فتح أكبر بنك في دبي حسابات باليوان قد يعبد الطريق أمام العملة الصينية في الخليج

«الإمارات دبي الوطني» ينضم إلى مجموعة صغيرة من البنوك في المنطقة

هل سيتجاوز اليوان الصيني الدولار الأميركي ليصبح عملة الاحتياط الرئيسية في العالم مع توقعات بتجاوز الصين أميركا لتصبح أكبر اقتصاد في العالم («الشرق الأوسط»)
TT

قام بنك الإمارات دبي الوطني بفتح حسابات باليوان الصيني، في إشارة إلى تسارع نمو التعاملات والاستثمارات بين الصين ومنطقة الخليج.

وقال البنك إن هذه الحسابات ستساعد الشركات الأصغر حجما، التي لها وحدات في الصين، على التعامل مع الإمارات وخفض مخاطر العملة، مشيرة إلى أن المستثمرين في أصول مقومة باليوان يمكنهم كذلك استخدام الحسابات.

وانضم الإمارات دبي الوطني إلى مجموعة صغيرة من البنوك، منها: «إتش إس بي سي»، وبنك المشرق؛ في فتح حسابات باليوان في دبي، المركز الرئيسي للتعاملات التجارية للصين مع منطقة الخليج.

ووفق «رويترز» قال نورمان تشان، الرئيس التنفيذي لمؤسسة النقد في هونغ كونغ، لوكالة أنباء شينخوا الصينية الشهر الماضي: «إن التبادل التجاري السنوي بين الإمارات والصين تضاعف 15 مرة إلى 37 مليار دولار في الفترة من 2000 إلى 2011».

هذا وتجري أغلب المعاملات بالدولار، فيما يرجع جزئيا إلى أن تجارة النفط العالمية يجري تسويتها بالعملة الأميركية، حيث يشكل الخليج المصدر الرئيسي للنفط للصين.

ولفتت الوكالة إلى أن إعلان الإمارات دبي الوطني يشير إلى أن استخدام اليوان بدأ يتجاوز الشركات الكبيرة إلى الأصغر حجما. فيما يزور تشان دبي للترويج لهونغ كونغ كمركز أعمال، حيث قدر أن نحو 4% من التعاملات بين الإمارات والصين تجري حاليا باليوان، غير أنه توقع أن تزيد النسبة لتتجاوز 10% خلال الأعوام المقبلة.

وقد أكد خبراء اقتصاديون أن الصين في اتجاهها لأن تحتل المركز الأول من حيث التجارة الخارجية، فضلا عن اتخاذها بعض التدابير والإجراءات الاقتصادية التي تمكنها من تقوية عملتها لأن تصبح البديل الأقوى لعملة الدولار الأميركي، متخذة من التركيز على الطلب الداخلي إحدى قنوات الوصول إلى مركزية العملة العالمية للتحلق حولها.

ويعتقد الخبراء أن هذا القراءة المستقبلية لوضع الصين الاقتصادي والتجاري والتنموي بجانب التوقعات بزيادة عملتها اليوان الصيني؛ حفزت بعض البلاد الخليجية للانفتاح على عملتها وفتح حسابات بها في بنوكها، في إشارة لاتجاه بنك الإمارات وبنك دبي الوطني نحو ذلك.

من جهته، قال طلعت حافظ، الأمين العام للجنة التوعوية البنكية لدى البنوك السعودية، لـ«الشرق الأوسط»: «ليس هناك مانع من أن تقوم البنوك السعودية بفتح حسابات لعملائها وبالذات لدى التجار بعملات متنوعة، سواء كان ذلك على مستوى الحسابات المصرفية أو على مستوى فتح الاعتمادات المستندية المتعلقة بالاستيراد من الخارج بعملات متنوعة، عند تسوية أو دفع قيمة البضائع المستوردة».

وأضاف أن النظام يجيز هذا الاتجاه، تسهيلا لتعاملات التجار الخارجية، مبينا أن هناك تركيزا على عملات معينة دون غيرها، وبالذات العملات الأكثر نشاطا في التجارة الخارجية على مستوى العالم.

وزاد حافظ: «لا يخفى على أحد أن الدولار الأميركي يستحوذ على حصة كبرى من هذه الحسابات والتعاملات، وأيضا الحال عند عملات اليورو والين الياباني واليوان الصيني، وغيرها من العملات الرئيسة، التي تستحوذ على قيمة معظم التبادلات المالية والتجارية والاستثمارية على مستوى العالم».

لكن، والحديث لحافظ، تبقى عملة الموطن الأصل، بالتحديد في السعودية، هي الريال السعودي على مستوى التداول النقدي بين الأفراد والبنوك السعودية، إذ إنه بطبيعة الحال لا تتعامل بغير الريال السعودي، ذلك لأنها تمثل عملة التداول النقدي في النظام النقدي السعودي.

واستدرك أنه قد تلجأ البنوك لتوفير عملات أخرى وبالذات الدولار الأميركي لعملائها بكميات محدودة بغرض السفر للخارج مثلا، مبينا أن هذه العملات عادة ما توفرها البنوك من خلال منافذ البيع المتواجدة في أفرع مطارات السعودية المختلفة، وبعضها توفرها أجهزة الصراف الآلي وليس جميعها بما فيها عملة الدولار الأميركي ولنفس السبب.

أما فيما يتعلق برأيه في تشديد الجمارك السعودية ومنعها للتجار تحويل العملة السعودية إلى عملات صينية للدخول بها إلى الصين، أكد حافظ أن الجمارك السعودية أوجبت الإفصاح عن أي منقولات نقدية وما في حكمها، خاصة إذا تجاوزت قيمتها ما يعادل 60 ألف ريال.

