مقترح لإجراء استفتاء حول تأثيرات خطط الاتحاد الأوروبي على موازنات الدول الأعضاء

في ظل مخاوف بشأن مستقبل منطقة اليورو واحتمالات ازدياد الانكماش الاقتصادي

TT

يؤيد ما يقرب من ثلثي الهولنديين إجراء استفتاء حول تأثيرات خطط الاتحاد الأوروبي المالية على موازنات الدول الأعضاء، التي جرى الإعلان عنها في ختام القمة الأوروبية الأخيرة، التي استضافتها العاصمة البلجيكية، وجاء ذلك في نتائج استطلاع للرأي نشرت نتائجه في لاهاي، بالتزامن مع نقاش عام جرى الاثنين داخل البرلمان الأوروبي ببروكسل من خلال جلسة مفتوحة مع رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي هرمان فان رومبوي، حول نتائج قمة بروكسل الأخيرة.

كما التقى بعدها أعضاء لجنة الشؤون النقدية والاقتصادية في المؤسسة التشريعية الأوروبية مع ماريو دراغي رئيس المصرف المركزي الأوروبي حول التطورات التي تشهدها منطقة اليورو، يأتي ذلك فيما قال أركي ليكانين عضو المجلس العام للمصرف المركزي الأوروبي، إن الانكماش الاقتصادي في البلدان الأوروبية الجنوبية سوف ينتشر في معظم أنحاء أوروبا.

في لاهاي، يؤيد ما يقرب من ثلثي الهولنديين إجراء استفتاء على خطط الاتحاد الأوروبي وتأثيراتها على موازنات الدول الأعضاء.. جاء ذلك في استطلاع للرأي أجراه مكتب موريس ديهوند المتخصص، وجاء فيه أن ما يقرب من 65 في المائة من الهولنديين الذين شملهم الاستطلاع، يؤيدون إجراء الاستفتاء، بينما عارضه 26%، وهناك عشرة في المائة لم يحددوا موقفهم.

وكان حزب الحرية اليميني المتشدد والحزب الاشتراكي المعارض قد اقترحا إجراء هذا الاستفتاء عقب الإعلان عن نتائج القمة الأوروبية الأخيرة والإعلان عن مقترحات لرئيس مجلس الاتحاد هرمان فان رومبوي حول إنشاء نوع من «عقود تعاون» بين المفوضية الأوروبية والدول الأعضاء التي ترغب بذلك، تتعهد فيها الأخيرة بإجراءات إصلاحات هيكلية بوتيرة أقل سرعة، مما يعني إجراء تقشف أقل، مقابل الحصول على دعم مالي أوروبي، وتتضمن أيضا موازنة مستقلة لمنطقة اليورو.

وفي برلين، قال أركي ليكانين عضو المجلس العام للمصرف المركزي الأوروبي، إن الانكماش الاقتصادي في البلدان الأوروبية الجنوبية سوف ينتشر في معظم أنحاء أوروبا، وأشار المسؤول الأوروبي إلى أن هناك مؤشرات على أن الاقتصاد لن يكون ضعيفا فقط في الدول التي تواجه مشكلة الديون السيادية، وإنما سيشمل أيضا بقية دول منطقة اليورو.

ونقلت صحيفة «فيلت» الألمانية عن المسؤول الأوروبي، قوله إنه لا أحد يمكنه القول إنه يستطيع تجنب المشكلات حتى الاقتصادات الألمانية أو الفنلندية التي تعتمد على صادراتها إلى بلدان أخرى، ولمح إلى أن الدول مسؤولة عن إيجاد الحلول وعليها أن تعمل على تحقيق المزيد من الإصلاحات والتخفيضات والرعاية، ولا بد أولا من حل عبر المسؤولية الوطنية في المقام الأول وبعد ذلك نتحدث عن حل أوروبي أشمل.

