الاتحاد الأوروبي: منطقة اليورو لن تعود إلى النمو إلا في 2014

مخاوف من «إفلاس» قبرص وإشعال أزمة ديون المنطقة من جديد

TT

قالت المفوضية الأوروبية أمس إن منطقة اليورو لن تعود للنمو حتى عام 2014 مغيرة توقعها السابق بانتهاء الركود هذا العام وملقية اللوم على الافتقار للإقراض المصرفي وارتفاع البطالة إلى مستوى قياسي.

وقالت المفوضية إن اقتصاد المنطقة التي تضم 17 دولة وتنتج نحو خمس الناتج العالمي سينكمش 0.3 في المائة في 2013 ما يعني أنها ستظل في فترة الركود الثانية منذ 2009 لسنة أكثر من المتوقع.

كانت المفوضية الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي قد توقعت في أواخر العام الماضي نمو اقتصاد منطقة اليورو بمعدل 1.‏0 في المائة في 2013 لكنها تقول الآن إن صعوبة الإقراض للشركات والأسر وخفض الوظائف وتجميد الاستثمارات يعطل الانتعاش المتوقع.

وتتوقع المفوضية أن تنمو منطقة اليورو 4.‏1 في المائة في 2014 بالمقارنة مع انكماش 6.‏0 في المائة في 2012.

يأتي هذا فيما ارتفع اليورو إلى أعلى مستوى في الجلسة مقابل الدولار أمس بعد بيانات أفضل من المتوقع لثقة الشركات الألمانية عززت التوقعات بتفادي أكبر اقتصاد أوروبي للركود.

وتختلف بيانات معهد ايفو الألماني لثقة الشركات التي صدرت اليوم ونتائج مسح مديري المشتريات الألمان التي صدرت أمس مع بيانات ضعيفة لنشاط الشركات في اقتصادات أخرى مثل فرنسا كانت قد أضعفت الآمال في انتعاش اقتصاد منطقة اليورو.

غير أن المحللين لا يتوقعون إلا دعما طفيفا للعملة الموحدة بسبب وجود مخاوف كثيرة كامنة بشأن آفاق منطقة اليورو لا سيما قبل الانتخابات الإيطالية التي ستجرى مطلع الأسبوع.

وارتفع اليورو 3.‏0 في المائة إلى 3223.‏1 دولار متعافيا من أدنى مستوى في ستة أسابيع 31615.‏1 دولار الذي سجله الخميس والذي اعتبره بعض المضاربين فرصة لشراء العملة.

وارتفع اليورو والدولار مقابل الين لكن محللين قالوا إنهم يرون مؤشرات على توقف هبوط العملة اليابانية المستمر منذ ثلاثة أشهر بفعل توقعات التيسير النقدي. وارتفع الدولار 3.‏0 في المائة إلى 93.39 ين.

من جهة أخرى وفي في ظل خزائن دولة خاوية وتعثر البنوك واحتياج شديد لقرض بمليارات اليورو، يشبه حال قبرص بالسفينة الجانحة التي ينفد منها الوقود بشكل سريع.

وعندما يتوجه القبارصة إلى صناديق الاقتراع في جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية غدا الأحد، سيختارون رئيسا مهمته المكلف بها هي المضي قدما في طلب الحصول على برنامج إنقاذ أوروبي كانت نيقوسيا تقدمت به في بادئ الأمر العام الماضي.

لكن المحك ليس فقط خطر تعرض قبرص للإفلاس. فالمراقبون يعتقدون أنه ما لم يتم إيجاد حل في المدى القريب، فمن الممكن أن تتسبب مشكلات السيولة النقدية للجزيرة في اشتعال أزمة ديون منطقة اليورو من جديد.

يقول إندرياس ثيوفانوس أستاذ الاقتصاد السياسي ورئيس مركز الشؤون الأوروبية والدولية بجامعة نيقوسيا إن قبرص والاتحاد الأوروبي على السواء لديهما دور يتعين عليهما القيام به. ويضيف أن الأزمة «تتطلب مناهج جديدة محليا وكذلك مساندة وتضامن من الاتحاد الأوروبي».

غير أنه حذر من أن «مجموعة اليورو، وسط صراع قوة سياسي بين الدول الأعضاء ومؤسسات الاتحاد الأوروبي، تستمر في تنفيذ سياسات (مع قبرص) قد تخلق مشكلات بالنسبة لاستقرار منطقة اليورو ككل». ومع نفاد السيولة لدى قبرص سريعا، تتأكد صعوبة التوصل لاتفاق بشأن حزمة الإنقاذ، إذ إن كل الخيارات المدرجة على الطاولة فعليا من أجل تجنب العجز عن سداد الديون تطالها عراقيل في ظل نضال واضعي السياسات الأوروبية لاستعادة ثقة المستثمرين.

