مصر: اقتصاديون ينتقدون أداء المؤسسات الحكومية في تعاملها مع الاضطرابات

وسط مبيعات مكثفة في البورصة

الأحداث الجارية والاضطرابات في مصر أثرت على أداء البورصة («الشرق الأوسط»)
TT

يرى مراقبون اقتصاديون أن الاضطرابات التي تحدث في مصر قد تؤخر الاستقرار اللازم لعودة النشاط الاقتصادي، وانتقدوا بشدة أداء مؤسسة الرئاسة في استجابتها وتعاملها مع الأحداث، واصفين ما يحدث الآن بأنه «الأسوأ على المصريين» اقتصاديا وسياسيا.

وقال أمين عام اتحاد المستثمرين العرب الدكتور جمال بيومي إن استجابة مؤسسة الرئاسة والحكومة للأحداث متأخر، ويزيد من اشتعال الموقف. ودعا الرئيس محمد مرسي إلى حوار وطني مع القوى السياسية، إلا أن جبهة الإنقاذ التي تتكون من معارضين بارزين لسياسات الرئيس مرسي رفضت الحوار، وهو ما يرى بيومي أنه قد يؤدي إلى سوء الأوضاع.

وفي ظل تلك التخوفات قال خبراء إن جهود الحكومة لإنعاش اقتصاد البلاد المتردي لن تؤتي ثمارا، وستحتاج البلاد إلى فترات طويلة لتحقيق التوافق السياسي أولا، وبعدها يأتي البحث عن دعم اقتصاد البلاد، وأكدوا أن ما يجري في البلاد حاليا، يجعل أي مستثمر يخشى أن يضع أمواله في أي مشروع جديد.

وتضررت بشدة مدن القناة خلال الأيام الماضية بسبب اشتعال أحداث العنف بها، ما أدى إلى فرض حالة الطوارئ وهو ما تظاهر المئات في تلك المدن رفضا له. هذا المشهد المتأزم جعل الكثير من المصانع والمؤسسات الاقتصادية في وقف أعمالها في المحافظات الثلاث لحين استقرار الأوضاع.

وقال مصدر مسؤول بالبنك الأهلي المصري الذي يعد أكبر البنوك المصرية، إن البنك أغلق كل فروعه في مدينة بورسعيد التي تعد أكثر مدن القناة اضطرابا، وأكد أنه لا يوجد وقت محدد لعودة العمل مرة أخرى بها. كما أعلنت عدة شركات بالمحافظة التي يوجد على أرضها الكثير من المصانع خاصة تلك التي توجه إنتاجها للخارج، أن أعمالها متوقفة تماما بسبب الأحداث الجارية، أما باقي مدن القناة فالمؤسسات المالية والاقتصادية بها تعمل بحذر وسط تشديدات أمنية كبيرة عليها.

وفي ظل الأجواء المضطربة أمنيا وسياسيا، أكد مسؤولون حكوميون أن ما يحدث حاليا ما هو إلا «ظاهرة مؤقتة»، تمر بها الدول عادة في أوقات التحول الديمقراطي، وأشاروا إن مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي يدرك ذلك، خاصة أنه لا يزال يؤكد على استمرار دعمه لمصر.

وقال مسؤول حكومي في تصريحات خاصة إن هناك التزاما دوليا لمساعدة مصر اقتصاديا، مؤكدا أن تلك الاضطرابات في البلاد لن تؤثر على هذا الالتزام، وأضاف المتحدث باسم وزارة الصناعة والتجارة الخارجية المصرية الدكتور إبراهيم نوار إن بلاده مرت بظروف أسوأ مما يحدث حاليا، ولكنها تظل حتى الآن منطقة جذب، وتابع: «لم نرصد مثلا سعي مستثمر للخروج من البلاد، ولم تتأثر أي مشاريع قائمة، فكل المؤشرات في هذا المجال إيجابية، فهناك محادثات مستمرة مع المستثمرين على الرغم من التوتر الأمني في البلاد، ولم يسحب المستثمرون طلبات تقدموا بها للاستثمار في البلاد».

