اقتصاديون مصريون لـ «الشرق الأوسط»: التعديل الوزاري الجديد لم يفلح في إنعاش البورصة

د. مصطفى السعيد: الاقتصاد الإسلامي أكثر ميلا لاقتصاد السوق.. وعلى الوزير الجديد أن يوضح لنا رؤيته

تسببت الأحداث السياسية الساخنة على مدار الفترة الماضية في تعميق الأزمة الاقتصادية بمصر منذ أحداث ثورة 25 يناير (أ. ب)
TT

في خضم الأحداث السياسية الساخنة التي تشهدها مصر وما تبعها من مؤشرات اقتصادية شديدة الخطورة جاء التعديل الوزاري «المحدود» في محاولة لإصلاح الثوب الممزق. وإنقاذا لما يمكن إنقاذه في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية جاء تعيين وزير مالية جديد هو الدكتور المرسي حجازي مثيرا للجدل حول جدارته في مواجهة هذا الواقع الاقتصادي الصعب وحول التوجهات المستقبلية لنظام الاقتصاد المصري في ظل وزير مالية ينتمي إلي الفكر الاقتصادي الإسلامي، وهو ما فسره المتخوفون من توزيره بأنه محاولة والتفاف من التيارات الدينية في مصر للسيطرة على مختلف المواقع الحيوية في مصر بما يضمن لهم تنفيذ آيديولوجيتهم الإسلامية بحرية.. فقد تسببت الأحداث السياسية الساخنة علي مدار الفترة الماضية في تعميق الأزمة الاقتصادية بمصر منذ أحداث ثورة 25 يناير المصرية. وهو ما تمثل في عدة مؤشرات خطيرة منها اتساع عجز الموازنة وزيادة الدين المحلي والخارجي وانخفاض السيولة المحلية، وأعقب الأزمة السياسية «مشكلة مزمنة هي عجز الموازنة»، بحسب رئيس الوزراء، و«مأزق اقتصادي كبير»، بحسب وزير المالية السابق ممتاز السعيد بسبب «اتساع العجز في الموازنة ليصل إلى 80 مليار جنيه وسط توقعات بوصوله إلى 200 مليار جنيه نهاية السنة المالية».

وازداد الأمر سوءا وقتامة بإعلان البنك المركزي المصري انخفاض الاحتياطي النقدي ليصل إلى 15.014 مليار دولار، وهو ما يمثل تجاوز الحد الحرج في الاقتصاد المصري وبشكل متزامن كان من الطبيعي أن يشهد الجنيه المصري حالة خطيرة من التدهور في مواجهة الدولار الأميركي الذي ارتفع سعره من 6 جنيهات منذ أسابيع قليلة ليصل إلي ما يقرب من 6 جنيهات ونصف الجنيه في الأيام الأخيرة.

وانعكست كل هذه المعطيات على أداء البورصة المصرية سلبا بالتذبذب في الأداء ما بين ارتفاع طفيف وانخفاض عميق في كثير من الأيام ناتج عن مبيعات الأجانب تحت وطأة عدم الاستقرار السياسي القائم مما أدى إلى خسائر بعشرات المليارات من الدولارات.

ولم تفلح أخبار التعديل الوزاري الجديد في إنعاش البورصة المصرية، حيث أغلقت البورصة على خسارة قدرها 600 مليون جنيه.

ولم يكن المواطن المصري البسيط ولا الشارع المصري بشكل عام بعيدا عن تأثير تلك الأوضاع التي بدت ملموسة لهم في ارتفاع أسعار بعض السلع الأساسية واختفاء سلع أخرى من السوق المصرية، منها سلع حيوية كبعض أنواع الأدوية التي عجزت الشركات عن تصنيعها لعدم وجود عملات أجنبية لشراء المواد الخام.

وفي ظل هذه الأجواء يأتي التعديل الوزاري الذي شمل تغيير وزير المالية وتعيين الدكتور المرسي حجازي مثيرا للجدل حول قدرته على سرعة إنقاذ الاقتصاد المصري وأسلوب إدارته والمنهج الذي يتبعه ومدى تأثير ذلك على تغيير توجه النظام الاقتصادي المصري.

والسؤال الأكثر إلحاحا هو: هل تتحول مصر للنظام الاقتصادي الإسلامي في ظل حكم إخواني يسيطر على مختلف الوزارات ومنها المالية؟ وهو سؤال وجهته «الشرق الأوسط» لعدد من الخبراء الاقتصاديين.

