المصريون يودعون عام 2012 بآمال في تحسن الأوضاع على الرغم من المؤشرات السلبية

العملة المحلية تواصل تراجعها لمستويات قياسية والبورصة تربح 81 مليار جنيه خلال عام

سيدة مصرية تبيع اللب أمام أحد محلات الصرافة في القاهرة (رويترز)
TT

ودع المصريون عام 2012، بكثير من الأمل في أن يكون العام المقبل أفضل، إلا أن الأجواء التي تعيشها بلادهم من اضطرابات سياسية واقتصادية تجعلهم في ريبة من أن تحمل الأيام المقبلة أوقاتا سعيدة عليهم.

وقال محللون إن العام الماضي كان الأسوأ على البلاد، وأكدوا أن الحكومة إذا لم تتخذ إجراءات حازمة «فإننا مقبلون على كارثة».

ويلقى تراجع سعر العملة المحلية بظلاله على أحاديث المصريين، وبدأوا يعدون العدة لمواجهة الارتفاع المتواصل في سعر الدولار. ويرى محللون أن الدولار سيواصل ارتفاعه خلال الفترة المقبلة وقد يلامس حاجز السبعة جنيهات. إلا أن رئيس الجمهورية محمد مرسي أكد في تصريحات له أن سوق الصرف ستعود إلى الاستقرار الفترة المقبلة.

وقال الدكتور رشاد عبده أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة إن عام 2012 هو العام الأسوأ على مصر منذ سنوات طويلة، ويرى أنه لا يمكن أن يكون 2013 أسوأ من هذا العام، ولكنه أشار إلى أن الاستقرار يحتاج إلى جهد كبير «حتى نعبر من النفق». وأضاف أن مصر خرجت من عام 2012 واقتصادها مهيأ لمزيد من الاضطرابات، خاصة بعد تراجع احتياطي النقد الأجنبي واعتراف البنك المركزي بأن الاحتياطي عند معدلات حرجة بعد أن وصل إلى 15 مليار دولار بنهاية الشهر الماضي، إلى جانب ارتفاع الأسعار والتي من المتوقع أن تواصل قفزاتها بعد ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الجنيه.

وأشار عبده إلى أن قرض صندوق النقد الدولي المزمع التوقيع عليه مع الحكومة المصرية قد يساند اقتصاد البلاد المتهاوي، إلا أنه يرى أن التصريحات الحكومية التي أشارت إلى أن قرض صندوق النقد هو وسيلة للحصول على ضمان لاقتراض نحو 14.5 مليار دولار خلال العامين المقبلين سيشكل خطرا. ويرى عبده أن اقتراض تلك الأموال سيمثل ضغوطا على الحكومة في المستقبل لكي تسدد تلك القروض، وهو ما يمكن معه أن تتخذ إجراءات رغما عنها تؤثر على مستويات المعيشة، مثل أن تقوم بتحرير أسعار منتجات رئيسية يعتمد عليها المواطن البسيط مثل البنزين وغيره.

وقال مسؤولون حكوميون في وقت سابق إن الحصول على قرض صندوق النقد الدولي ضرورة للحصول على شهادة ضمان تستطيع معها الحكومة اقتراض 14.5 مليار دولار لدعم موازنتها وتستطيع معها تطبيق برنامجها الإنمائي الذي تسعى من خلاله إلى تحقيق معدلات نمو تصل إلى 3.5 في المائة خلال العام المالي الحالي و4 في المائة خلال العام المالي المقبل. وأشار المسؤولون إلى أن البلاد تحتاج إلى 10.5 مليار دولار خلال العام المالي الحالي و4 مليارات دولار خلال العام المالي المقبل لسد فجوة تمويلية في موازنتها.

وقال عبده: «إذا لم نر تغييرا في السياسات الاقتصادية للحكومة سيكون العام المقبل أسوأ، فالمسؤولون يوعدون بمشاريع ومستقبل أفضل دون أن يوضحوا الآليات التي سيتم بها تمويل المشاريع».

وتضع الحكومة على رأس أولوياتها خلال العام المقبل أن تصدر مشروع الصكوك الإسلامية ويوافق عليه مجلس الشورى المصري الذي بيده السلطات التشريعية الآن، وقالت إنها ستستخدم الصكوك في تمويل مشاريع تنموية كثيرة.

وقال وزير التخطيط والتعاون الدولي أشرف العربي يوم أمس إن العجز في الموازنة العامة للدولة مهدد بالارتفاع إلى 200 مليار جنيه، إذا لم يتم تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي يتضمن بعد الزيادة في ضريبة المبيعات التي علقتها الحكومة خلال الفترة الماضية خوفا من احتجاجات شعبية نحوها.

