تحديات صعبة أمام العالم في العام الجديد

أبرزها «الهوة المالية» وأزمة ديون اليورو و4 تحديات استراتيجية أخرى

سيدة إسبانية تفترش الشارع في وقت تشتد فيه الأزمة المالية في إسبانيا
TT

يحل العالم العام الجديد 2013 وهو منهك اقتصاديا وسياسيا ويعاني جملة تحديات، أهمها أربع قضايا عالمية ستحدد توجهات الاستقرار والنمو الاقتصادي العالمي الذي تباطأ في عام 2012 تحت ضربات أزمة ديون اليورو و«الهوة المالية» في أميركا وتباطؤ نمو الاقتصادات الناشئة في كل من الصين والبرازيل والهند. وكان نمو هذه الاقتصادات قد أسهم في إخراج العالم من أزمة المال في عام 2013. وعلى صعيد القضايا الكبرى التي تحدد الاستقرار والنمو يقول خبراء دوليون إن هنالك أربع قضايا رئيسية ستحدد النمو وهي النزاع الشرس على السلطة في سوريا وتداعيات هذا الصراع على منطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط والغاز الطبيعي والملف النووي الإيراني وتطورات تداعياته والتوتر السياسي والحدودي في شرق آسيا بين الصين وجيرانها وتداعياته على انسياب الصادرات بين أميركا والصين من جهة وبين اليابان وكوريا الجنوبية والصين من جهة أخرى وربما يزكي حرب الملكية الفكرية، ولكن الاقتصادي يوكون موانغ من الخبير بمعهد كارنغي في نيويورك يرى أن انسياب الاستثمارات المشتركة ونقل التقنية سيكونان أكبر ضحايا هذا التوتر، ولكنه يعتقد أن حرب العملات بكين وواشنطن قد تخمد ويحل مكانها الحرب التجارية وربما تحل السياسات الحمائية. أما القضية الرابعة فهي حسم الولايات المتحدة لقضية العجز المتراكم في الميزانية أو ما يعرف بــ«الهوة المالية». على صعيد أزمة اليورو فيرى اقتصاديون أن الأزمة ستتعمق وربما تجر إلى قائمة الإفلاس إضافة إلى اليونان كل من البرتغال وإسبانيا وإيطاليا وحتى فرنسا ستدخل في نفق العجز الكبير وتفاقم المديونية.

وعلى صعيد سوق المعادن الثمينة فإن مصرف «يو بي إس» يرى في توقعاته أن سياسة التيسير النقدي التي ستتبعها البنوك المركزية العالمية خاصة في اليابان وأميركا ستقود إلى لجوء كبار المستثمرين والأثرياء إلى شراء الذهب للحفاظ على القيمة الحقيقية لثرواتهم في ظل تدني سعر صرف العملات. من هذا المنطلق يرى المصرف أن سعر الذهب ربما يرتفع إلى 1900 دولار للأوقية «الأونصة» خلال عام 2013. ولكن مصارف أخرى ترى أن سعر اليورانيوم سيرتفع أيضا خلال العام الجديد بسبب زيادة الطلب من قبل دول العالم التي تلجأ إلى توليد الكهرباء من الطاقة النووية.

وحسب وكالة «رويترز» حذرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أمس الاثنين من أن العام الجديد سيكون أكثر صعوبة اقتصاديا عن عام 2012 عندما تجنبت ألمانيا الركود. وفي رسالة بمناسبة العام الجديد، قالت ميركل إن المناخ الاقتصادي العام المقبل سيكون «حتى أكثر صعوبة». وأضافت: أن «البيئة الاقتصادية لن تكون في الحقيقة أسهل بل ستكون أكثر صعوبة العام المقبل. لكن يجب ألا يدفعنا ذلك للانهيار بل على العكس ينبغي أن يحفزنا».

وحذرت ميركل من أن العالم لم يستوعب بعد كل دروس الأزمة المالية. وقالت: إن «العالم لم يتعلم بشكل كاف من الأزمة المالية لعام 2008.. لا يجب أبدا السماح مرة أخرى بأن تعم حالة عدم المسؤولية كما كانت حينئذ». وأضافت: «يتعين على معظم دول الاتحاد الأوروبي الالتزام بمعايير أكثر صرامة فيما يتعلق بالميزانية اعتبارا من اليوم الثلاثاء عندما تدخل قواعد جديدة حيز التطبيق لمواجهة الأزمة الاقتصادية الذي يتعرض لها التكتل».

على صعيد «الهاوية المالية» يقول مارك زاندي كبير الاقتصاديين في مؤسسة مودي للتصنيف الائتماني «في حال تمكن الرئيس باراك أوباما من حسم قضية الهوة المالية مع الكونغرس أن الاقتصاد الأميركي سينتعش وستعود الأعمال التجارية في العام الجديد للاستثمار والتوظيف وسيعود المستهلكون للإنفاق كما سيتحسن قطاع المساكن». والهوة المالية التي ستقع فيها الولايات المتحدة ما لم يتم التوصل إلى اتفاق في اللحظة الأخيرة، هي مزيج من الإجراءات الآلية لزيادة الضرائب وخفض النفقات والتي يخشى أن تعيد أول اقتصاد في العالم إلى الانكماش. وهذه الإجراءات التي تثير قلق الأسواق وأجبرت أعضاء الكونغرس على الاجتماع يوم رأس السنة للمرة الأولى منذ أكثر من أربعين عاما، نجمت عن اتفاق أبرمه المشرعون في 2011.

وبموجب هذا الاتفاق حدد الديمقراطيون والجمهوريون مهلة تنتهي في نهاية 2012 للتفاهم على خطة لخفض العجز وإلا ستفرض إجراءات قاسية على البلاد تسمح باقتطاع أكثر من 600 مليار دولار في النفقات الفيدرالية. وتتزامن هذه الإجراءات مع انتهاء مدة الهبات الضريبية الموروثة من عهد جورج بوش، أي زيادة في الضرائب تبلغ ألفي دولار سنويا لكل منزل في المعدل. ويرى الاقتصاديون المستقلون في مكتب الميزانية في الكونغرس أن هذا العلاج القاسي سيؤدي إلى تراجع إجمالي الناتج الداخلي 0.5 في المائة في 2013 مع ارتفاع البطالة (9.1 في المائة مقابل 7.7 في المائة).

وستظهر آثار هذه «الهاوية المالية» تدريجيا ويرى البعض أنه لا يمكن التراجع عنها وأن كانت نسبة 2 في المائة في اقتطاعات المساعدات المالية ستنعكس على الأجور اعتبارا من يناير (كانون الثاني).

كما يمكن أن يطبق بسرعة إلغاء المساعدات الممنوحة لنحو مليوني عاطل عن العمل.

في المقابل وعلى الصعيد النفسي، يمكن أن يكون للشكوك في مرحلة ما بعد «الهاوية المالية» آثار كبيرة بينما تلوح في الأفق معركة سقف الدين في الكونغرس، مثل تلك التي جرت صيف 2011 وكلفت الولايات المتحدة تصنيف دينها السيادي الممتاز في وكالة «ستاندارد آند بورز». وخوفا من زيادة الضرائب على رأس المال أو خسارة في الدخل، قد سعى المستثمرون إلى بيع أسهمهم بكميات كبيرة ما يمكن أن يزعزع استقرار بورصة نيويورك.

وتحسبا لاقتطاعات عامة، يمكن للشركات المتعاقدة مع الحكومة خصوصا في قطاع صناعة الدفاع إبطاء استثماراتها والتوظيف.