وبالمقارنة بمئات المليارات من اليورو التي تم استخدامها لمنع اليونان وآيرلندا والبرتغال من الانهيار، يعد مبلغ 5.‏17 مليار يورو الذي تحتاج له البنوك القبرصية وخزينة الدولة صغيرا نسبيا.

لكن من حيث القيمة الحقيقية للقرض، فهو يعادل قيمة اقتصاد الجزيرة بأكمله، كما يخشى كثيرون من ألا يتم سداده أبدا. وفي ظل مخاطر قرض لا يمكن تحمل سداده، قال تيوفانوس إنه «سيكون من الضروري النظر في ترتيبات أخرى، مثل عمليات رسملة البنوك التي تتولاها آلية الاستقرار الأوروبي».

كما تعرضت مفاوضات إنقاذ قبرص لعقبات في الأشهر القليلة الماضية بسبب اتهامات بأن بنوك البلاد هي مركز لعمليات غسل الأموال وملاذ للمتهربين من الضرائب.

وكشرط لاستئناف المحادثات، سيخضع الرئيس الجديد لضغوط من أجل الموافقة على إجراء مراجعة على ودائع غير مواطني الاتحاد الأوروبي بعدما ذكرت تقارير أن الأثرياء الروس ورجال الجريمة المنظمة (المافيا) ومسؤولين فاسدين يودعون 26 مليار دولار في قبرص.

وتصر ألمانيا على أن موسكو، نظرا لاستثماراتها الكبيرة في الجزيرة، ينبغي أن تسهم في أي برنامج إنقاذ.

وستحتاج نيقوسيا إلى تسديد قرض بقيمة 5.‏2 مليار يورو كانت اقترضته العام الماضي من روسيا في عام 2016، غير أنها طلبت من موسكو تمديد موعد استحقاقه إلى عام 2022.

ويقول رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي إن تقديم أي حزمة إنقاذ لقبرص يجب أن يتم في ظل مراقبة دقيقة ومستمرة بشأن التقدم الذي تحرزه البلاد في مكافحة عمليات غسل الأموال.

وتجري قبرص بالفعل بعض إجراءات التقشف التي طالبت بها ترويكا الدائنين المؤلفة من المفوضية الأوروبية، والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي.

وتشمل تلك الإجراءات خفض الأجور لموظفي القطاع العام، لكن نيقوسيا توقفت فجأة عن اتخاذ خطوات أخرى مثل خصخصة شركات حكومية وكذلك تنفيذ إصلاحات كبيرة على نظام التقاعد والمعاشات.

ولكن حتى إذا أجرت قبرص المزيد من التخفيضات وبيع حصص في شركات الطاقة والاتصالات الحكومية، يشدد الكثير من المحللين على أنها ستظل عاجزة عن خفض الدين الحكومي المرتفع إلى مستوى غير محتمل.

ويتجه الدين العام لتخطي نسبة 140% من الناتج المحلي الإجمالي في ظل وجود خطة إنقاذ. وهناك مقترحات جذرية أخرى، مثل إعادة هيكلة أزمة الديون السيادية للبلاد وفرض خسائر على المودعين غير المؤمن عليهم في البنوك. لكن هذه الاقتراحات لاقت رفضا من جانب المسؤولين القبارصة والأوروبيين الذين يخشون من أنها ستضر بثقة السوق الهشة وتزيد المخاطر بالنسبة للبنوك العاملة في دولة أخرى متعثرة بالاتحاد الأوروبي.

بل إن وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني حذرت من أن فرض خسائر على المودعين كجزء من خطة إنقاذ قبرص سيؤثر على تصنيفات البنوك الأوروبية بشكل عام.

ولكن بالنسبة لكل مشكلات قبرص، هناك عنصر حاسم يقبع تحت المياه قبالة سواحلها ألا وهو الغاز الطبيعي الذي تقدر احتياطياته بنحو 60 تريليون متر مكعب في جنوب وجنوب شرقي الجزيرة.

وحصلت الجزيرة بالفعل على نحو 200 مليون يورو مقابل إصدار تراخيص التنقيب عن النفط والغاز لشركات الطاقة العالمية. وقال تيودور كولومبيس الأستاذ الجامعي في العلاقات الدولية بجامعة أثينا إن «قبرص تمتلك احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي.. لذا فهناك إمكانية - على الرغم من أنها ليست فورية - أن تستفيد من هذه المزايا وتساعد في خفض الدين».