ويرى أن ما تمر بها البلاد ظاهرة مؤقتة، ولا يزال المستثمرون يرون أن السوق المصرية جاذبة، وهناك مستثمرون أجانب يبنون مصانعهم في مصر ولم يغيروا وجهة نظرهم من جراء الأحداث، فشركة «سامسونغ» مثلا تشيد مصنعها، وهناك مستثمرون أتراك وإيطاليون يقومون بتوسيع مصانعهم خلال الفترة الحالية.

وأشار إلى أن انعكاس تلك الأحداث سيتم معرفة تأثيره على المستثمرين سواء الأجانب أو المحليين بشكل أكبر، عند بدء تلقي طلبات للاستثمار في 1692 مشروعا صناعيا جديدا في 10 مناطق صناعية والذي من المقرر أن يبدأ في فبراير (شباط) المقبل.

وتابع: على الرغم من الاضطرابات في منطقة بورسعيد التي تعد من أهم المدن الصناعية والتجارية، فإن هذا لم يثن شركات كثيرة أجنبية منها إيطالية وهولندية من تجديد رغبتها في المشاركة في توسعة ميناء شرق بورسعيد. وعلى صعيد آخر، تراجعت البورصة المصرية أمس تأثرا بتلك الأحداث بعد أن بدت متماسكة يوم أول من أمس، وفقدت نحو أربعة مليارات جنيه بعد مبيعات مكثفة من قبل المستثمرين الأجانب.

إلى ذلك قال وزير السياحة المصري هشام زعزوع في تصريحات خاصة إن الأحداث الجارية أثرت بالطبع على السياحة في مصر، فهناك بعض الأفواج ألغت الحجوزات الحالية، كما ستؤثر أيضا على الحجوزات المستقبلية خاصة أن الأشهر الحالية تلقى إقبالا من قبل الأجانب على شواطئ البحر الأحمر، وأضاف: «سنعرف مدى تأثير الأحداث بشكل كامل على القطاع خلال الأيام المقبلة».

وأوضح زعزوع أن ما يحدث من إلغاءات للأفواج السياحية المقبلة إلى مصر متوقع خاصة أن هذا القطاع حساس بشدة تجاه أحداث الاضطرابات، نتيجة تخوف السائحين من القدوم إلى البلاد في ظل هذه الاضطرابات، على الرغم من بعد المناطق السياحية عن أعمال العنف.

ورفض زعزوع الإعلان عن مؤشرات القطاع خلال العام الماضي، وقال: «سنعلنها بشكل رسمي في وقت لاحق». وكان من المقرر عقد مؤتمر الأحد الماضي لإعلان مؤشرات عام 2012 إلا أن الأحداث تلك أجلت انعقاده. وتشير تقديرات أعلنها مسؤولون إلى أن قطاع السياحة المصري سجل نموا بنسبة 17% في عدد السائحين عام 2012 وزيادة 13% في الإيرادات، وهذا يعني أن القطاع لم يصل إلى المعدلات التي حققها قبل الثورة. ففي عام 2010 بلغ عدد السائحين الوافدين إلى مصر نحو 14.5 مليون سائح وبلغ إجمالي إيرادات القطاع نحو 12.5 مليار دولار.

وتعتبر السياحة المصرية أحد المصادر الرئيسية للعملة الأجنبية في البلاد التي تعاني من نقص في العملات الصعبة نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية، وهو ما أدى لارتفاع أسعار الدولار أمام الجنيه خلال الفترة الماضية بشكل متواصل لكنه شهد ثباتا أمس ليصل الدولار إلى 6.62 جنيه.

وقال عاملون في شركات صرافة إن الطلب على الدولار ثابت، وإن أغلب الشركات الآن تستطيع توفير العملة الصعبة، مشيرين إلى أن الارتفاع الذي تشهده العملة الصعبة في البلاد سببه العطاءات الدولارية الذي يقوم بها البنك المركزي ويعرض العملة الصعبة للبيع إلى البنوك من خلالها.