رئيس مركز معلومات الطاقة الأميركية: موقع السعودية في خارطة صادرات البترول لن يتراجع

آدم سيمينسكي لـ «الشرق الأوسط»: إن التعاون الأميركي - السعودي حافظ على استقرار أسواق الطاقة

آدم سيمينسكي رئيس مركز معلومات الطاقة الأميركية (تصوير: خالد المصري)
TT

أكد رئيس مركز معلومات الطاقة الأميركية أن هناك تنبؤات قريبة من الحقيقة، بأن تصبح أميركا مصدرا للغاز الطبيعي في بداية العقد المقبل، كما ستصبح في الوقت نفسه مصدرا للفحم، مشيرا إلى أن بلاده في اتجاهها نحو الاكتفاء الذاتي من الوقود. وقال آدم سيمينسكي رئيس مركز معلومات الطاقة الأميركية في حوار مع «الشرق الأوسط»: «في ظل هذا الواقع الجديد، فإن زادت أسعار النفط أو انخفضت، فإن ذلك ينعكس على أميركا كما ينعكس على بقية دول العالم؛ على اعتبار أن سعر النفط سعر عالمي، غير أنه يمكن أن يحدث فرقا في الاقتصاد الأميركي، بالنظر إلى الأمر من زاوية الميزان التجاري».

وأضاف: «إن أميركا سوف تظل مستوردا للنفط الخام من الآن وحتى 2014، ولكن في الوقت نفسه فإن الطلب الأميركي على النفط لن يتغير كثيرا».

وقال: «إنتاجنا سوف يصل إلى الذروة، ثم يبدأ في التناقص مع مرور الوقت. أما عند المقارنة بين الإنتاجين الأميركي والسعودي للنفط؛ فإن الإنتاج الأميركي سيستمر في البقاء أقل من الإنتاج السعودي الحالي».

ومن ناحية أخرى قال سيمينسكي: «إن موقع السعودية كمنتج مهم في العالم من ناحية الصادرات البترولية، لن يتغير أو يتراجع»، مبينا أن السعودية لديها احتياطي نفطي ضخم يلعب دورا ملموسا في استقرار الأسواق العالمية، مشيرا إلى أن أميركا لديها مصلحة في استمرار هذا الاستقرار.

ونوه بأن التعاون الأميركي - السعودي في هذا الصدد، أمر في غاية الأهمية بالنسبة لاستقرار أسواق الطاقة في العالم، مؤكدا أن هذا الأمر لن يتبدل نتيجة تغير هامش الإنتاج في هذه الدولة أو تلك.

وقال: «رأينا في الأعوام الأخيرة تأثيرا اقتصاديا عندما تراجع الاقتصاد وانخفضت الأسعار، وهذا تسبب في عبء على المنتجين. وعندما تعافى الاقتصاد فإن الأحداث الجيوسياسية قد خلقت عدم يقين بشأن الإنتاج، وقد رأينا أن الأسعار قد ارتفعت».

من ناحية أخرى أكد سيمينسكي أن معدل النمو في الطاقة المتجددة سيكون أكبر من النمو في أي وقود آخر، غير أنه من المؤكد أن يلعب البترول والغاز الطبيعي دورا مهما في الأعوام الثلاثين المقبلة. كما توقع أن ينخفض السعر الفوري للنفط الخام برنت من 112 دولارا عام 2012 إلى ما متوسطه 105 دولارات للبرميل عام 2013، و99 دولارا عام 2014، ومن المتوقع أن تنخفض أسعار وقود التجزئة إلى 3.87 دولار للغالون لعام 2013، ويتوقع أن يبلغ 3.78 دولار عام 2014. وهذا نص الحوار:

* كنتم قد أدليتم بمعلومات تشير إلى أن الولايات المتحدة سوف تكون دولة مصدرة للبترول بدلا من كونها دولة مستوردة كما هي الحال الآن.. هل يمكنكم تأكيد ذلك؟ ويا ترى ما سر هذا التوجه الأميركي الجديد؟

- حسنا، أستطيع أن أؤكد بناء على تحليل إدارة معلومات الطاقة الأميركية لدينا، الذي يقول إن الولايات المتحدة سوف تظل مستوردا للنفط الخام من الآن وحتى عام 2014، حسب تأكيدات مصدرنا، وثمة حقيقة لا بد منها، وهي أن لدينا طلبا على النفط لم يتغير كثيرا، ولدينا عرض سوف يأتي في بداية العقد المقبل، ولكنه سوف ينقص قليلا؛ لذا فإن الولايات المتحدة سوف تظل تستورد النفط الخام، كما أنها مصدر لمنتجات النفط، مثل البنزين والغازولين.

