تقرير اقتصادي للأمم المتحدة: 31.4 % الناتج الإجمالي المحلي في سوريا عام 2012

الدردري: خسارة سوريا منذ بدء النزاع تتجاوز خسارة لبنان طوال سنوات حربه الأهلية

TT

قدر تقرير اقتصادي صادر عن الأمم المتحدة أمس ويرصد التوقعات العالمية والآفاق الإقليمية، انخفاض الناتج الإجمالي المحلي لسوريا عام 2012 بنسبة 29.1% اعتمادا على البيانات المتوفرة من شهر أكتوبر (تشرين الثاني) 2012، متوقعا أن يعود «تدمير المرافق الإنتاجية وتدهور الوضع الأمني، إضافة إلى العقوبات الاقتصادية المفروضة بخسائر اقتصادية كبيرة على سوريا».

وقال الدكتور عبد الله الدردري، مدير إدارة التنمية الاقتصادية والعولمة وكبير الاقتصاديين في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) التابعة للأمم المتحدة، خلال إطلاق التقرير بعنوان «الحالة والتوقعات الاقتصادية في العالم»، في بيروت، إنه «يمكن عودة النمو الإيجابي خلال العام المقبل، في حال عودة الاستقرار إلى سوريا خلال العام الجاري». وأوضح أنه «وفقا لأحدث تقديرات الإسكوا، واعتبارا من يناير (كانون الثاني) 2013، فإن الناتج الإجمالي المحلي لسوريا سيتقلص بنسبة 31.4% في عام 2012». وتوقع، في «حال استمرار الأزمة السورية في المرحلة المقبلة أن تخسر سوريا حتى عام 2015 أكثر من 60% من الناتج الإجمالي المحلي».

وشدد الدردري، وهو سوري الجنسية وسبق أن شغل منصب نائب رئيس الحكومة السورية ويعد من كبار الاقتصاديين السوريين، ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «لا أرقام نهائية لحجم الدمار في سوريا»، موضحا في الوقت عينه أن «خسارة 35% من الناتج المحلي رقم كبير لا يمكن الاستهانة به ويعادل نحو 15 إلى 25 مليار دولار بحسب تقديراتنا للناتج المحلي». وذكر الدردري بأن «الحكومة السورية كانت بصدد تنفيذ خطة اقتصادية بين الأعوام 2011 و2015 بتكلفة 45 مليون دولار، وكان لديها المواد الكافية لتمويلها من دون الاقتراض من الخارج أو توسيع دينها العام».

وقال: «نحن بصدد إجراء دراسة بعنوان (الأجندة الوطنية لمستقبل سوريا) يقوم بها خبراء سوريون من الداخل والخارج، وهو مشروع سوري وطني توفر الإسكوا الغطاء له، وتضمن مسحا شاملا ورؤية لمرحلة الإعمار ويتناول 3 محاور رئيسية: إعادة هيكلة المؤسسات والحكم الرشيد، المصالحة الاجتماعية والخدمات المجتمعية، إعادة البناء والإنعاش الاقتصادي».

وأكد الدردري أن «من أهم رسائل تقرير الأمم المتحدة، بغض النظر عن الطرف الذي سيكسب في سوريا، هو أن النتيجة مدمرة، وكل يوم تأخير إضافي سيكون كارثيا وستخسر سوريا كل عام إضافي 18% من ناتجها الإجمالي المحلي».

وبحسب الدردري فإن «ما تتعرض له سوريا واقتصادها لا يشبه ما جرى في أي بلد آخر، وهو قريب مما حدث خلال الحرب العالمية الثانية»، مؤكدا أن «خسارة سوريا حتى اليوم أكثر بكثير مما خسره لبنان طوال سنوات حربه الأهلية». ويقدر التقرير، وهو تقرير سنوي تصدره إدارة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالتنسيق مع مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية واللجان الإقليمية الخمس للأمم المتحدة، بما في ذلك الإسكوا، أن تكون نسبة البطالة في سوريا قد تجاوزت عتبة 35% خلال عام 2012، على أن تتجاوز الـ60% نهاية عام 2015، في حال استمر النزاع. وفي حين أكد الدردري أن «أي اقتصاد لا يقوى على تحمل نسبة البطالة المرتفعة هذه»، لفت في الوقت عينه إلى أن «عدد السوريين تحت خط الفقر المدقع سيبلغ 40% خلال عام 2015».

على الصعيد الإقليمي، يفيد التقرير أن الأزمة السورية ترخي بثقلها على الدول المجاورة، بسبب «فقدان فرص التجارة وتدهور الأنشطة الاقتصادية في البلدان المعنية». ووفق الدردري، فإن لبنان والأردن هما البلدان الأكثر تضررا، نظرا لتراجع حركة السياحة والتحويلات المالية من خلال الاستثمارات العربية. ويقدر التقرير «تراجع معدل النمو إلى ما دون 1%»، وهو ما يتكرر للعام الثالث على التوالي بحسب الدردري، الذي أبدى خشيته من أن يقع لبنان في «حلقة مفرغة من الركود التضخمي، بسبب الركود الشديد ومعدل التضخم المرتفع»، داعيا «الحكومة اللبنانية إلى اتخاذ إجراءات فعالة للحؤول دون الوقوع في هذه الحلقة، تبدأ بتوسيع الإنفاق العام ووضع خطة تركز على تطوير البنى التحتية والتنمية البشرية».

وفيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية، وردا على سؤال، لفت الدردري إلى أن «المملكة نفذت تسع خطط تنموية»، كاشفا أن «الإسكوا ستكون شريكة مع المملكة في إعداد الخطة الخمسية التنموية العاشرة، وهو ما يعكس حالة الثقة الموجودة بين الطرفين».

من جهة أخرى، لفت التقرير إلى أن «أسعار النفط ستبقى مرتفعة، حيث إن المعدل السنوي الفوري لسعر برنت نحو 105 دولارات للبرميل في عام 2013 - 2014، في مقابل استمرار ضعف الطلب الخارجي من أميركا الشمالية وأوروبا على صادرات المنطقة غير النفطية». وأوضح أن «زيادة نسبة الاعتماد على الصادرات النفطية يشكل العنصر الرئيس في خطر الوقوع بعجز الأنشطة الاقتصادية الحقيقية وهي الأكثر تأثرا بالأوضاع الجيوسياسية والمضاربات في السلع».

عالميا، يتوقع التقرير «تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، حيث تشهد معظم الدول الأوروبية حالة من الركود وتجد أغلب الدول نفسها في حلقة مفرغة من الديون، انخفاض النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة»، في حين «تشهد معظم دول العالم حالة تباطؤ اقتصادي مرتفعة (بما في ذلك الاقتصادات الناشئة)». كذلك يتوقع التقرير «ارتفاع نسبة خطر الوقوع في دوامة من الركود العالمي نظرا لتصاعد أزمة منطقة اليورو، وأزمة (الهاوية) المالية في الولايات المتحدة، فضلا عن الهبوط الاقتصادي في الصين وغيرها من الاقتصادات الناشئة».

ويقترح التقرير للخروج من الحلقة المفرغة: «الابتعاد عن سياسة التقشف المالي المحبطة، إعادة تصميم السياسات المالية التي تدعم خلق فرص العمل والنمو الأخضر، اعتماد التنسيق في السياسة النقدية وتسريع الإصلاحات في القطاع المالي، إضافة إلى تعزيز تمويل التنمية الاقتصادية».