خبراء: تكلفة إعادة الإعمار في سوريا لن تقل عن 200 مليار دولار

تفاوت تقديرات الدمار والخسائر الاقتصادية منذ بدء الثورة فيها

جانب من الدمار في مدينة حمص السورية (رويترز)
TT

تتفاوت التقديرات بين الخبراء الاقتصاديين والمسؤولين السوريين الرسميين وآخرين من المعارضة السورية بشأن تكلفة الدمار في سوريا ومستلزمات مرحلة إعادة الإعمار، لكن غالبية هذه التقديرات تشير إلى أرقام مرتفعة بسبب حجم الأضرار الذي لحق بالبنى التحتية من جهة، والخسائر الاقتصادية الناجمة عن انقطاع الكهرباء وفقدان العملة السورية أكثر من نصف قيمتها أمام الدولار من جهة أخرى.

وفي تصريحات متلاحقة خلال الأسبوعين الأخيرين، أعلن وزير الإدارة المحلية السوري عمر غلاونجي أن «الحرب التي تُشنّ على سوريا تطال كل البنى التحتية للدولة»، وكشف عن تقدير لجنة الإعمار الحكومية للأضرار الناتجة عن «أعمال التخريب» التي قامت بها «المجموعات الإرهابية»، كما وصفها حتى 10 يناير (كانون الثاني) 2013، بأكثر من ألف مليار ليرة سورية، أي 11 مليار دولار تقريبا. كما أعلن وزير الكهرباء السوري عماد خميس أن تكلفة الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الوطني السوري نتيجة انقطاع التيار الكهربائي في البلاد تقدر بنحو 22 مليار دولار أميركي، لافتا إلى أن «قطاع الكهرباء تصدر قائمة القطاعات الحيوية التي طالها الإرهاب في سوريا».

ويقدر خبراء اقتصاديون وتقارير دولية أن يؤدي استمرار النزاع في سوريا إلى نتائج كارثية تفوق ما شهدته دول أخرى نتيجة النزاعات في العقود الأخيرة. ويعرب المنسق العام لمجموعة «عمل اقتصاد سوريا» ومدير المكتب الاقتصادي في المجلس الوطني السوري الدكتور أسامة قاضي لـ«الشرق الأوسط» عن اعتقاده بأن «وزراء النظام يقومون بتقدير الخسائر في المناطق غير المحررة أملا في الحصول على الدعم الإغاثي من الأمم المتحدة»، ويشير إلى أن «النظام الذي يطلب الإغاثة هو المسؤول الوحيد عن هذا الضرر»، مرجحا بحسب تقديرات أولية، أن تكون «تكلفة الأضرار في البنى التحتية، جراء القصف البري والجوي، قد تجاوزت 50 مليار دولار، عدا عن أن خسائر الاقتصاد بسبب قطع الكهرباء أكثر بكثير من 22 مليار دولار».

ويقول الخبير الاقتصادي اللبناني وليد أبو سليمان لـ«الشرق الأوسط» إن «إعادة سوريا إلى سكة الدول الحديثة، يتطلب مجهودا ضخما، وسنوات من العمل، التي يفترض أن تعالج البشر والحجر قبل الانتقال إلى البناء الاقتصادي»، ويشير إلى أن بعض الدراسات ترجح «أن لا تقل تكلفة إعادة الإعمار ودعم التنمية في سوريا عن 200 مليار دولار، على أن تتصاعد الأرقام إلى مستويات أعلى إن لم يتوقف مسلسل التدمير والقصف العشوائي».

وفي موازاة إشارة القاضي إلى أن «الزراعة تعطلت جراء انقطاع الكهرباء وعدم توفر مادة الديزل التي تشغل مضخات الري، عدا عن إصابة الصناعة بشلل كامل وخسارة سوريا مرضى بالمئات في المشافي إن لم يكن بالآلاف للسبب نفسه»، يشير أبو سليمان إلى أن «الاقتصاد السوري يعتمد على 4 قطاعات أساسية هي الزراعة والصناعة والسياحة والنفط». ويوضح أن «هذه القطاعات كلها تعاني من تدهور خطير، وبالتالي، فإن أول شروط استعادة الاقتصاد السوري عافيته، يكمن في الاستقرار الأمني، الذي من شأنه إيقاف تدهور العملة الوطنية، ليعيد الطلب عليها، وهو ما سيسمح للاستثمارات المحلية والخارجية بالعودة إلى دمشق».