وأشير هنا إلى أن منظمة الطاقة العالمية كانت قد تنبأت بأننا سوف نكون مصدرين للغاز الطبيعي في بداية العقد المقبل، كما أننا سنكون مصدرين للفحم في الوقت نفسه؛ لذا أعود فأقول إن الولايات المتحدة متجهة نحو الاكتفاء الذاتي من الوقود، ولكن كما أشار المصدر الذي بين أيدينا، فإن الولايات المتحدة سوف تظل مستوردا كبيرا للنفط في الثلاثين عاما المقبلة.

* ما توقعاتكم لحجم الإنتاج الأميركي في الأعوام العشرة المقبلة؟ وبرأيك هل سيكون منافسا لحجم الإنتاج السعودي؟

- لدينا إنتاج من النفط الخام يتصاعد من 6.4 مليون برميل يوميا عام 2012 ليصل إلى 8 ملايين برميل يوميا عام 2014، والتوقعات طويلة الأمد تشير إلى أن إنتاجنا سوف يصل إلى الذروة، ثم يبدأ في التناقص مع مرور الوقت، أما عند المقارنة بين الإنتاجين الأميركي والسعودي، فلدينا ما يؤكد أن الإنتاج الحالي للسعودية، وكما تقدره وكالة الطاقة الدولية ومنظمات أخرى موثوق منها، أنه يبلغ نحو 8 ملايين برميل يوميا من النفط الخام؛ لذا فإن إنتاج الولايات المتحدة، كما نقدره، سوف يستمر في البقاء أقل من إنتاج السعودية الحالي؛ لأن المعلومات تشير إلى أن الإنتاج النفطي السعودي سوف يرتفع إلى معدل 12 مليون برميل يوميا، منه 83.3 في المائة عبارة عن نفط خام، بينما 8.3 في المائة فقط عبارة عن غاز طبيعي مسيل، ولكن مع كل ذلك، فإنه من الصعوبة بمكان تحديد تاريخ لأميركا لكي تصبح المنتج الأول عالميا؛ لأن معبر مسارات المستقبل في الإنتاجين الأميركي والسعودي تعتمد في الأساس على مدى تطبيق كل منها اتفاقية المحاسبة، ولكن إلى ذلك الحين سوف تلعب السعودية دورا فريدا وحيويا في أسواق النفط العالمية.

وأعود فأقول إن السعودية عضو بارز في منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك»، وما زالت تلعب دورها لتصبح أكبر منتج للنفط، طالما أنها تزيد طاقتها الإنتاجية الفائضة، غير أن زيادة الإنتاج الأميركي تمثل بالتأكيد علامة فارقة في عالم إنتاج النفط.

* ما انعكاسات هذا الإنتاج الأميركي الجديد على علاقات أميركا الدولية بشكل عام، وعلى السعودية بشكل خاص؟ بمعنى آخر: هل يمكن لهذا التوجه الجديد أن يرسم خارطة جديدة للسياسات الخارجية بما يمكن تسميته «التطورات الجديدة»؟

- لا بد من الإشارة، في هذا المقام، إلى أن إدارة معلومات الطاقة الأميركية قد كتبت حول ذلك، وقد نشر تقريرها على موقعنا «الطاقة اليوم» هذا الأسبوع، ولكن على الرغم مما قيل، وبغض النظر عن التخمينات، فإنه سواء تساوى إنتاج الولايات المتحدة للنفط مع نظيره من الإنتاج السعودي أو تخطاه، ومهما اختلفت التوقعات، فإنني أؤكد أن موقع السعودية كمنتج مهم في العالم من ناحية الصادرات البترولية لن يتغير أو يتراجع؛ إذ إن السعودية من الدول القليلة في العالم التي لديها احتياطي إنتاج نفطي ضخم، وبالتالي فإن هذا الدور مهم جدا في استقرار الأسواق العالمية، وهو دور نعتقد أنه سوف يستمر، وبصورة عامة، فإن الولايات المتحدة لديها مصلحة في استمرارية استقرار أسواق النفط العالمية؛ حيث إن الأسواق العالمية ترى أن هناك مصلحة متشابهة للولايات المتحدة والسعودية؛ لذا، لا أعتقد أنه لن يكون هناك فارق كبير إذا بلغ إنتاج الولايات المتحدة 6.5 مليون برميل يوميا الآن، أو 8 أو 9 ملايين برميل.

