تقرير مالي دولي يقدر تقلص الاقتصاد السوري إلى النصف نهاية 2012 وانكماشه بنسبة 20%

خبير اقتصادي لـ«الشرق الأوسط»: إعادة إعمار سوريا وتمويل بناء اقتصادها التحدي الأبرز

TT

قدر خبراء في «معهد التمويل الدولي» أن يكون معدل الانكماش في الاقتصاد السوري قد سجل نهاية عام 2012 نسبة 20%، مقارنة مع 6% نهاية عام 2011، وذلك بسبب استمرار أعمال العنف في سوريا والعقوبات الاقتصادية المفروضة من تركيا وجامعة الدول العربية، إضافة إلى العقوبات الأوروبية والأميركية. وتوقعوا أن يصل معدل الانكماش إلى نسبة 5% نهاية عام 2013، في حال استمرار النزاع على حاله.

وقال خبراء المعهد، وهو عبارة عن تجمع دولي يضم 470 مؤسسة من كبرى المؤسسات المالية والمصرفية حول العالم، إن معدل التضخم في سوريا بلغ نهاية 2012 نسبة 35% وقد يصل إلى 45% نهاية عام 2013، فيما سجّل نسبة 5.3% نهاية عام 2011 و4.4% نهاية عام 2010. وأشاروا، في تقرير صادر نهاية الشهر الماضي عن «قسم البحوث الاقتصادية» في المعهد الذي يغطي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إلى تراجع سعر صرف العملة السورية حيث وصل خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) الفائت إلى 90 ليرة سوريا للدولار الأميركي الواحد، في السوق السوداء. وتقلص حجم الاقتصاد السوري، وفق التقرير عينه، من 57.5 مليار دولار نهاية عام 2010. إلى 46.7 نهاية عام 2010، ثم إلى 29.5 مليار دولار نهاية عام 2012، أي ما يقارب النصف، متوقعا أن ينخفض إلى 27.4 مليار دولار نهاية عام 2013 إذا استمر الوضع على حاله.

ويقدر التقرير، وفق ما يوضحه الخبير الاقتصادي اللبناني الدكتور نسيب غبريل، كبير الاقتصاديين في مجموعة «بنك بيبلوس» رئيس قسم الأبحاث الاقتصادية فيه، أن يكون «احتياط العملات الأجنبية في سوريا قد تراجع بشكل حاد من 19 مليار و500 مليون دولار نهاية 2010، إلى 10 مليارات و800 مليون دولار نهاية 2011. لينخفض نهاية عام 2012 إلى 3.4 مليار دولار». ويتوقع التقرير أن تتضاءل نسبة الاحتياطي بالعملات الأجنبية إلى «مليار و500 مليون دولار نهاية عام 2013، على أن تنفذ في حال استمرار الوضع على حاله».

ويقول غبريل لـ«الشرق الأوسط» إن «وضع المالية العامة السورية متأثر جدا بالأزمة السياسية والأمنية القائمة، وقد أدت العقوبات على تصدير النفط إلى تراجع المداخيل بنسبة ملحوظة، خصوصا أن مداخيل تصدير النفط تشكل ما نسبته بين 25% و33% من مداخيل الخزينة، وفقا لأسعار البترول العالمية». وفي ظل العقوبات النفطية، يتوقع التقرير أن يتراجع إنتاج النفط من 340 ألف برميل يوميا خلال 2011 إلى 220 ألف برميل خلال 2012. ليتدنى إلى 200 ألف برميل نهاية 2013.