وأما بشأن التطورات التي تشهدها الدول المتعثرة أو التي تواجه صعوبات في منطقة العملة الأوروبية الموحدة، ففي البرتغال، التي انضمت إلى اليونان وآيرلندا في صدارة الدول التي شهدت أزمة الدين السيادية، تظاهرت الكونفيدرالية العامة للعمال، التي تمثل كبرى النقابات في البرتغال، بلشبونة أمام المقر الرسمي للرئيس أنيبال كافاكو سيلفا للمطالبة بالاعتراض على الميزانية المرهقة للبلاد لعام 2013.

وشارك مئات الأشخاص في المسيرة التي تقدمها الأمين العام للنقابة أرمينيو كارلوس، مطالبين بإنهاء سياسة الاستقطاعات ورفع الضرائب التي تتبعها الحكومة البرتغالية المحافظة التي يتزعمها رئيس الوزراء بدرو باسوس كويليو.

واحتشد المتظاهرون الذين كانوا يطالبون بتوجيه مزيد من الاهتمام لمعدل البطالة الذي بلغ نسبة 16% أمام قصر «بيليم» في العاصمة في إجراء للضغط على كافاكو سيلفا.

وأقرت الأغلبية المطلقة في التحالف الحاكم بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي والمسيحيين الديمقراطيين في الحزب الشعبي، الميزانية أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على الرغم من الانتقادات الشديدة التي وجهت لها بسبب حدة الاستقطاعات وارتفاع الضرائب. وكان الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي قد وافقا العام الماضي على منح البرتغال خطة إنقاذ بقيمة 78 مليار يورو، تفاوضا على شروطها مع الحكومة الاشتراكية التي كانت تتولى السلطة آنذاك.

ويكمن أكبر تحديات البرتغال هذا العام في تنفيذ الالتزامات التي تقع على عاتق لشبونة مقابل الحصول على المساعدات، لخفض عجز الميزانية إلى 5% من إجمالي الناتج المحلي هذا العام وإلى 4.5% خلال 2013.

أما في إيطاليا التي تشهد بوادر أزمة سياسية حادة، فقد تجاوز الدين العام الإيطالي حاجز التريليوني يورو مسجلا رقما غير مسبوق في تاريخ إيطاليا.

وقال المصرف المركزي إن الدين العام وصل في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلى تريليونين وأربعة عشرة مليار يورو. وكانت حكومة سلفيو برلسكوني قد استقالت قبل 13 شهرا على خلفية أزمة الديون السيادية مفسحة الطريق أمام حكومة تكنوقراط يقودها المفوض الأوروبي السابق ماريو مونتي.

ولقد حث مسؤولو الاتحاد الأوروبي روما على المضي قدما في طريق الإصلاح الهيكلي في سعيها لمواجهة الأزمة الاقتصادية الحالية، في وقت تستعد فيه إيطاليا لانتخابات برلمانية تجرى خلال أقل من ثلاثة أشهر من الآن ويصعب التكهن بنتائجها.

من جانبه، أطلق وزير الاقتصاد الإيطالي فيتوريو غريللي رسالة طمأنة إلى أسواق المال العالمية على مستقبل بلاده على خلفية الأزمة السياسية، قائلا إن نتائج الحملة الانتخابية «لا يمكن أن تغير أساسيات اقتصادنا» بغض النظر عن الحكومة المقبلة. غريللي كان في نيويورك حيث التقى مع المستثمرين والمحللين، ومن المنتظر أن يصل إلى واشنطن، وذلك في محاولة لامتصاص القلق العالمي على المستقبل الاقتصادي لبلاده، بعد إعلان رئيس الوزراء ماريو مونتي استقالته نهاية العام، ومحاولا أيضا طمأنة إدارة الرئيس باراك أوباما.