وثمة حقيقة هنا لا بد من التنبه لها، وهي أن التعاون بين المصدرين الأساسيين والمستهلكين الأساسيين الأميركي والسعودي، أمر في غاية الأهمية بالنسبة لاستقرار أسواق الطاقة في العالم، وهذا الأمر لن يتبدل نتيجة تغير هامش الإنتاج في هذه الدولة أو تلك.

* كانت سياسة الولايات المتحدة في السابق تقوم على اعتماد المخزون الاستراتيجي من النفط، وهي سياسة مثيرة للاهتمام، غير أنها أخذت تتغير في ضوء التطورات الجديدة واتجاه الولايات المتحدة نحو التصدير.. وهذا التوجه يبرز أكثر من علامة استفهام.. ليتك تفك لنا طلاسم هذه الاستفهامات؟

- لا بد من التأكيد على أن الولايات المتحدة تصدر المنتجات النفطية مثل الديزل، وعلى سبيل المثال هناك تصدير للنفط الخام الأميركي إلى كندا. والإجابة عن السؤال: هل تصدر الولايات المتحدة جزءا من إنتاجها الخام الخفيف الذي ينتج الآن بغزارة من ولايتي نورث داكوتا وتكساس؟ أعتقد أنه سوف يظل لدى متخذي القرار خلال العامين المقبلين الإجابة عن هذا السؤال، ولكن ثمة احتمال لأن تصبح الولايات المتحدة، كدولة مصدرة للبترول، لم يرد في توقعات وكالة الطاقة الدولية في التقرير المشار إليه. ولكي يتغير هذا الرأي فإن الولايات المتحدة تحتاج، إما إلى نقص في الطلب أو زيادة في الإنتاج من النفط الخام، والغاز الطبيعي المسال، والوقود الحيوي.

* برأيك إلى أي حد تؤثر هذه التطورات في إنتاج الولايات المتحدة من النفط على أسعار النفط ومشتقاته ومنتجاته عالميا؟

- هذا سؤال جيد. دعنا ننظر إليه من زاوية أن الولايات المتحدة أصبحت مصدرة للنفط، فكما هو معروف أن سعر النفط سعر عالمي، وإذا زادت الأسعار أو انخفضت، فإن ذلك سوف ينعكس على الولايات المتحدة كما ينعكس على بقية دول العالم؛ لذا فإذا نظرنا إلى الأمر من ناحية الأسعار فسنجد أن وضع الولايات المتحدة كمصدرة أو مستوردة لن يحدث فرقا كبيرا، ولكن ربما يمكن أن يحدث فرقا في اقتصاد الولايات المتحدة إذا نظرنا للأمر من زاوية الميزان التجاري؛ لأنه كلما زاد الإنتاج المحلي الأميركي، فإن ما تدفعه الولايات المتحدة للمنتجين الخارجيين سوف يقل، وهو ما سيحسن ميزاننا التجاري الخارجي.

وإذا أخذنا في الاعتبار أن أكبر مصدري النفط للولايات المتحدة في الوقت الحالي هي كندا، المكسيك، السعودية، وفنزويلا، فإننا نجد أن السعودية ليست الدولة الوحيدة المهتمة باتجاهات الإنتاج والتصدير في الولايات المتحدة، ولكن يشاركها في ذلك المكسيك، كندا، فنزويلا، ودول أخرى تصدر للولايات المتحدة، وسوف تكون مهتمة بالأمور نفسها التي سالت عنها.

عموما إن نمو الإنتاج الأميركي يعد أحد أهم العناصر والمفاتيح الرئيسية التي تجعلها تملك قرارها في التوقيت المناسب لها، الذي يمكنها من الوصول إلى أعلى قمة في الإنتاج، ما من شأنه أن يحدث لها علامة فارقة؛ لأنه من المتوقع في القريب العاجل أن تحاول سائر دول منظمة «أوبك» والمنتجين من الدول التي هي خارج هذه المنظمة، أن تعمل على نحو فعال، وفي هذه الأثناء يمكن لمستويات الإنتاج السعودي أن تزيد بشكل كبير وتؤثر في حركة الاستجابة للتقلبات الاقتصادية، التي تؤثر هي الأخرى في الطلب العالمي للنفط، وهنا يمكن أن تعد أميركا من المؤثرين بالتالي في الطاقة الإنتاجية للدول التي تقع داخل مظلة «أوبك»، ما عدا السعودية. غير أن السعودية تعمل بوصفها أكبر منتج بديل في العالم لخلق التوازن في السوق العالمية، استجابة لمتغيرات العرض والطلب.

