مصرف لبنان المركزي يضخ 1.4 مليار دولار لإنعاش الاقتصاد

بعد انكماش التسليفات المصرفية وانحدار نمو الناتج المحلي دون 2%

البنك المركزي اللبناني («الشرق الأوسط»)
TT

دخل مصرف لبنان المركزي مباشرة على خط إخراج الاقتصاد الوطني من حال الركود وإعادة حفز نمو الناتج المحلي الذي تقلص إلى متوسط يقل عن 3 في المائة في العامين الأخيرين متراجعا من متوسط 8 في المائة خلال السنوات الثلاث التي سبقتهما، فيما يرتفع مؤشر الدين العام بنسب أعلى مما ينذر بتدني التصنيف السيادي المكشوف أصلا على تنامي المخاطر العامة. ووفق تعميم حمل توقيع حاكم «المركزي» رياض سلامة، سيضخ مصرف لبنان مبلغ 2200 مليار ليرة (نحو 1460 مليون دولار) عبر المصارف العاملة لتلبية حاجات تمويلية للأفراد والمؤسسات في مجالات متعددة؛ أبرزها الإسكان والطاقة المتجددة والأبحاث والمشاريع الصديقة للبيئة، مترقبا أن تساهم هذه الخطوة في رفد نسبة النمو المقدرة بما بين 2 و3 في المائة هذا العام، بنحو 2 في المائة إضافية من خلال تنشيط حركة الاقتصاد والتسليفات المصرفية في قطاعات حيوية.

وسيكون بمقدور المصارف، وفق توزيعات وحصص حددها التعميم، سحب التمويل بتكلفة نسبتها 1 في المائة فقط، لتعيد ضخها إلى طالبي القروض بنسبة تتراوح بين 5 و6 في المائة وبنسب أقل في حال كانت القروض السكنية محررة لدى بنك الإسكان أو المؤسسة العامة للإسكان، وهذا معدل جاذب للمستهلكين كونه يقل بين 3 و4 في المائة على الأقل عن الفوائد السارية على التسليفات المصرفية ويوازي متوسط معدل الفوائد المعتمد على الودائع. فيما حدد التعميم سقف التسليف الممنوح عبر المصرف الواحد بمبلغ 200 مليار ليرة (132 مليون دولار) موزعا مناصفة بين النصفين الأول والثاني للعام الحالي.

ويستفيد القطاع العقاري، عبر القروض السكنية، من نحو 817 مليون دولار توازي نحو 60 في المائة من القيمة الإجمالية للمبلغ، فيما تتوزع نسبة 40 في المائة على قطاعات الأبحاث والتطوير والمشاريع المخصصة للبنية ولرواد الأعمال والمبادرين لإنشاء مشاريع جديدة وللطاقة المتجددة. ومع تحديد القيمة القصوى للقرض السكني بما يوازي 530 ألف دولار، يرتقب تغطية نحو 2500 قرض سكني من خلال هذا المشروع التمويلي، مع توقع تركز الطلب على الشقق الصغيرة والوسطى في بيروت وجوارها بمعدل بين 2500 و4000 دولار للمتر المربع المبني، بينما يتوسع إلى مساحات أكبر في المحافظات حيث يقل السعر عن 2000 دولار للمتر الواحد.

ويؤمل أن يعيد ضخ المبلغ المدعوم الفائدة فتح شهية المصارف على التمويل بعدما برزت في العام الماضي تحولات مقلقة على مسار التسليفات المصرفية الموجهة للقطاع الخاص اللبناني بسبب التراجع الحاد للنشاط في قطاعات حيوية، وتصاعد المخاوف من انهيارات فعلية في القطاع السياحي، تتمدد تباعا إلى القطاع التجاري.

