطلاقا كيف تجري محاولات لزيادة الأعباء على مؤسسات القطاع الخاص المثقلة بالأعباء بما يهدد بتفاقم البطالة وانسداد أفق فرص العمل الجديدة. كذلك لا ندرك كيف تجري محاولات زيادة أعباء الدولة المثقلة بالديون. أفلا يكفي مؤسسات لبنان أنها تدفع ثمن تصرفات الكثيرين من السياسيين ممن يتسببون بخلق مناخ طارد للسياحة وطارد للمستثمرين اللبنانيين منهم قبل العرب».

وأشار إلى أزمة الكهرباء التي تكلف البلاد عشرات المليارات سنويا كما تعمل وقد تصل إلى 12 مليار دولار عام 2015 وفق الدراسات الرسمية. وهي تتسبب بارتفاع أكلاف كل منتجاتنا وخدماتنا وصادراتنا وتضعف من قدرة اقتصادنا على المنافسة. وما من بلد يدفع ما ندفعه رسوما للكهرباء في الوقت الذي نبحث فيه عن تمويل لسلسلة الرتب والرواتب.