الأسهم السعودية تتجاهل الميزانية التاريخية للدولة وسط انتقادات واسعة

متعاملون: تعاملات السوق أمس دليل على وجود مشكلات هيكلية واضحة

سوق الأسهم السعودية حققت تراجعا جديدا أمس وسط سيولة نقدية بلغت 5 مليارات ريال (تصوير: علي العريفي)
TT

تجاهلت سوق الأسهم السعودية خلال تعاملاتها اليومية، أمس، الميزانية التاريخية التي أعلنت عنها البلاد، وسط بوادر «إحباط» اجتاحت نفسيات المتداولين في هذه السوق في ظل هذا التجاهل غير المبرر، في حين أرجع مستثمرون تجاهل مؤشر السوق للميزانية التاريخية التي أعلنته البلاد مساء أول من أمس إلى وجود مشكلات هيكلية واضحة تعاني منها سوق الأسهم السعودية. وعلى الرغم من إعلان السعودية عن أضخم ميزانية على مر التاريخ أول من أمس، حقق مؤشر سوق الأسهم السعودية في أول جلسة تداول تعقب الإعلان التفصيلي عن الميزانية التاريخية تراجعا بلغ أكثر من 52 نقطة خلال تعاملاتها يوم أمس، في حين كان التفاعل الإيجابي مع الميزانية العامة للدولة هو الأداء المنتظر من هذه السوق. واستغرب متعاملون في سوق الأسهم السعودية يوم أمس التراجع الذي حققه مؤشر السوق في أول جلسة تداول تعقب الإعلان عن تفاصيل الميزانية العامة للدولة، وقالوا: «كنا ننتظر أداء إيجابيا لمؤشر سوق الأسهم السعودية، خصوصا أن هذا الأداء المنتظر كان على أعقاب الميزانية التاريخية التي أعلنت عنها البلاد للعام المالي 2013، بواقع 820 مليار ريال (218.6 مليار دولار)، إلا أن ما حدث من تراجع يوم أمس أمر محبط للغاية».

وفي هذا السياق، قال خالد السلطان وهو موظف في إحدى شركات القطاع الخاص، ويستثمر أمواله في سوق الأسهم السعودية في حديث لـ«الشرق الأوسط» أمس: «من المفترض أن تتفاعل سوق الأسهم السعودية مع إقرار الميزانية الأضخم تاريخيا في البلاد، ما حدث يوم أمس من تراجع ما هو إلا دليل واضح على عدم الجدوى من الاستثمار في هذه السوق».

وأوضح السلطان أن أسواق الأسهم التي لا تتفاعل مع الأخبار الإيجابية لاقتصاد بلدانها لا تستحق أن يضخ فيها المستثمر ريالا واحدا، وقال: «حقيقة أداء مؤشر سوق الأسهم السعودية يوم أمس محبط، وتدعونا إلى التفكير جديا في البحث عن قنوات استثمارية جديدة».

وطالب السلطان هيئة السوق المالية بضرورة أن تعيد دراسة واقع سوق الأسهم السعودية من جديد، مؤكدا أن الواقع الحالي مختلف تماما عما كان عليه في الفترة من عام 2000 إلى عام 2006، من حيث تدفق السيولة النقدية، والنواحي المعنوية والنفسية تجاه هذه السوق. وفي ذات السياق، أوضح عايض العتيق وهو مستثمر أيضا في سوق الأسهم السعودية (موظف حكومي) لـ«الشرق الأوسط» أمس، أن سوق الأسهم السعودية باتت مرآة غير عاكسة لواقع الاقتصاد السعودي، وقال: «الاقتصاد السعودي يحقق نموا متزايدا، وحجم الإنفاق الحكومي يرتفع، مقابل ذلك سوق الأسهم لا تتفاعل إيجابيا مع كل هذه المعطيات، مما يؤكد وجود مشكلات هيكلية تعاني منها هذه السوق». ولفت العتيق إلى أن استمرار تعاملات سوق الأسهم السعودية على الأداء الحالي سيعجل من عملية الخروج النهائي للمستثمرين الأفراد، مضيفا: «هناك تراجع واضح في حجم السيولة النقدية التي يضخها المستثمرون الأفراد في تعاملات سوق الأسهم اليومية، ولكنني أعتقد أنه سيكون هناك خروج نهائي في حال استمرار تعاملات السوق بالسير على نفس النهج الحالي». من جهة أخرى، أغلق مؤشر سوق الأسهم السعودية يوم أمس عند مستويات 6824 نقطة، وسط تراجع بلغت نسبته 0.77 في المائة، بمقدار 52.93 نقطة، في حين بلغت السيولة النقدية المتداولة أمس نحو 5 مليارات ريال (1.33 مليار دولار).