الدكتور مصطفى السعيد وزير الاقتصاد المصري الأسبق ورئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب سابقا أجاب قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن التغيير الوزاري ليس بالقدر الملحوظ، لأنه لم يشمل في المجموعة الاقتصادية سوى وزير المالية. أما بالنسبة لاحتمالات توجهه نحو الاقتصاد الإسلامي فهو أمر يحتاج حسمه لتوضيح قضايا كبيرة مثل سعر الفائدة وكيفية تغلبه عليها وحرية التجارة والعدالة الاجتماعية وموقف الشريعة منها.

وأضاف السعيد أنه في حالة الأخذ بالنظام الاقتصادي الإسلامي فإن الأمر لن يختلف كثيرا عن الوضع الحالي لأنه أكثر ميلا لاقتصاد السوق منه إلى الاقتصاد الاشتراكي وعلى ضوء تحديد الوزير الجديد لطبيعة الاقتصاد الإسلامي نستطيع أن نحكم عليه ونحدد ما إذا كان النموذج الذي يقترحه ملائما أم لا.

وأوضح وزير الاقتصاد الأسبق أن هناك قضيتين أساسيتين في إدارة الاقتصاد الإسلامي أولاهما أن يقوم على أساس المنافسة الكاملة بما يعني عدم وجود مسألة الاحتكار ولا سيطرة مجموعة معينة على سوق معينة حتى يتحقق الثمن العادل، وهو أحد أعمدة ما يسمى بالاقتصاد الإسلامي لتحقيق المنافسة الكاملة بالإضافة إلى مسألة المشاركة التي هي أساس الاقتصاد الإسلامي كبديل عن فكرة القروض، وهو ما يسمى أيضا بالمرابحة.

وقال السعيد إن هذين العنصرين موجودان في النظام الاقتصادي الحالي ولكن بنسب معينة لا تشمل الاقتصاد ككل. وإذا طبقت المسائل بكفاءة وفاعلية فإن الأمر لن يختلف عن تجربة اليمين الألماني في عهد سابق وكل ما في الأمر أن إضافة وصف «إسلامي» هو لإراحة المتشددين في فهمهم للدين الإسلامي.

أما الدكتور علي لطفي رئيس الوزراء المصري الأسبق، فقال لـ«الشرق الأوسط» إن اختيار وزير مالية من مدرسة الفكر الاقتصادي الإسلامي لا يخيفنا في شيء، إنما الأمر المهم هو ما يتعلق بموضوع الصكوك الإسلامية، وهو أمر مأخوذ به في العديد من الدول الخليجية وماليزيا وإندونيسيا، وهي تعد أداة إضافية لتمويل عجز الموازنة. وأضاف الدكتور لطفي أنه بالنسبة للأمر الآخر الذي يرتبط بالاقتصاد الإسلامي فهو موضوع البنوك الإسلامية وكل ما يحدث أنه سيتم التوسع في زيادة أعدادها دون المساس بالبنوك الأخرى العادية ومن ثم لا مجال للتخوف من أي شيء.

وأرسل رئيس الوزراء الأسبق رسالة تتضمن سبل الخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية بمصر يقدمها نصيحة لوزير المالية الجديد عبر «الشرق الأوسط»، منها تطوير منظومة الضرائب وتطبيق نظام الضرائب التصاعدية وترشيد النفقات العامة وتحديد الحدين الأدنى والأعلى للأجور دون استثناء. كما طالب الدكتور لطفي بطرح مناقصة كبرى لإنشاء شركة جوال رابعة وشركة إسمنت وشركة حديد جديدة لأنها ستدر مليارات كثيرة على الموازنة العامة المصرية.

وعن تأثير ذلك على البورصة المصرية وأسواق المال، قال الدكتور محمد الصهرجت مستشار هيئة سوق المال المصرية الأسبق لـ«الشرق الأوسط»، إن الموضوع أكبر من وزير المالية بل ومن كل الوزراء، لأن الأمر يرتبط بالإرادة السياسية الحقيقية، وهي في يد القيادة السياسية وليس الوزراء، وطالب الصهرجت بضرورة التركيز على القضايا التي تهم الشعب المصري والفقراء بدلا من تبادل التهم والشتائم على الفضائيات حتى لا نفاجأ بثورة جياع. وأكد أنه ليس قلقا من فكرة التحول للاقتصاد الإسلامي لأنه يطبق في الخارج بنفس الأسس ولكن مع اختلاف الأسماء. وأكد أن أداء البورصة غير الجيد وتذبذب أوضاعها ناتج عن غياب الإرادة السياسية التي أصبحت ممزقة إلى درجة خطيرة لا يستطيع معها أي وزير مالية تحقيق شيء دون استعادتها والعمل برغبة وطنية مخلصة.