ويشير غبريل إلى أن التحدي الاقتصادي الأبرز هو «إعادة إعمار سوريا، وتوفير الحاجات التمويلية لإعادة إعمار الاقتصاد السوري، إذ أنه بحاجة إلى مبالغ طائلة نظرا لما يجري منذ بدء الأزمة السورية، علما بأنه يمكن للصناديق المتعددة الجنسيات، كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والصناديق العربية، أن تساهم في مرحلة إعادة الإعمار، كما هو الحال عند خروج كل بلد من أزمة عسكرية أو سياسية أو مالية». ويوضح أن «التحدي الثاني يتمثل بإعادة رجال الأعمال وشركاتهم إلى سوريا، لأنه مع وصول الصراعات إلى المدن السورية الكبرى، نلاحظ مسارعتهم إلى مغادرة سوريا، نظرا لتراجع الإنتاج والنقص في المواد الأولية وتراجع الحركة التجارية والصناعية». ويشير إلى أن هذه الشركات «بصدد البحث عن أسواق بديلة أو نقل مؤسساتها مؤقتا إلى بلد آخر، والتحدي سيزداد كلما طالت الأزمة، لأن الأسئلة تطرح حول نسبة المستعدين للعودة وكم سينتظرون لإعادة استقرار الوضع الأمني، بغض النظر عن النتيجة السياسية».

وكان تقرير «معهد التمويل الدولي»، قد توقع أن يبلغ عجز الموازنة بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، عتبة 13% نهاية عام 2013. في موازاة تقديره أن يكون قد ازداد من 10.6% نهاية عام 2011 إلى 16.3% نهاية 2012، وكذلك الحال بالنسبة للعجز في الحساب الجاري الخارجي بالنسبة للناتج الإجمالي المحلي، حيث يقدر أن تكون نسبته قد بلغت 13.3% نهاية عام 2012، على أن تنخفض لـ12% نهاية عام 2013. كذلك، يقدر التقرير ارتفاع معدل الدين العام بالنسبة للناتج الإجمالي المحلي من 33.2% نهاية 2011 إلى 48.5% نهاية 2012، على أن تبلغ 56.7% نهاية عام 2013.

من جهة أخرى، يتوقف غبريل عند مسألة «هجرة الأدمغة والكفاءات مع استمرار الأزمة». ويقول: «من خبرتنا في لبنان، نعرف أنه كلما طالت الأزمة ازدادت هجرة الكفاءات وبات من الصعب عودة من استقر شخصيا ومهنيا في بلد آخر حتى لو استتب الاستقرار». كما يشير إلى أن «إعادة حتى المستهلك السوري وقدرته الشرائية يعدان بمثابة تحد، خصوصا أن السوريين لم يعتادوا على أزمات وخضات أمنية، على أن يلي ذلك إعادة ثقة المستهلك العربي والأجنبي وعودة أعمال الشركات غير السورية».

وعلى صعيد القطاع المصرفي، يؤكد غبريل أنه «ليس بمنأى عن القطاع الاقتصادي ككل، وقد تأثر كثيرا بتباطؤ الحركة الاقتصادية وشح فرص التسليفات وتراجع سعر صرف سعر العملة وبالوضع غير المستقر». وكشف أن «المصارف السورية التابعة لمصارف لبنانية أخذت مؤونات بقيمة 400 مليون دولار لعملياتها في سوريا».

ورغم التراجع الكبير الذي يعاني منه الاقتصاد السوري على الصعد كافة، يوضح غبريل أنه «مقارنة مع اقتصادات مرت بصراعات عسكرية، فإن الحركة الاقتصادية غالبا ما تشهد قفزة إيجابية بعد المرحلة الانتقالية»، لافتا في الوقت عينه إلى أنه «لا يمكن لأحد تحديد حجم الخسائر التي لحقت بالاقتصاد السوري والتي يقدر البعض أنها تتراوح بين 60 و100 مليار دولار أميركي».

تجدر الإشارة إلى تقرير معهد التمويل الدولي، وفي القسم المتعلق بسوريا، يستند إلى معلومات جزئية من السلطات السورية ومصادر إخبارية متنوعة وتقديره لتداعيات استمرار القتال والعقوبات الدولية على الاقتصاد السوري.