الميزانية السعودية تضبط إيقاع الأسعار في الأسواق العالمية

توقعات باستقرار أسعار النفط خلال الربع الأول من 2013

الحكومة السعودية نجحت خلال الأعوام الماضية في تجنيب الميزانية أي تقلبات سعرية في أسواق النفط («الشرق الأوسط»)
TT

توقع خبير نفطي تحدث لـ«الشرق الأوسط» أن تستقر أسعار النفط على الأقل خلال الربع الأول من العام الجديد، عند مستوى الأسعار التي أنهت بها عام 2012.

ويوم أمس أنهى خام برنت وهو خام القياس العالمي لعام 2012 تعاملاته في السوق الآسيوية مستقرا فوق حاجز الـ110 دولارات، فيما استقر الخام الأميركي فوق حاجز 90.59 دولار للبرميل.

وكانت الأسعار قد شابها بعض التراجع الطفيف على مدى ثلاث جلسات أخيرة بسبب الخلاف في الكونغرس الأميركي بين الديمقراطيين والجمهوريين وعدم التوصل إلى اتفاق يحول دون اللجوء إلى خفض النفقات وزيادة الضرائب على المواطنين الأميركيين أو ما يعرف بـ «الانهيار المالي».

وعند إعلان الميزانية السعودية - أعلنت في الـ29 من ديسمبر (كانون الأول) - تتضح رؤية الحكومة لأسعار النفط في الأسواق العالمية، هل هي شديدة الحذر أو حذرة فقط، فالنفط يشكل ما بين 90 إلى 92 في المائة من الإيرادات الحكومية، لذلك يتم التعامل معه بحذر شديد.

على مدى خمس سنوات نمت الأسعار التي توضع عندها تقديرات الميزانية، حيث نمت الأسعار المتوقعة من 42 دولارا للبرميل لتبلغ هذا العام حدود 65 دولارا للبرميل، لكن أسعار السوق كانت محلقة أكثر من هذه التوقعات بكثير، مما مكن السعودية من تحقيق فوائض ضخمة في كل عام.

بناء ميزانيات شديدة الحذر تجاه أسعار النفط، هو ما يعتبره الخبراء سياسة حذرة من الحكومة السعودية تجاه تقلبات أسعار النفط، فلا تغامر ببناء ميزانية عند مستوى سعري متقلب لبرميل النفط نتيجة تراكم الخبرات في التعامل مع مورد شديد التقلب وغير ثابت ويمكن أن يستجيب لأي تأثير مباشر أو غير مباشر، وإنما تبنيها عند مستوى سعري ثابت وهو السعر المستهدف غير المعلن بحسب أحد الخبراء النفطيين.

يقول الدكتور راشد أبانمي، وهو خبير نفطي سعودي: «تكمن أهمية الميزانية العامة للسعودية في عنصرين أساسيين، وهما الإنفاق الحكومي (المصروفات) والتي تمثل المحرك الأساسي للاقتصاد السعودي، والعنصر الآخر (الإيرادات) وهي قائمة على إنتاج النفط وبيعه وبالتالي أسعاره والذي يمثل نحو تسعين في المائة من الإيرادات، مما يعني أن تقدير واردات تتأسس على أسعار البترول خلال العام المقبل، والتي تتميز بحساسيتها المفرطة نظرا للتقلبات في العرض والطلب».

السعودية تمثل الركيزة والضامن للأسواق النفطية، وبإعلان الميزانية لا تشكل هذه الميزانية بالنسبة للسعوديين فقط رسم مسارهم المالي للعام الجديد، وإنما كذلك ترسم للاقتصاد العالمي مساره حيث النفط هو عصب الاقتصاد، لذلك تضع أسعار النفط عند الحد الذي يفي بمواردها المالية للعام الجديد.

وبالعودة إلى الدكتور أبانمي فإن الميزانية تبنى عند السعر المستهدف ويضيف: «لا يتم الإعلان عن هذا السعر بشكل رسمي وإنما يستقرأ من تقديرات المصروفات والواردات، لكي لا تؤثر على الأسواق» ويتابع: «السعر يكون متحفظا، قياسا بأسعار السوق».

بدوره يتوقع كامل الحرمي وهو خبير نفطي كويتي أن تبقى الأسعار في محيط المستويات السعرية لعام 2012، ويضيف: «الأسعار لن تتحرك للأمام أو للخلف وستبقى فوق حاجز الـ100 دولار على الأقل حتى نهاية الربع الأول من العام الجديد».

يقول الحرمي: «السعودية لها وزنها وثقلها الاقتصادي ودورها النفطي الضخم، لذلك تتحفظ في الأسعار عند بناء الميزانية»، ويشير إلى إن التعامل مع مصدر دخل يمثل 90 في المائة ليس بالأمر الهين، لذلك توضع الأسعار عند الحد الذي يفي بالمتطلبات التي تلتزم بها الحكومة، كما أن الإمكانات النفطية الهائلة التي تمتلكها السعودية قادرة على ضبط الأسعار في الظروف العادية.

هنا يشير الحرمي إلى تأكيدات المهندس علي النعيمي وزير البترول السعودي بضرورة ترك الأسواق تعمل وفق قواعدها الأساسية «العرض والطلب».

يقول الحرمي: «إشارة الوزير غاية في الأهمية، لأن بلدا مثل السعودية تعتمد على مصدر شبه وحيد وهو (النفط) بحاجة إلى استقرار أسعاره حتى تستطيع الوفاء بالتزامتها».

