الموازنة العامة.. ماذا ينقصها؟!

سعود الأحمد

TT

مع صدور بيانات الموازنة العامة للدولة نتحدث في كل مرة عن أبواب وبنود اعتمادات الإيرادات والمصروفات، والتي يفترض أنها لمقابلة احتياجات الوطن والمواطن في الحاضر والمستقبل. لكن هناك حاجة (واحدة) أعتقد أن الدول الخليجية في أمس الاحتياج لها، ومع ذلك لا تحظى بما تستحقه من اهتمام، مع أن لها علاقة بالمجتمع والاقتصاد الجزئي والكلي، ولها تأثير بالغ على دخل الفرد والأسرة وميزانية الدولة في الحاضر والمستقبل.. تلك هي الحاجة لرفع مستوى الوعي العام للمجتمع!! حكوماتنا كانت وما زالت تصرف المليارات (سنة تلو الأخرى) على مشاريع البنية التحتية والمتطلبات الجارية، أساسية وكمالية، في أمور ملموسة ومشاهدة كبناء الطرق والموانئ البحرية والمطارات والجسور والمدارس والمستشفيات ومقار مباني الإدارات الحكومية وتوفير مساكن المواطنين والإنفاق على نقل التقنية وبناء المصانع المشتركة المحلية والأجنبية ونفقات على المصاريف الجارية كالرواتب والمكافآت (التشغيل بأنواعه) والنظافة والصيانة وتوفير الأغذية المحلية والمستوردة، ومنها ما لم نكن نسمع به، ولدينا تسهيلات لاستيراد مختلف أنواع الملابس والأحذية بمختلف الموضات والماركات العالمية، وفي أسواقنا كم هائل من أجمل (وربما أغرب) وأحدث إكسسوارات الملابس والحلي ومواد البناء والديكورات وأدوات التجميل وغيرها.. وأمور كثيرة يصعب حصرها.

لكنني أتساءل وأنا في غاية الاستغراب: لماذا منذ عرفنا التخطيط واعتمادات الميزانيات إلى هذا اليوم لم ندرج في ميزانياتنا مشروعا خاصا برفع مستوى الوعي العام للمجتمع، ولو من مدخل فكرة تخصيص الموازنة بالأهداف، على أساس أن رفع مستوى الوعي العام هدف لا يقل أهمية عن الأهداف الاستراتيجية الأخرى؟!.. ولنجعل من ذلك مطلبا قوميا واستراتيجيا، ونعتبره مما يندرج تحت مظلة المصلحة العامة ومن باب الشأن العام.

هذا المشروع يحتاج لميزانية بحجم ميزانية وزارة.. فبعضنا بحاجة إلى أن يعرف من هو الغني ومن هو الفقير، ومن الذي يستحق أن يسكن في قصر ومن يسكن في بيت شعبي، ومن يحق له السفر ليقضي إجازته في المنتجعات العالمية ومن لا يستحق، وكيف يكون لكل فرد أن يصل إلى ما وصل إليه المميزون، وكيف نستغل وقتنا، وكيف نحافظ على صحتنا، وكيف نتعامل مع معطيات ومكتسبات المرحلة التي نعيشها، وخطورة التفريط في الفرصة المتاحة!! والمشروع بحجمه وفكرته وتشعباته ضخم، ولست هنا أغرد خارج السرب، لكن هل ينكر أحد أننا في الدول الخليجية تطورنا في كل شيء أسرع من تطور ثقافتنا وعاداتنا في كل شيء؟! وهذه سنة الحياة، فكل الدول تعمل على تطوير ثقافتها ولكل آليته في ذلك!! لنعترف أولا بوجود هذه الحاجة، ثم نعمل على إدراجها ضمن احتياجات المجتمع، ثم ننظر في مسألة أولويتها.. آخذين بعين الاعتبار أن المخطط معني بتلمس احتياجات الوطن والمواطن ومن ثم العمل على توفيرها، ومن ثم نوازن بين أهمية كل هدف وتكلفته في مقابل تكلفته الإجمالية.. ونعمل موازنتنا على هذا الأساس.

ولا ننسى أن فرق الموازنة الفعلية عن المخطط لم يعد يوحي بقدرة على التخطيط الدقيق، إذا علمنا أن فرق الإيرادات (طبقا لبعض المصادر) لعام 2011 عن المخطط يبلغ 570 مليار ريال (152 مليار دولار)، ولعل ذلك بسبب ما يسمى بالتحفظ المفرط في تقدير أرقام الموازنة العامة!

* كاتب ومحلل مالي [email protected]