وطبعا فإن زيادة الطاقة الإنتاجية لم تكن قادرة على مواكبة زيادة الإنتاج، وبالتالي فإن القيود المفروضة على قدرات خطوط الأنابيب أدت إلى اختلافات إقليمية في أسعار النفط الخام، بما في ذلك ولايات أميركا نفسها.

* هل ستفرض هذه التطورات رؤية جديدة في تعاطي الولايات المتحدة تجاه منظمة «أوبك» في مجال التشريعات والسياسات وما إلى ذلك؟

- (ضاحكا).. لقد سرت نكتة حول احتمال دخول الولايات المتحدة منظمة «أوبك»، ولكن كما قلت لكم فإن تقرير منظمة الطاقة العالمية الذي أشرت إليه، لم يرجح مثل هذه النتيجة. وأعتقد أن الأوبك، ومنظمة الطاقة العالمية، والسعودية والولايات المتحدة، قد أظهروا خلال الأعوام الماضية أن مصلحتهم في استقرار أسعار أسواق النفط. وهذا لا يعني بطبيعة الحال أن الأسواق كانت دوما مستقرة، ولكن صناع القرار في عدد من المنظمات الدولية يرون أن استقرار الأسعار مهم جدا للتنمية المستمرة للموارد، وأسعار النفط الحيوية هي تلك التي لا تكون عبئا على المستهلك.

ويبدو لي أننا قد رأينا في الأعوام الأخيرة تأثيرا اقتصاديا عندما تراجع الاقتصاد وانخفضت الأسعار، وهذا تسبب في عبء على المنتجين. وعندما تعافى الاقتصاد، خلقت الأحداث الجيوسياسية عدم يقين بشأن الإنتاج، وقد رأينا أن الأسعار قد ارتفعت.

عموما أعتقد أن الشركات والحكومات قد بذلت جهدا كبيرا في ألا تسبب أسعار المنتجات الزراعية والغاز الطبيعي مشكلات للمنتجين والمستهلكين. وهذا الأمر سوف يشغل بال صناع القرار لوقت طويل. وبطبيعة الحال، فإن السوق تلعب دورا مهما في التعامل مع مثل هذه الأمور، وكذلك السياسات الحكومية، وأعتقد أنه من وقت إلى آخر يتاح لهما معا دور مهم ليلعباه.

* دعنا نكن أكثر وضوحا ونقل إن بروز الاهتمام العالمي بالطاقة المتجددة الذي سوف يسد ثغرة الحاجة لمن لا يقوى على امتلاك الطاقة التقليدية، ومن بينها النفط، كأنما غير مفهوم أهمية المخزون النفطي الاستراتيجي وأصبح بالتالي بلا جدوى.. ما تعليقك؟

- بلا شك.. الطاقة المتجددة منتج عصري مهم جدا، ولكن أعني أن لدينا بترولا، وغازا طبيعيا، وفحما، وطاقة نووية، والآن الاستعمال المتزايد للطاقة المتجددة التي تتضمن الطاقة الكهرومائية، والطاقة الشمسية، والطاقة الحيوية، وطاقة الرياح... إلخ، فالطاقة المتجددة تظل صنوا للطاقة النفطية، يكمل بعضهما بعضا.

وأعتقد أن هذا الوضع الجديد في عالم اليوم يؤكد ما ذهب إليه أحد أشهر المقاطع لونستون تشرشل، وهي أن تنوع مصادر كل من العرض والطلب مهم جدا للحكومات، وأنا بدوري أؤكد أن هذا الوضع يظل دوما صحيحا، وبالتالي سوف تظل الطاقة الحيوية تلعب دورا مهما، وأغلب التوقعات طويلة الأمد، وتتضمن توقعات وكالة الطاقة الدولية، وشركات مثل «أوكسن موبيل»، و«بي بي بي»، و«شل»، وغيرها؛ حيث ترى أن معدل النمو في الطاقة المتجددة سوف يكون أكبر من النمو في أي وقود آخر، ولكن توقعاتهم أيضا أظهرت أمورا أخرى، وهي أن البترول والغاز الطبيعي سوف يلعبان دورا مهما في الأعوام الثلاثين المقبلة؛ ولذلك فإن رئيس الولايات المتحدة الأميركية كان قد قال: «ما نحتاجه هو استراتيجية شاملة، وإننا لا نستطيع أن نختار شكلا واحدا من أشكال الطاقة، يجب أن تكون لدينا كل الأنواع، والطاقة المتجددة سوف تلعب دورها المهم».