بدوره يقول تركي الحقيل وهو محلل اقتصادي سعودي إنه في عام 2012 وضعت السعودية ميزانيتها عند 690 مليار ريال (184 مليار دولار) وإيرادات عامة مقدرة 702 مليار ريال (187.2 مليار دولار) بفائض مالي 12 مليار ريال (3.2 مليار دولار)، ولكن الواقع أن الإيرادات نمت بشكل كبير فاق الـ30 في المائة نتيجة الفروقات السعرية بين أسعار السوق والأسعار التي وضعت بناء عليها الميزانية.

ويضيف الحقيل بنيت الميزانية بتحفظ شديد على أساس سعر متوسط لبرميل الخام السعودي نحو 62 دولارا مع إنتاج متوسط 8.9 مليون برميل يوميا، مما يعني أن حجم الإنفاق التقديري العام نما بمعدل سنوي قدره 18.9 في المائة وهو واحدة من أعلى معدّلات النمو السنوي للإنفاق العام السعودي في العشر سنوات الماضية، الذي ازداد خلاله حجم هذا الإنفاق بأكثر من 120 في المائة في نفس الفترة، ويشدد: «بنيت الأرقام المذكورة بتحفظ جدا مما يعكس السياسة المالية السعودية».

وبسبب الظروف السياسية والاقتصادية لا سيما الجيوسياسية في العام الماضي ارتفع متوسط الإنتاج النفط السعودي إلى مستويات قياسية فاقت العشرة ملايين برميل من النفط الخام يوميا في شهري أبريل (نيسان) ويونيو (حزيران) حسب بيانات منظمة «الأوبك».

يقول الحقيل: «متوسط الإنتاج النفطي للسعودية خلال عام 2012 يصل إلى 9.93 مليون برميل يوميا ومتوسط صافي التصدير الخارجي قرابة 7.47 مليون برميل يوميا».

جاءت هذه الزيادة في الإنتاج لتعويض النقص في صادرات الخام الإيراني وتغطية الإمدادات النفطية المحظورة وتلبية الطلب العالمي، يشار إلى إن القدرات الإنتاجية السعودية تصل إلى 12.5 مليون برميل وبطاقة احتياطية فائضة بنحو 2.5 مليون برميل يوميا.

وبحسب الحقيل فإن السعودية عند وضع ميزانيتها لعام 2017 بحاجة إلى برميل نفط عند 106 دولارات.

وبالعودة إلى كامل الحرمي الخبير النفطي الكويتي الذي يتوقع حدوث تغيير على الأسواق النفطية بنهاية عام 2013 وبداية عام 2014، وهو تسارع النمو في إنتاج العراق وربما رفع الحظر عن الخام الإيراني مع احتمال أن تزيد إيران من قدراتها الإنتاجية، وكذلك بداية الإنتاج من النفط غير التقليدي «النفط الصخري»، ويضيف: «الأسعار في أسوأ الحالات وخلال العام الجديد ستتراوح بين 80 والـ100 دولار».

إلا إن الحرمي يقول إنه وفي ظل الأخبار الجديدة عن القدرات النفطية للولايات المتحدة الأميركية وعن احتياطيات ضخمة من النفط غير التقليدي «النفط الصخري» ستحتاج السعودية ومعها دول الخليج إلى أسعار قد لا تكون متاحة لبناء ميزانياتها بذات الرفاه خلال الـ10 سنوات المقبلة.

هنا يقول الدكتور راشد أبانمي الخبير النفطي السعودي إن الحكومة السعودية نجحت خلال الأعوام الماضية في تجنيب الميزانية أي تقلبات سعرية في أسواق النفط، كما أنها بالتزامن خفضت الدين العام وتمكنت من بناء احتياطي كبير لتعزيز استقرار إيرادات الميزانيات المقبلة.

ويضيف: «من فوائض الأعوام الماضية في حالة انخفاض الواردات لعدد من السنين، وعلى المدى القصير (خمس سنوات المقبلة) فالسعودية الآن في منأى إلى حد كبير عن حدوث أي عجز محتمل في ميزان المدفوعات قد يجعلها تلجأ إلى الاستدانة».

كما قال إن واقع إحصاءات السوق والواقع الإنتاجي للسعودية من النفط بشكل يومي سيتم تسجيل فائض مالي كبير نظرا لارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية وصلت في المتوسط في عام 2012 إلى 103 دولارات للبرميل.

ويتابع أبانمي: «من هنا تتضح العلاقة الوثيقة بين مستويات الإنفاق الحكومي وأسعار النفط وإيراداته، وبما أن أسعار البترول عرضة للتقلبات فإن ذلك يعني أن أي تراجع في الأسعار لسنوات سيؤثر في العائدات وبالتالي ستؤثر سلبيا في السياسة الاقتصادية السعودية، وربما تعرضها إلى مشكلات قد تتطور إلى كوارث اقتصادية على المدى المتوسط».

ويشير إلى أن هذه التوقعات تدفع على المدى القريب بضرورة الاستفادة من الفوائض المالية المتراكمة وذلك بتنويع الاستثمارات في كافة دول العالم وليس فقط الاعتماد على الاستثمار في السوق الأميركية أو سوق السندات الأميركية، فهنالك فرص حقيقة تجسدت على أرض الواقع بعد الأزمة المالية في أوروبا وهي فرص ممتازة لاستثمار الفوائض الحكومة.