زعماء الاتحاد الأوروبي يوافقون على خفض قيمة الموازنة 3%

بعد الكثير من الشد والجذب.. وسط ترحيب بريطاني وألماني وفرنسي

رئيس المجلس الأوروبي هيرمان فان رومبوي ورئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو خلال المؤتمر الصحافي الذي عقد في المركز الرئيسي للاتحاد الأوروبي (أ.ف.ب)
TT

أقر قادة أوروبا موازنة 2014ـــ2020، لتستقر الكرة الآن في ملعب البرلمان الأوروبي، وعليه أن يختار بين إقرار هذه الميزانية أو المواجهة مع المجلس الأوروبي وحكومات الدول الأعضاء بعد أن أقروا خفضا عاما في الموازنة قدره 3%. وفي ختام القمة، كان رئيس المجلس الأوروبي هيرمان فان رومبوي واضحا عندما قال: «إنها ساعة الحقيقة والمسؤولية، القادة الأوروبيون تحملوا مسؤولياتهم، وكما نحن تحملنا المسؤولية على البرلمان الأوروبي أن يتحمل مسؤولياته أيضا».

ولكن رد الفعل من جانب قادة الكتل الحزبية في البرلمان الأوروبي، شكل من وجهة نظر الكثير من المراقبين إعلانا عن بوادر مواجهة محتملة بين المؤسسات الاتحادية والدول الأعضاء، وخاصة بعد أن اختارت المفوضية الأوروبية - وهي الجهاز التنفيذي للاتحاد -الانحياز إلى موقف البرلمان الأوروبي في توجيه انتقادات للموازنة التي اعتمدها القادة في قمة بروكسل.

وأصدر قادة أكبر أربع مجموعات سياسية في البرلمان الأوروبي (حزب الشعب الأوروبي المحافظ والاشتراكيون والليبراليون والخضر) بيانا مشتركا قالوا فيه: «إن البرلمان الأوروبي لا يمكن أن يقبل صفقة القمة بوضعها الحالي»، معربين عن أسفهم «لعدم مناقشة فان رومبوي الأمر معهم في الأشهر الأخيرة»، وقال رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز: «لا بد من الاعتراف بصعوبة الحصول على أغلبية في البرلمان على قبول تلك التسوية التي تستند إلى الحد الأدنى».

ومن جانبها، أعربت المفوضية الأوروبية عن خيبة أملها إزاء الموازنة الجديدة «المخفضة» التي وافق عليها قادة الاتحاد الأوروبي. وقال رئيس المفوضية خوسيه مانويل باروسو في مؤتمر صحافي عقب القمة: «إن المستويات التي جرى الاتفاق عليها من قبل رؤساء دول وحكومات الاتحاد تعد أقل مما أرادته المفوضية للتصدي لتحديات تعزيز النمو وخلق فرص عمل في جميع أنحاء الاتحاد في السنوات المقبلة».

وأضاف أن «المفاوضات كانت على قدر من الصعوبة، وينبغي أن يعترف أي تقييم عادل بأن الصفقة التي جرى الاتفاق عليها ليست مثالية، لكنها تقدم أساسا للمفاوضات مع البرلمان الأوروبي.. وآمل أن تكون هذه المفاوضات ناجحة».

من جانبه، أصدر مفوض شؤون الميزانية في الاتحاد الأوروبي، يانوش يفاندوفسكي، بيانا قال فيه: «أشعر بخيبة أمل من وضع المجلس الأوروبي تلك الموازنة المخفضة للاتحاد الأوروبي». وأضاف: «إن وجود اتفاق بين الدول الأعضاء، أفضل من لا شيء لجميع أولئك الذين يعتمدون في جميع أنحاء أوروبا على أموال الاتحاد الأوروبي»، مؤكدا أن «التخفيضات ستكون قاسية على هؤلاء المستفيدين».

ومن وجهة نظر الكثير من المراقبين في بروكسل، أجمع قادة الاتحاد على إقرار ميزانية انخفضت أرقامها نسبة للميزانيات السابقة. تسعمائة وستون مليار يورو يمكن للاتحاد الأوروبي أن يتعهد باستخدام تسعمائة وثمانية مليار يورو منها.

وقال غي فرهوفشتاد، رئيس مجموعة الليبراليين في البرلمان الأوروبي: «إن دول الاتحاد ستكون عجزا في المدفوعات الأوروبية يبلغ اثنين وخمسين مليار يورو، وهكذا بتجنبها العجز الداخلي لكل منها ابتكرت عجزا على المستوى الأوروبي. وكما الميزانيات السابقة، يوزع ثلثا الميزانية على السياسة الزراعية المشتركة والتضامن الاجتماعي، بينما تخفض كمية الأموال المكرسة للهيئات الإدارية الاتحادية وتلك المخصصة لأعمال البنى التحتية والطاقة والمواصلات على أنواعها».

