راتان تاتا يسلم دفة الإمبراطورية الهندية لقيادة آيرلندية بعد 144 عاما

قرار جدلي اختلف عن نظام التوارث المتعارف عليه في البلاد

راتان تاتا (يسار) ورئيس الشركة الجديد سايرس ميستري (أ.ف.ب)
TT

مع بلوغ راتان تاتا، الذي قاد تحول مجموعة «تاتا» من شركة محلية إلى مجموعة عالمية تقدر بنحو 100 مليار دولار وتمكنت من الاستحواذ على شركات عالمية في الخارج، سن التقاعد الرسمي (75 عاما) تم نقل قيادة الشركة إلى سيروس ميستري، أول شخص غير هندي ومن خارج أسرة تاتا.

وللمرة الأولى في تاريخ «تاتا» الذي يعود إلى 144 عاما، يتم تعيين شخص من خارج أسرة «تاتا» كرئيس لمجلس إدارتها، حيث حمل ميستري الجنسية الآيرلندية وهو الابن الأصغر لإمبراطور العقارات الآيرلندي ذي الأصول الهندية بالونجي ميستري، الملياردير المنعزل الذي تقدر ثروته بحسب مجلة «فوربس» 7.6 مليار دولار.

وكان مجلس إدارة المجموعة الذي يضم أبناء «تاتا» قد شكلوا خلال اجتماعهم في أغسطس (آب) 2010 لجنة اختيار، لاتخاذ قرار بشأن الخليفة الأنسب لراتان تاتا. جدير بالذكر أن هذه هي المرة الأولى التي تلجأ فيها شركة هندية إلى هذا النمط نظرا لأن الشركات عادة ما تكون مملوكة للأسرة، لكن راتان تاتا أعزب وليس لديه أولاد.

تدار الشركات الهندية التقليدية على الأغلب من قبل العائلة حيث يتولى الابن الأكبر قيادة المجموعة في أعقاب وفاة الأب. لكن السنوات الأخيرة شهدت لجوء الشركات الضخمة التقليدية إلى أصحاب خبرات لخلافة الوالد لمواكبة تغير الزمن وتلبية طموحات أفراد الأسرة الآخرين. تمتلك شركة «تاتا سونز» شركات مثل «جاغوار» و«لاند روفر» إضافة إلى شاي تيتلي. وتتضمن شركة «تاتا غروب» كلا من «تاتا ستيل»، و«تاتا موتورز» و«تاتا باور». ويبلغ عدد العاملين في «تاتا» 425 ألف شخص وتعمل في 80 دولة وعلى غير أغلب الشركات وعلى عكس أغلب الشركات، فثلثا شركات المجموعة مملوكة لشركات تعمل في المجال الخيري.

وفي ظل إدارة راتان تاتا، الذي قاد المجموعة على مدى 21 عاما، دخلت المجموعة في فورة شراء عالمية، تمكنت خلالها من الاستحواذ على شركات كبيرة بدءا من شركة «شاي تيتلي» و«لاند روفر» إلى شركة «كوروس الأنجلو» هولندية لصناعة الصلب، إضافة إلى ذلك تحولت «تاتا موتورز» إلى أكبر شركة لصناعة السيارات في الوقت الذي تحولت فيه «تاتا» لخدمات الاستشارات أكبر شركة في الهند لتصدير البرمجيات.

ويخطط راتان تاتا بعد تقاعده لقضاء وقت فراغه في التكنولوجيا، التي يبدي شغفا كبيرا بها. وسوف ينفض التراب عن البيانو الخاصة به الذي تعلم العزف عليه إبان فترة الدراسة الابتدائية ويمارس هوايته في الطيران، ناهيك بالعمل الخيري.

