ملاحقة المتهربين من تسديد الضرائب في اليونان تهز الطبقة السياسية

الدائنون يعملون على تحسين الجهاز الضريبي الذي كان وكرا للفساد

التهرب الضريبي أثر كثيرا على الوضع الاقتصادي في اليونان (إ.ب.أ)
TT

يهز تحقيق حول مقربين من وزير مالية سابق متهم بتزوير لائحة بأصحاب حسابات مصرفية في سويسرا، مجمل الطبقة السياسية في اليونان التي لا تزال تواجه صعوبات جمة في جباية ضرائبها لأن التهرب من تسديدها هو القضية الغالبة على المستوى الوطني.

ووزير المالية السابق الاشتراكي جورج باباكونستاتينو (51 عاما) في حكومة رئيس الوزراء جورج باباندريو، هو المشبوه الرئيسي في قضية باتت حديث الناس. وهو متهم بشطب أسماء مقربين منه كانت واردة على لائحة أصحاب حسابات في سويسرا نقلتها فرنسا إلى اليونان.

وإضافة إلى الحزب الاشتراكي (باسوك) الذي كان في السلطة أثناء اندلاع أزمة الديون في 2008 واعتبره الرأي العام مسؤولا عن التقصير في مواجهة التهرب من تسديد الضرائب، فإن القضية تزعزع أيضا الحكومة الائتلافية الحالية.. ذلك أن «باسوك» هو ركيزة التعايش الهش بين اليمين (حزب الديمقراطية الجديدة) واليسار الديمقراطي (حزب ديمار) الذي تشكل على أثر انتخابات يونيو (حزيران) بقيادة رئيس الوزراء المحافظ أنطونيوس ساماراس.

وتحت ضغوط الجهات الدائنة للبلد (الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي) لتعويم الصناديق العامة، وأمام غضب الشارع كذلك الذي يطالب بـ«المزيد من العدالة الضريبية»، تبدي الحكومة تصميمها على وقف التهرب من تسديد الضرائب.

وأكد التقرير الأخير الصادر في ديسمبر (كانون الأول) عن «هيئة العمل» الأوروبية المكلفة بمساعدة أثينا على تطبيق إصلاحاتها، سوء عمل أجهزة الضرائب، ولفت إلى أن أهداف العائدات الضريبية «لم تتحقق» وأن «تحسين» و«تعزيز» الإدارة «بات أمرا عاجلا».

ولجعل إدارات الضرائب التي تعتبر أوكارا للفساد أكثر عملانية، قرر وزير المالية يانيس ستورناراس أخيرا استبدال نحو 50 مديرا في هذه الوكالات وأعلن إصلاحا ضريبيا واسع النطاق لفصل الربيع.

وفي بلد يقدر فيه التهرب الضريبي بنحو 40 مليار يورو، جاءت المعلومات التي كشفها القضاء عن شطب ثلاثة أسماء من المقربين من باباكونستانتينو من لائحة أصحاب الحسابات في مصرف «إتش إس بي سي» في سويسرا، لتشكل الضربة القاضية التي طفح بها الكيل.

وهذه اللائحة التي تضم قرابة ألفي شخص والتي أطلق عليها اليونانيون اسم «لائحة لاغارد»، سلمت في 2010 إلى الوزير الاشتراكي السابق من قبل نظيرته الفرنسية في تلك الفترة كريستين لاغارد التي تشغل حاليا منصب المديرة العامة لصندوق النقد الدولي.

وقدم الاثنين 71 نائبا في الائتلاف الحكومي اقتراحا في البرلمان بتشكيل لجنة تحقيق.

وإذا شكلت على أثر تصويت في منتصف يناير (كانون الثاني)، فإن هذه اللجنة البرلمانية ستحقق لتعرف ما إذا كان باباكونستانتينو مسؤولا عن «تزوير» وثيقة رسمية وعن «تخلفه عن القيام بواجباته».

وحزب «باسوك» الذي نأى بنفسه عن القضية، أقال من صفوفه الوزير السابق الذي كان أحد أبرز مهندسي تطبيق خطة الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي لـ«إنقاذ» اليونان مرفقة بشروط تقشفية قاسية لمواجهة أزمة المالية العامة وتجنب خروج اليونان من منطقة اليورو.

ونفى باباكونستانتينو أي تقصير من جانبه، وقال إنه ضحية «مؤامرة» تشكك ضمنا بزعيم حزب «باسوك» الحالي إيفانغيلوس فينيزيلوس الذي خلفه في حقيبة وزارة المالية في يونيو (حزيران) 2011.

وأدت القضية إلى زيادة حدة المواجهة بين الحكومة وأبرز حزب معارض، اليسار المتشدد (سيريزا)، الذي يتهم باباكونستانتينو وفينيزيلوس معا بأنهما لم يعملا على مكافحة التهرب من تسديد الضرائب عبر عدم استخدامهما «لائحة لاغارد».

وأعرب حزب «سيريزا» عن الأسف لأن اليونان لم تعرف كيف تستفيد من هذه اللائحة المنبثقة من ملفات سرقها هيرفيه فالسياني الموظف المعلوماتي السابق في «إتش إس بي سي»، في حين استخدمتها فرنسا ودول أخرى بأكبر قدر من السرية لتحسين جباية الضرائب.

وقال حزب «سيريزا» إن «قضية لائحة (لاغارد) فضيحة تثبت انحياز النظام المصرفي للأكثر ثراء (...) وتلقي الضوء على أسباب إفلاس البلد».