وقال وزير المالية المصري ممتاز السعيد أمس إن تطبيق الضريبة المجمدة التي تعد ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي سيتم تقريره وفقا للحوار المجتمعي الذي تجريه الحكومة المصرية مع المستثمرين ورجال الأعمال، مشيرا إلى أن هناك اقتراحات من ممثلي المجتمع المدني ستراعيها الحكومة عند وضع اللائحة التنفيذية للقوانين التي تم تعديلها، خاصة أن كثيرا من النقاط التي تمت إثارتها في الحوار المجتمعي يمكن معالجتها في اللائحة التنفيذية بحسب ما قاله الوزير أمس. وأدى تجميد تعديلات ضريبية كان مزمع إصدارها الشهر الماضي إلى تعليق الاتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 4.8 مليار دولار، إلا أن وزير المالية أعلن أمس استمرار مشاورات مصر مع الصندوق بخصوص القرض، مشيرا إلى أن بعثة لصندوق النقد ستحضر لمصر قريبا لهذا الغرض. وأعرب عن أمله في عرض تقرير الصندوق والاتفاق مع مصر على مجلس المديرين التنفيذيين للصندوق خلال يناير (كانون الثاني) الحالي للتصديق على الاتفاق، بما يتيح لمصر بجانب الحصول على هذا التسهيل الائتماني، الحصول على شهادة ثقة في قدرة الاقتصاد المحلي على التعافي والنهوض من الأزمة الراهنة، وأيضا منح المستثمرين داخليا وخارجيا الضوء الأخضر لبدء ضخ استثمارات جديدة في مصر وهو الهدف الأساسي الذي تسعى له الحكومة.

وعلى الرغم من الآمال التي ترسمها الحكومة من تطبيق إصلاحاتها الاقتصادية في البلاد، يظل الارتباك مسيطرا على أذهان المصريين، فالشعور بضياع مدخراتهم من الأموال يراودهم باستمرار مع الارتفاع المتتالي للدولار في السوق، وهو ما خلق حالة من الهلع اضطر الكثير منهم إلى تحويل أموالهم إلى الدولار على الرغم من ندرته في السوق وارتفاع أسعاره.

ووصل متوسط سعر الدولار أمس وفقا لبيانات البنك المركزي المصري إلى نحو 6.319 جنيه، وبلغ سعر الشراء نحو 6.305 جنيه، وسعر البيع بلغ 6.396 جنيه، بينما أشارت شركات صرافة إلى أن سعر صرف الدولار تجاوز 6.5 جنيه في السوق أمس.

وقال رشاد عبده إن تطبيق الآلية الجديدة للبنك المركزي المتعلقة بطرح عطاءات لشراء وبيع الدولار من وإلى البنوك هو أحد الأسباب لارتفاع سعر الدولار، لكنه يرى أن هناك أسبابا أخرى لهذا الارتفاع، منها عدم ثقة الأفراد في اقتصاد البلاد، أو توقعاتهم لتحسن مرتقب في السوق، خاصة أن هذا تزامن مع قرار رئاسي بتحديد قيمة الأموال التي تدخل أو تخرج من البلاد بألا تزيد على 10 آلاف دولار.

وقال إن ارتفاع الدولار سيؤثر على مستويات الأسعار بشكل عام، خاصة أن مصر تستورد أكثر من نصف احتياجاتها الغذائية، وبالتالي، فإن ارتفاع سعر الدولار سيؤثر على مستوى الأسعار وسيؤدي إلى ارتفاع مستوى التضخم، إلى جانب أنه سيزيد من فاتورة الاستيراد خلال الفترة المقبلة.

وعلى صعيد متصل يرى خبراء سوق المال أن سوق الأسهم من المتوقع أن يشهد ارتفاعات خلال العام المقبل، مشيرين إلى أن بعض القطاعات والأسهم ستستفيد من ارتفاع سعر الدولار خلال الفترة المقبلة؛ لأن أرباحها سترتفع بسبب فروق تقييم العملة.

وربحت البورصة 81 مليار جنيه خلال 2012 وارتفع مؤشرها الرئيسي «EGX30» بنسبة 50.8 في المائة ومؤشر الشركات المتوسطة «EGX70» ارتفع بنسبة 14.68 في المائة.

وقال ولاء حازم نائب رئيس إدارة الأصول بشركة «إتش سي»: إن البورصة المصرية مهيأة للارتفاع خلال العام الجديد، فالشركات المدرجة تحقق نموا في الأرباح بشكل جيد، وتعد أعلى من الشركات في الأسواق الناشئة، كما أن توزيعات الأرباح التي توزعها الشركات أعلى من باقي الأسواق المناظرة، وأضاف: «السوق مؤهلة لأن تشهد طفرات خلال الفترة المقبلة، بشرط هدوء الأوضاع السياسية».

وقال حازم إن هناك قطاعات مؤهلة للارتفاع خلال الفترة المقبلة، مثل القطاع العقاري، الذي يلجأ إليه المستثمرون غالبا للحفاظ على قيمة أموالهم، خاصة أن القطاع شهد خلال الفترة الماضية انخفاضات حادة بسبب النزاعات على الأراضي وبالتالي أثر على القيمة السوقية لأسهم القطاع، كما أن أسهم الشركات التي لديها أصول كثيرة في الخارج وتعتمد على تصدير منتجاتها للخارج، ستستفيد من فرق العملات في تحقيق نمو كبير في أرباحها، وستكون مؤهلة للارتفاع.