ميستري الذي تلقى دعما بالإجماع من لجنة الاختيار غير معروف نسبيا في دوائر الأعمال الهندية، فهو شخصية غير مثيرة للجدل بالنظر إلى موقعه كأكبر حامل للأسهم. وهو ليس بالغريب على عوامل الضغط والقلق في حياة إدارة إمبراطورية تجارية واسعة، حيث رأس مجموعة «شابورجي بالونجي» التي تملكها أسرته منذ عام 2003 وتمكن خلال هذه الفترة من تحقيق أرباح فاقت الملياري دولار. ونظرا لكون شركة «بالونجي» من أعرق شركات العقارات، حيث يعود تاريخها إلى قرابة قرن، قامت الشركة ببناء الكثير من معالم مومباي، إلى جانب التوسع في الخليج، حيث قامت شركة «شابورجي بالونجي» ببناء قصور لسلطان عمان وقامت مؤخرا ببناء مبنى البرلمان في كابل.

من هو ميستري، الذي أصدرت «ويكيبيديا» صفحة خاصة به بعد دقائق من الإعلان عن اختياره رسميا لرئاسة تاتا؟

ولد ميستري عام 1968 وتخرج في كلية إمبريال كولدج في لندن وحصل بكالوريوس الهندسة المدنية، ويحمل درجة الماجستير في الإدارة من كلية لندن لإدارة الأعمال وهو زميل لمعهد هندسة المهندسين المدنيين.

التحق بشركة العائلة كمدير عام 1991 ويعود الفضل إليه في قيادة الشركة إلى بلوغ آفاق جديدة.

ويصفه أصدقاؤه المقربون بأنه يتشابه مع راتان تاتا في الكثير من الأمور في كونه حلو اللسان ومتواضعا. ويعشق ميستري لعبة الغولف. ويعرف عنه أيضا أنه من عشاق الطعام ومقصده المفضل في الإجازات أوروبا. وهو رجل عائلة ملتزم فهو متزوج ولديه طفلان.

خضع حضوره إلى مومباي هاوس، مقر شركة «تاتا»، بعد يوم تعيينه مرتديا قميصا أزرق، الزي العام للمكتب، إلى فحص من قبل علماء النفس، الذين قالوا إنه كان هادئا ومتمتعا بالسيطرة. أشاروا إلى أن تشميره عن ساعديه، الذي يعتبر أمرا مألوفا في طقس مومباي الرطب، على أنه إشارة إلى الفريق المساعد له بضرورة الانهماك في العمل.

لن تكون مهمة قيادة شركة تعمل في قطاعات متعددة وسط تراجع اقتصادي وتحديات جديدة مثل الفساد وبطء القرارات الحكومية عملا سهلا بالنسبة لميستري. وسوف يكون ذلك اختبارا للقدرة سواء في صورة تعديل استراتيجية المجموعة في أوقات صعبة اقتصاديا أو تحديد مجالات العمل الفردية. وسيكون التحدي الأكبر القدرة على استمرار إرث راتان تاتا.

ربما تحتاج مجموعة «تاتا» إلى تعديل مزيج من العمليات الداخلية والعالمية كي يتوافق مع الحقائق الاقتصادية الجديدة. ففي نوفمبر (تشرين الثاني) أعلنت شركة «تاتا» عن خفض في الوظائف بلغ 900 وظيفة، والوصول بخفض الوظائف في عمليات الشركة في أوروبا إلى أكثر من 3.000 وظيفة خلال ثلاث سنوات.

ترك الاستحواذ على شركة «كوروس» التي بلغت 12 مليار دولار وشركة «تاتا ستيل» مدينة بما يقرب من 10 مليارات دولار، جاء أغلبها لإعادة التمويل خلال السنوات الثلاث المقبلة. في الوقت ذاته كان التراجع الاقتصادي الهندي يعني تعرض حجم التداول والربحية في شركة الصلب لضغوط كبيرة. وقد أتى الاستحواذ على شركات صناعة السيارات الفارهة البريطانية مثل «جاغوار» و«لاند روفر» بثماره حيث يتوقع أن تشهد شركتا «جاغوار» و«لاند روفر» ارتفاعا في نسبة المبيعات تصل إلى 16 في المائة هذا العام. لكن ذلك قد لا يعوض الضعف في شركة صناعة السيارات الهندية، حيث تراجعت مبيعات السيارات الشخصية الهندية 8 في المائة العام الحالي.