كريدي سويس لـ «الشرق الأوسط»: دور محوري للمستثمرين العرب في تمويل الاقتصاد العالمي

مسؤول تنفيذي في البنك: التقيد بمتطلبات «بازل 3» يجعل البنوك أمام خيارات صعبة

TT

أكد بنك كريدي سويس أن الكثير من البنوك تواجه خيارا صعبا يتمثل في وجوب رفع رأسمالها لتتقيد بمتطلبات «بازل 3» والهيئات الناظمة، أو أن تخفض ميزانيتها من خلال بيع الأصول غير الأساسية أو من خلال إغلاق النشاطات التي باتت غير مربحة، مع تطبيق معايير الرسملة الجديدة عليها، مضيفا أنه مع انسحاب المزيد من البنوك من النشاطات المصرفية التي باتت ربحيتها غير كافية ضمن إطار بازل 3. سيدخل على الخط مستثمرون جدد لسد الثغرة التي تركتها البنوك في تمويل الاقتصاد، معتبرا أن هذا هو السياق الذي سيفسح المجال للمستثمرين العرب الكبار من صناديق سيادية أو صناديق عائلية للعب دور مهم في تمويل الاقتصادات العالمية والمشاركة الفعالة فيها.

وقال عادل أفيوني، المدير التنفيذي للخدمات المصرفية الاستثمارية في «كريدي سويس» إن المصارف في مختلف أنحاء العالم، وعلى الأخص في الولايات المتحدة وفي أوروبا، تقوم بتخصيص جهود كبيرة لتكييف هيكليتها وميزانيتها مع البيئة التنظيمية الجديدة حيث يلجأ الكثير من المصارف إلى تقليص النشاطات التي تشكل ضغطا على الربحية بسبب القوانين الجديدة، ويرى أن الأزمة الاقتصادية العالمية أضافت المزيد من الضغوط على المصارف لتحقيق ذلك «فأزمات الديون السيادية العالمية والتقلبات الشديدة في الأسواق تؤثر على قدرة المصارف على تحقيق الأرباح من دون زيادة المخاطر، كما تؤثر على قدرتها على رفع رأسمالها من خلال أسواق المال العالمية» معتبرا أن هذه التحديات تسهم في تفاقم التوجه السائد لدى معظم البنوك والمتمثل في خفض ميزانيتها وبيع المحافظ والأصول غير الأساسية.

وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، ستنخفض ميزانية البنوك الأوروبية خلال الفترة بين 2012 و2013 بما يتراوح بين 2.2 و3.8 تريليون دولار أميركي.

ويرى أفيوني في حديثه لـ«الشرق الأوسط» رغم أن الكثير من البنوك قد بدأ عملية خفض ميزانيته في الأعوام الماضية، إلا أنه لا يزال هناك كمية كبيرة من الأصول المتوقع عرضها للبيع في السنوات المقبلة، ومن أبرز هذه المحافظ، محافظ قروض البنى التحتية، ومحافظ قروض تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة أو محافظ تمويل المشاريع الطويلة الأجل وتمويل العقارات، مستطردا أن هذه المحافظ المتوقع عرضها للبيع ليست بالضرورة محافظ قروض متعثرة، بل بالعكس، فالكثير منها أصول سليمة، إلا أنها، حسب معايير بازل 3، تتطلب تخصيص رأسمال عال من البنوك التي تمتلكها، وبالتالي لم تعد تولد عائدات كافية على رأس المال. وساهمت حاجة البنوك لبيع الأصول غير المربحة في توليد فرص هامة للمستثمرين الذين لا يواجهون نفس المعوقات التنظيمية أو معوقات رأس المال.

وبحسب المسؤول في كريدي سويس فبإمكان المستثمرين اليوم أن يحظوا بفرص شراء محافظ البنوك تلك بأسعار مغرية وقد بدأت هذه العمليات التي يمكن أن نطلق عليها اسم عمليات «تحرير رأسمال البنوك» بالتطور كمجال استثماري مهم عالميا لدى المؤسسات والصناديق الاستثمارية «وهكذا بتنا نشهد صناديق التقاعد وشركات التأمين وصناديق التحوط وصناديق الملكية الخاصة تلعب دورا مهما أكثر فأكثر في الاستفادة من فرص الاستثمار الجديدة هذه»، لافتا إلى أن سوق صفقات تحرير رأس المال باتت تشهد توسعا متسارعا. ويضيف أفيوني أنه مع انسحاب المزيد من البنوك من النشاطات المصرفية التي باتت ربحيتها غير كافية ضمن إطار بازل 3، سيدخل على الخط مستثمرون من قبيل صناديق التحوط وصناديق الملكية الخاصة أو ما بات يطلق عليه غالبا اسم «نظام الظل المصرفي» لسد الثغرة التي تركتها البنوك في تمويل الاقتصاد، معتبرا أن «هذا هو السياق نفسه الذي سيفسح المجال للمستثمرين العرب الكبار من صناديق سيادية أو صناديق عائلية للعب دور مهم في تمويل الاقتصادات العالمية والمشاركة الفعالة في الأسواق المالية».

وبرأي أفيوني: المستثمرون العرب الذين باتوا في السنوات الأخيرة من أبرز مصادر رأس المال في الأسواق العالمية، بوسعهم أن يشاركوا بشكل مهم في عمليات تحرير رأسمال البنوك، وفي شراء المحافظ الاستثمارية من المصارف، وفي تمويل الشركات والمشاريع العالمية.

وأوضح أنه إذا كانت استثمارات المؤسسات العربية قد ركزت في الماضي على أسواق الأسهم العالمية، فإن محافظ القروض المصرفية المعروضة للبيع اليوم توفر فرصا مهمة لهؤلاء المستثمرين العرب لتنويع استثماراتهم نحو أسواق الدخل الثابت والحصول على عوائد ثابتة عالية، على الأخص إذا ما قورنت بمستوى الفوائد العالمية المنخفض جدا حاليا، مضيفا بوسع المستثمرين العرب أن ينتهزوا موجة هذه الأسواق والمجالات الجديدة ويبادروا إلى تأسيس صناديق وشركات استثمارية متخصصة في شراء وإدارة وتنمية هذه الاستثمارات ويساهموا بالتالي في هذا القطاع المالي الجديد بدور ريادي وفعال، معتبرا أن هذا ما قد يوفر للمراكز المالية العربية الناشئة مثل دبي وأبوظبي والدوحة والرياض والبحرين وبيروت والكويت وغيرها فرصة نادرة لتوسيع دورها ومكانتها العالمية، عبر استقطاب صناديق الاستثمار الجديدة لإنشاء مراكز إدارة أصول على الأرض في المنطقة قريبا من مصادر القدرة المالية ومزودي رأس المال.

باختصار «باتت الفرصة سانحة اليوم أمام المستثمرين العرب، مؤسسات وأفرادا، في المساهمة في نمو قطاع إدارة الأصول العالمية انطلاقا من الشرق الأوسط عبر المساهمة في استقطاب وإنشاء شركات متخصصة في هذه المجالات الجديدة» بحسب المسؤول في كريدي سويس الذي يرى أنه رغم الظروف الصعبة التي يعيشها الاقتصاد العالمي بعد مرور خمسة أعوام على بدء الأزمة المالية العالمية، يسهم التحول الذي يشهده نظام الأعمال المصرفية العالمي في توفير فرص استثمارية جديدة ومثيرة لمجموعة المستثمرين في المنطقة العربية.