وفي مقابلة مع تلفزيون «بلومبرغ»، حاول الوزير تفنيد الشكوك حول الاقتصاد الإيطالي بالقول إن «البلاد ليست بحاجة إلى مساعدات» على غرار اليونان، وأضاف: «فليست لدينا فجوة مالية نرغب في سدها، بل لدينا أجندة ذات مصداقية وموقف مالي من بين الأفضل في العالم» على حد قوله. وقال إن «الطريق الذي يسلكه مونتي هو السليم ويجب أن نستمر في الاتجاه الصحيح، بغض النظر عن الحكومة التي ستأتي» بعد الانتخابات المحتملة في شهر فبراير (شباط) المقبل. وفي برلين، توقعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن يشهد اقتصاد بلادها - أكبر اقتصاد في أوروبا - تراجعا في النمو في العام المقبل. وقالت ميركل في حديثها الأسبوعي للمواطنين الألمان إن حكومة بلادها «تدخل العام الجديد بتفاؤل بمستقبل الاقتصاد الألماني، ولكن الدراسات المتوفرة تشير إلى أن النمو الاقتصادي سيشهد في العام المقبل تراجعا يقلقنا».

وعن مهام حكومتها في العام الجديد، قالت ميركل إن الحكومة تهدف في العام المقبل للمحافظة على قوة الاقتصاد الألماني وتوفير مزيد من فرص العمل. يذكر أن آخر دراسة قدمها معهد الدراسات الاقتصادية «اي دبليو إتش» أشارت إلى أن نسبة نمو الاقتصاد الألماني ستقتصر في عام 2013 على 0.7 في المائة.

وعلى صعيد متصل، تأتي هذه التصريحات في وقت أعلن فيه رئيس مظلة الإنقاذ الأوروبي (اي إم إس) كلاوس ريغلينغ عن أنه يتوقع أن تنتهي أزمة الديون في منطقة اليورو بعد عامين أو ثلاثة أعوام.

وقال ريغلينغ في مقابلة مع مجلة «فوكوس» الألمانية إنهم قاموا «بأداء نصف المهام التي وقعت على عاتقنا»، مضيفا أن دول منطقة اليورو التي تعاني من أزمة الديون ستستطيع بعد عامين أو ثلاثة تثبيت موازناتها. وأعرب عن تفاؤله بطريق الإصلاح الذي تسلكه اليونان، مؤكدا أن التطورات الأخيرة التي شهدها الملف اليوناني تجعله متفائلا بقدرة اليونان على حل مشكلاتها الاقتصادية. القمة الأوروبية انتهت إلى توافق يجعل من بداية العام المقبل موعدا لبدء مناقشات هادفة إلى دعم بعض المصارف، والبنك المركزي الأوروبي سيتولى مهمة مراقبة المصارف الكبرى العاملة في أوروبا، واليونان ستحصل على المساعدات المطلوبة. وتبقى أمور كثيرة تنتظر الرئاسة الآيرلندية المقبلة للاتحاد الأوروبي، كما يقول رئيس وزراء آيرلندا إيندا كينني: «يجب أن لا ننسى أن المناقشات المالية السنوية تستغرق وقتا، وبعد ذلك هنالك إصلاح السياسة الزراعية المشتركة والإصلاحات في القطاعات المختلفة، بالإضافة إلى أكثر من سبعين تشريعا للتصويت في البرلمان الأوروبي من أجل تحقيق اقتصاد ينمو».

أما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فقد رفضت اقتراحا فرنسيا بإنشاء صندوق جديد لمساعدة الدول الأوروبية ذات الأوضاع المتأزمة.

وبينما مدريد مرتاحة للوضع المالي الإسباني، يشير بعض الخبراء إلى أن الوضع مقلق وقد تطلب الحكومة الإسبانية المساعدة. ماريانو راخوي رئيس الوزراء الإسباني صرح أن «الاقتصاد وبطالة الشباب في صلب أهداف السياسة العامة الأوروبية، وهذا ما توصلنا إليه بعد أن انتهى الحديث عن الانضباط المالي وتوجهنا نحو النمو الاقتصادي والاتحاد المصرفي». وبعد انتهاء القمة يرى العديد من المراقبين في بروكسل أنه «على الرغم من إقرار خارطة طريق للوحدة المصرفية الأوروبية تنفذ العام المقبل، فإنه يتم التساؤل حول أسباب تأجيل البت في ميزانية خاصة بمنطقة اليورو وكذلك أسباب تأجيل موضوع آلية ضمان الودائع».