يشار إلى أن السعودية كانت قد اعتمدت يوم أول من أمس الميزانية الأضخم للعام المالي الجديد 2013، وهو الأمر الذي يعني أن حجم نمو الاقتصاد الوطني خلال العام الميلادي الجديد سيحقق قفزة نوعية جديدة، بسبب زيادة الاستثمارات الحكومية من خلال الإنفاق الرأسمالي.

وتنقسم الميزانية السعودية المعتمدة للإنفاق الحكومي إلى إنفاق جار وهو ما يتعلق بمخصصات رواتب موظفي الدولة، والبدلات، والتشغيل، وغيرها من الأمور المشابهة، في حين يتعلق الإنفاق الرأسمالي على حجم الإنفاق المقدم على المشاريع الجديدة.

وبحسب مختصين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أول من أمس، فإن السعودية اعتمدت خلال السنوات العشر الماضية نحو 1.5 تريليون ريال (400 مليار دولار) للإنفاق الرأسمالي، وهي أرقام تعد الأعلى من حيث حجم الإنفاق على مستوى منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة.

وأكد الدكتور إحسان بوحليقة عضو مجلس الشورى السابق والخبير الاقتصادي والمالي لـ«الشرق الأوسط» أول من أمس، أن الحكومة السعودية ركزت خلال السنوات العشر الماضية على مشاريع الإنفاق الرأسمالي. وقال: «هناك وتيرة متصاعدة في معدلات النمو على الإنفاق الحكومي بشكل كامل، وهناك جزء كبير من حجم هذا الإنفاق يتجه إلى الإنفاق الرأسمالي، حتى حقق أرقاما قياسية غير مسبوقة خلال الفترة الحالية». وأوضح الدكتور بوحليقة أن حجم الإنفاق الرأسمالي ارتفع خلال الموازنة الجديدة بنسبة 600 في المائة عما كان عليه في وقت سابق، مشيرا إلى أن هذا التطور يأتي في ظل حرص السعودية على تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطن بشكل مباشر. ولفت الدكتور بوحليقة إلى أن القطاع الخاص السعودي ما زال غير قادر على خلق بيئة وظيفية مناسبة أمام السعوديين، يأتي ذلك على رغم من استفادته المباشرة من الإنفاق الحكومي الضخم، وقال: «عندما يكون هناك حجم إنفاق عال من قبل الحكومة، فإنه من الطبيعي أن يستفيد القطاع الخاص من هذا الإنفاق، وبالتالي ينعكس هذا الأمر على واقع الفرص الوظيفية أمام السعوديين، إلا أن هذا الأمر غير موجود على أرض الواقع».

ولخص الدكتور بوحليقة التحديات التي تواجه الاقتصاد السعودي بشكل كامل بثلاثة تحديات مهمة، وقال: «هذه التحديات ترتكز في ارتفاع معدلات البطالة بين السعوديين، وتعثر إنجاز كثير من المشاريع الحكومية، وعدم قدرة وزارة الإسكان حتى الآن على تقديم الحلول الممكنة لحل معضلة الإسكان في البلاد، على الرغم من الدعم المالي الكبير جدا الذي وجدته مشاريع هذه الوزارة».