يعترف القاضي، وهو يدير المكتب الاقتصادي في المجلس الوطني ويتولى التنسيق مع المعنيين على أكثر من مستوى بشأن إعادة الإعمار، بأن «تقدير الأضرار صعب للغاية، خصوصا أن صواريخ النظام السوري وراجماته وقنابله وبراميل الديناميت التي يرميها من الجو يوميا من دون انقطاع، تجعل التقديرات تتجاوز 50 مليار دولار بسهولة إن لم يكن أكثر».

يعتمد الاقتصاد السوري، وفق الخبراء الاقتصاديين، على ما يعرف باسم «اقتصاد دولة الرعاية»، منذ أكثر من 40 عاما، بمعنى قيام الدولة بدعم السلع والخدمات الأساسية للمواطنين. ويرى أبو سليمان أن «النظام الاقتصادي السوري يشهد اليوم أسوأ مراحله ويعاني من انحدار سريع، قد يعرضه لخطر الإفلاس والتداعي الخطير، لا سيما مع انهيار العملة الوطنية وخسارتها أكثر من نصف قيمتها أمام الدولار»، ويشدد على أن «ما يزيد الطينة بلّة هو الدمار الكبير الذي يصيب البلاد جراء الاشتباكات المتنقلة من مدينة إلى أخرى»، موضحا أن «إعادة الإعمار الاقتصادية تفترض خطة شاملة، تتناول مختلف القطاعات التي تأذت نتيجة الوضع الأمني المتردي، مع العلم بأن النمو الاقتصادي للبلاد لم يتخط في نهاية عام 2008 عتبة الـ2%».

وبغض النظر عن نتيجة الصراع المستمر في سوريا منذ نحو العامين، فإن الأولوية في المرحلة المقبلة، وفق أبو سليمان، تبقى لورشة الإعمار، ويشير إلى أنه وفق تقديرات «الشبكة السورية لحقوق الإنسان»، يقدر عدد المباني المدمرة بـ2.365 مليون مبنى بدرجات متفاوتة، إضافة إلى مناطق كثيرة لم تتم دراستها لعدم توفر البيانات الكافية، وهو ما يحتاج، كما يقول أبو سليمان، إلى «ثلاث سنوات على الأقل لإعادة البناء». ويشير إلى «تقديرات مختلفة لتكلفة إعادة الإعمار تتراوح بين 40 و60 مليار دولار على أقل تقدير، فيما تقدرها المعارضة السورية بـ100 مليار دولار». ومن شأن فك الحصار الاقتصادي عن سوريا، وفق ما يوضحه أبو سليمان، أن يساهم في «إعادة فتح أبواب التصدير والاستيراد المجمدة راهنا»، لافتا إلى أنه «يكلف سوريا، بحسب آخر الدراسات، أكثر من 400 مليون دولار شهريا».

وكان مدير إدارة التنمية الاقتصادية والعولمة وكبير الاقتصاديين في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) التابعة للأمم المتحدة، عبد الله الدردري، قد أعلن الشهر الماضي عن أن اضطلاع الأمم المتحدة بقيادة فريق من مجموعة خبراء سوريين في الداخل والخارج يتولون إعداد دراسة بعنوان «الأجندة الوطنية لمستقبل سوريا»، وهي عبارة عن مشروع سوري وطني توفر «الإسكوا» الغطاء له، ويتضمن مسحا شاملا ورؤية لمرحلة الإعمار ويتناول 3 محاور رئيسية: «إعادة هيكلة المؤسسات والحكم الرشيد، المصالحة الاجتماعية والخدمات المجتمعية، إعادة البناء والإنعاش الاقتصادي».

ويقول القاضي في هذا السياق إن «الأمم المتحدة تضع تقديرات وبحدود ما تستطيع الوصول إليه على الأرض من معلومات، وفي الجهة المقابلة يقوم قسم الإعمار في مجموعة عمل اقتصاد سوريا بالعمل على الأرض بالتعاون مع مجموعات عدة من المهندسين يقومون بمسح الأضرار، وكذلك مع باحثين في الداخل والخارج، مستعينين بصور الأقمار الصناعية من أجل تقدير هذه الأضرار».

وقال الدردري خلال إطلاق التقرير السنوي للأمم المتحدة بعنوان «الحالة والتوقعات الاقتصادية في العالم» في 17 يناير (كانون الثاني) 2013 إنه «لا أرقام نهائية لحجم الدمار في سوريا»، مشيرا في الوقت عينه إلى أن «خسارة 35% من الناتج المحلي رقم كبير لا يمكن الاستهانة به ويعادل نحو 15 مليارا إلى 25 مليار دولار بحسب تقديراتنا للناتج المحلي».