ووفق حافظ، فإنه في مثل هذه الحالات أوجبت الجمارك الإفصاح عن أي مبالغ تتجاوز هذه القيمة، سواء عند المغادرة بالموانئ الجوية السعودية أو الدخول إليها.

ولفت إلى أن هذا إجراء ليس بالمستغرب أو المستهجن، كونه يطبق في عدد كبير من دول العالم وبالذات الدول الصناعية ومنها أميركا، حيث تطلب الجمارك الأميركية الإفصاح عن أي مبالغ تتجاوز حدود 10 آلاف دولار أميركي أو أكثر، مطالبة بالإفصاح عنها لدى الدخول إلى أحد الموانئ الجوية هناك وبالعكس أيضا.

أما الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الحليم محيسن، فقد اعتبر في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن سعي دبي لأن تفتح بنوكها حسابات بالعملة الصينية اليوان، يصب في اتجاه سعيها نحو المزيد من الانفتاح على العالم كمركز مالي واقتصادي مهم.

وقال: «ومن هذا المنطلق تهيئ دبي نفسها لتكون إحدى أهم مناطق العالم التي تتعامل مع العملة الصينية»، مبينا أن لديها ما يبرر لها اتخاذ هذا التوجه، منها أن الصين تعتبر ثاني اقتصاد في العالم بعد أميركا، مشيرا إلى أنها على وشك أن تحتل المركز الأول عالميا من حيث التجارة الخارجية وذلك خلال الـ25 عاما المقبلة.

وأضاف أن دبي تعلم أن الصين تسعى لتحتل موقعا مرموقا يمكنها من أن تكون الأولى على مستوى العالم اقتصاديا وتجاريا وصناعيا رغم التحديات والضغوط التي تواجهها من قبل أميركا وأعوانها.

ووفق محيسن، فإنه من التحديات التي تواجه الصين كيفية المحافظة على نسبة النمو الكبيرة التي حصلت عليها في الـ10 أعوام المقبلة والتي تراوحت بين 9 و10%.

وأوضح أن هناك توقعات بأن تستمر الصين في النمو ولكن بنسبة أقل مما كانت عليه بسبب هذه التحديات، مبينا أنه من المحتمل أن تراوح نسبة النمو بين 7 و8%.

ولفت محيسن إلى أن للصين توجها قويا لزيادة الاستهلاك الداخلي ليكون قاطرة النمو خلال الفترة المقبلة، بدلا من الاتجاه نحو التصدير، وذلك كنوع من السياسات الاقتصادية الصينية الهادفة؛ لمحاصرة أي مخاطر مفاجئة تواجهها مستقبلا، كأن مثلا يصبح الاقتصاد الصيني أقل تذبذبا في النمو، في حين أن العالم مقبل على ركود اقتصادي.

ويعتقد المحيسن أن التحدي الأكبر الذي يواجه الصين حاليا هو كيف لها أن تجعل من الطلب الداخلي المحرك الأساسي للنمو خلال الفترة المقبلة؟

ونوه إلى أن دبي تقرأ واقع ومستقبل الصين وعملتها كمركز يستشرف هذا الوضع وكقبلة عالمية وكمركز اقتصادي عالمي يحاول الحفاظ على زخمه الاقتصادي الذي حققه خلال الفترة الماضية، وعليه توقع محيسن أن تزيد قوة العملة الصينية اليوان وتعوض من خلالها الضغوط التي مورست عليها من قبل أميركا، وذلك برفع قيمة الصرف؛ لأنها تعتقد أن الصين تتبع سياسة متعمدة لتخفيض سعر الصرف حتى تزيد جاذبية تنافسية صادراتها.

من جهته، قال بدر محمد إبراهيم، رئيس شركة «المنطقة الحرة السعودية»، إن فتح حسابات باليوان الصيني في البنوك الخليجية يحقق فائدة على المدى الطويل، في حين أشار إلى أن الفائدة في التعلامات قصيرة الأجل لا تتحقق بشكل إيجابي ما لم يكن هناك امتداد للبنك في الصين.

وأضاف: «أسعار تغير العملة ستطول التاجر، سواء أودع المبلغ في الحساب باليوان الصيني أو أجرى عملية تحويل بالمبلغ النقدي من الدولار أو الريال أو الدرهم»، مشيرا إلى أن العملة الصينية تعيش حالة كحال الدولار أو الجنيه الإسترليني أو اليورو في تغيرات سعر الصرف، وبالتالي فإن أفضل فائدة تكمن في عملية فتح حساب باليوان الصيني بالودائع، وهو الاستفادة من المتغيرات التي تواجه العملة الصينية.

وأكد رئيس شركة المنطقة الحرة، وهي التي تصنف من الشركات المتوسطة وتستورد عددا من المنتجات الاستهلاكية، أن في بعض المواسم يكون الريال السعودي مطلوبا بشكل كبير في الصين، خاصة في الفترات التي تسبق الحج، وذلك في المدن التي تقطنها جاليات إسلامية، مؤكدا أن التاجر يواجه عملية تغير العملة، إضافة إلى تكلفة التحويل إلى التاجر أو الشركة الصينية، وهو الأمر الذي يضع تكلفة إضافية على الشركة.

وزاد: «هناك عدد من البنوك السعودية تتعامل في فتح الحسابات بمختلف العملات، ومن ضمنها اليوان الصيني»، وذلك بهدف منح حرية التعامل مع رجال الأعمال المتعاملين في تجارتهم مع عدد من الدول.