وأزمة التمويل مزدوجة وفقا لمرجع مصرفي يعتبر أنه «خلال السنوات الماضية كان للتمويل المصرفي الإسهام المباشر في تلبية الحاجات المالية لتوسعات القطاع السياحي بكل مرافقه: الفنادق، والمطاعم والمقاهي والملاهي، وشركات تأجير السيارات وشركات الخدمات ذات الصلة. وفي الوقت ذاته فتحنا محافظنا للعاملين في هذا القطاع: قروض إسكانية، وقروض شخصية، وقروض سيارات، وسواها.. فيما بدأنا نواجه الآن انحدارا حادا في حجم الأعمال والتدفقات النقدية مما يفرض خيارات صعبة على المؤسسات الناشطة وممولها، أي المصرف. وصعوبات مالية حقيقية للعاملين سواء تعرضوا للصرف من الخدمة أو تقليص مداخيلهم».

وواقعيا، ألزم تصاعد المخاطر التمويلية أغلب المصارف باعتماد إجراءات وقائية متشددة في مجال التسليف، بالترافق مع توجه لإعادة هيكلة المحفظة الائتمانية وإعادة تصنيف المتمولين تبعا للقطاعات الأكثر تضررا، وذلك ترقبا لتلقي طلبات بتأجيل سداد سندات وإعادة توزيع آجالها ربطا بالتغير الطارئ على التدفقات النقدية، وتوقعا لتعثرات مؤقتة أو طويلة قد تلم بمؤسسات وأفراد، مما يفرض بالمحصلة حجز مؤونات ومخصصات كافية، وإمكانية البحث في تأجيل حجز الضمانة أو طلب تسييلها في الوقت الحاضر.

وتراقب المصارف بدقة حركة المؤسسات السياحية والتجارية وأحوال العاملين فيها بهدف مطابقتها على محفظتها الائتمانية. كما ترصد أداء محفظة شركة «كفالات» بوصفها الأكثر نشاطا في ضمان وتمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بما فيها الأكثر تضررا من تنامي الانكماش الاقتصادي. وثمة معطيات بأن الانعكاسات المباشرة لا تزال محدودة الحجم والقيمة نظرا للمرونة النسبية التي تتمتع بها هذه المؤسسات في إعادة تدوير أعمالها أو استيعاب تحولات مفاجئة في حركة الطلب.

ولم يتردد المصرفيون في مناسبات متعددة خلال عام 2012 الماضي من التحذير بحدوث الأسوأ في ظل انكماش دور الدولة والحكومة الذي لا يقل تأثيرا عن انكماش الاقتصاد وقطاعاته الحيوية. فالتذرع المتكرر بتأثر لبنان واقتصاده بمجريات الأحداث في المنطقة وتحديدا في سوريا لا يبرران بأي حال التراخي في الإقدام أو أقله المحاولة لتحقيق خطوتين أساسيتين: الأولى: مشاركة كل من يعنيهم الأمر بذل أي جهد مطلوب من شأنه تحييد الاقتصاد ما أمكن عن تفاقم الأوضاع الداخلية. والثانية: السعي الحثيث لدى دول مجلس التعاون الخليجي لتخفيف دعوتها مواطنيها بعدم القدوم إلى لبنان، خصوصا أن هذه الشريحة من السياح والزوار تساوي أكثر من 45 في المائة من حركة السياحة ونحو 65 في المائة من حركة الإنفاق السياحي. وقد سجلت التسليفات المصرفية إلى القطاع الخاص، الأداء الإيجابي الأفضل بين سائر المؤشرات المصرفية العام الماضي، فزادت بنحو 9 في المائة لتصل إلى نحو 44 مليار دولار. لكن هذا التقدم هو الأقل في الأعوام الخمسة الأخيرة، ففي العام الماضي زادت التسليفات بنسبة 12.7 في المائة، متراجعة عن نسبة 23.1 في المائة مسجلة في عام 2010، ونسبة 13.29 في المائة عام 2009، ونسبة 22.5 في المائة في عام 2008.