وتكرس الميزانية الاتحادية الأوروبية ستة مليارات يورو لمكافحة البطالة وتشجيع التأهيل المهني والعلمي لدى فئات الشباب.

ويقول المحللون في بروكسل إنه اتفاق أوروبي بالحد الأقصى الممكن على موازنة اتحادية، ماليتها إلى انخفاض، كان لبريطانيا في إقرارها أثر واضح، إذ فرضت الدول التي طالبت باقتطاعات صارمة في النفقات مثل بريطانيا، وجهات نظرها على المدافعين عن إطار أكثر طموحا مثل فرنسا.

بعد القمة، قال رئيس الوزراء البريطاني: «إن الشعوب الأوروبية تدرك أن المشكلة الأساسية تكمن في ارتفاع الاعتمادات التي تتزايد باستمرار، وهنالك بلدان ترغب في زيادة الاعتمادات، وبلدان تقول كفى وآن الأوان لكي تبدأ القروض بالانخفاض».

وبنتيجة المفاوضات ورغم التقشف العام المطلوب، لم تطرح أي تعديلات على السياستين الأساسيتين في الاتحاد الأوروبي أي السياسة المناطقية والسياسة الزراعية المشتركة التي تعتبر فرنسا أكبر المستفيدين منها..

ووافق قادة الاتحاد الأوروبي الـ27 في بروكسل على موازنة الاتحاد الأوروبي طويلة الأجل للسنوات (2014 - 2020) بعد محادثات مطولة استمرت ساعات طويلة لتجنب أزمة رئيسية في أوروبا. وقال رئيس الاتحاد الأوروبي هيرمان فان رومبوي في مؤتمر صحافي: «لم تكن مهمة سهلة، فقد كان اللقاء واحدا من أطول الاجتماعات التي عقدت في ولايتي.. وقد أقرت موازنة معتدلة، فلا يمكننا تجاهل صعوبة الواقع الاقتصادي في جميع أنحاء أوروبا، لذلك كان لا بد من ميزانية أقل حجما». وأضاف أن قادة الاتحاد الأوروبي وافقوا على خفض 34 مليار يورو من كل من النفقات والمدفوعات (مقارنة بالفترة 2007 - 2013)، مما أدى إلى بلوغ سقف النفقات 960 مليار يورو والمدفوعات 908، واستبق رؤساء الكتل الحزبية في البرلمان الأوروبي اختتام أعمال القمة بإصدار بيانات تحذر من أي فشل قد يؤثر على معالجة أولويات العمل الأوروبي في المرحلة الحالية، وهي تحقيق النمو ومواجهة البطالة.

هانز سوبودان رئيس كتلة الاشتراكيين والديمقراطيين، قال لـ«الشرق الأوسط»: «إن الأرقام المقترحة للموازنة قبيل اختتام القمة تعني أننا نذهب في الاتجاه الخاطئ، وستكون أقل موازنة لدول الاتحاد الأوروبي في تاريخ التكتل الأوروبي الموحد»، ولمح سوبودا إلى أن أي موازنة تعتمدها القمة ستحتاج إلى موافقة البرلمان الأوروبي.

أما مارتن كالنان رئيس كتلة الإصلاحيين، فأعرب لـ«الشرق الأوسط» عن رفضه لأي مقترح بإجراء تصويت سري لأعضاء البرلمان الأوروبي على الموازنة، وأنه لا بد للمواطن الأوروبي أن يرى كيفية تصرف من يمثله في التعامل مع الموازنة، وذلك قبيل الانتخابات المقررة 2014. وخلال أعمال القمة، أعرب رئيس البرلمان الأوروبي، مارتن شولتز، عن معارضته للمزيد من خفض الميزانية طويلة المدى للاتحاد الأوروبي. وقال شولتز في تصريح للصحافيين: «إنه تم القيام بإجراءات دراماتيكية للخروج بنا من الوضع، وهذا أحد الأسباب التي جعلت البرلمان يرتاب بشكل كبير حيال المقترحات المطروحة على طاولة المباحثات». وأضاف أنه لا يمكن الإبقاء على المدفوعات الزراعية إذ إنها تخل بالمدفوعات في القطاعات الأخرى، مشيرا إلى أنه يجب تقليص مدفوعات الابتكار والترويج للتكنولوجيا الجديدة وإطار برامج البحوث والتعاون الدولي تحت بند خفض الميزانية.