أوباما يطبق تخفيضات «مدمرة» بـ85 مليار دولار في الإنفاق ويصفها بـ«الغبية»

بينما أكدت «ستاندرد آند بورز» أن تأثيرها على الاقتصاد الأميركي «محدود»

TT

أصدر الرئيس الأميركي باراك أوباما أمرا رسميا مساء الجمعة بإجراء تخفيضات واسعة في إنفاق الحكومة، بعد أن أخفق هو والجمهوريون في الكونغرس في التوصل لاتفاق من أجل تجنب التخفيضات التلقائية التي يمكن أن تعرقل النمو الاقتصادي وتحد من الجاهزية العسكرية.

وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، فمع أنه وصف بـ«الغبية» الاقتطاعات البالغة 85 مليار دولار في الميزانية التي تنتهي في 30 سبتمبر (أيلول) المقبل، وقع أوباما مرسوم دخولها حيز التنفيذ بموجب قانون يلزمه بذلك.

وبحسب «رويترز»، كان الرئيس الأميركي أكد قلائلا: «لست ديكتاتورا. أنا رئيس»، وذلك بعد دقائق من لقائه زعماء كتل الكونغرس في أول اجتماع بين الجانبين منذ بدء هذه الأزمة السياسية المالية الجديدة. وفي الوقت الذي تتجه فيه الولايات المتحدة نحو أزمة مالية جديدة، توقع البيت الأبيض أن تكون التخفيضات - التي دفع إليها إخفاق أوباما والكونغرس في التوصل لاتفاق أوسع بشأن تقليص العجز - «مدمرة للغاية» للأمن الاقتصادي والقومي للبلاد. وقال أوباما للصحافيين، بعد اجتماعه مع الزعماء الجمهوريين والديمقراطيين في الكونغرس: «لن يشعر الجميع بالمعاناة التي ستسببها هذه التخفيضات على الفور. ورغم ذلك ستكون المعاناة حقيقية. بدءا من هذا الأسبوع، ستتأزم حياة كثير من أسر الطبقة المتوسطة بشكل كبير».

ووقع أوباما في وقت متأخر أول من أمس الجمعة على أمر يقضي ببدء سريان التخفيضات الشاملة في الإنفاق الحكومي. وستبدأ الهيئات الحكومية الآن في استقطاع ما إجماليه 85 مليار دولار من ميزانياتها في الفترة من أمس السبت وحتى أول أكتوبر (تشرين الأول).

وستتحمل وزارة الدفاع نصف التخفيضات. وقال وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل إن التخفيضات تهدد «جميع مهامنا».

وما زال بإمكان الكونغرس وأوباما وقف تخفيضات الإنفاق في الأسابيع المقبلة، ولكن أيا من الجانبين لم يعبر عن ثقته بقيامهما بذلك. وكان الديمقراطيون والجمهوريون أعطوا الضوء الأخضر لتطبيق التخفيضات التلقائية أثناء جهود محمومة لخفض العجز في أغسطس (آب) 2011.

وتوقع الديمقراطيون أن هذه التخفيضات يمكن أن تتسبب على الفور في تأخيرات بحركة الملاحة الجوية ونقص في اللحوم، مع ضعف عمليات التفتيش على سلامة الأغذية وخسائر لآلاف المتعهدين الاتحاديين، فضلا عن إلحاق أضرار بالاقتصادات المحلية في البلاد، وخاصة في المناطق الأكثر تضررا القريبة من المنشآت العسكرية.

ومن أبرز أسباب الأزمات المالية المتواصلة التي تعانيها واشنطن، الخلاف بشأن كيفية تقليص عجز الميزانية والدين العام الذي بلغ 16 تريليون دولار، وتضخم على مدار السنين بسبب الحرب في العراق وأفغانستان والحوافز الحكومية للاقتصاد المتداعي. ويريد أوباما سد الهوة المالية بخفض الإنفاق وزيادة الضرائب. ولا يريد الجمهوريون التنازل بشأن الضرائب مجددا مثلما فعلوا في مفاوضات «الهاوية المالية» في بداية العام.

وتشكل التخفيضات الفعلية في الإنفاق نسبة صغيرة من إجمالي حجم الإنفاق الحكومي سنويا والبالغ 7.‏3 تريليون دولار. ونظرا لعدم المساس ببرامج شبكة الأمان مثل الأمن الاجتماعي والرعاية الصحية، فإن معظم الضرر سيقع على موظفي الحكومة الاتحادية، وليس من يتلقون الإعانات مباشرة. والحكومة الأميركية أكبر جهة توظيف في الولايات المتحدة، حيث يبلغ عدد العاملين بها نحو 7.‏2 مليون شخص في أنحاء البلاد. وفي حالة استمرار سريان التخفيضات، فإن أكثر من 800 ألف من هؤلاء العاملين قد تخفض أيام عملهم وتقلص أجورهم في الفترة من الآن وحتى سبتمبر (أيلول).

وبينما حذر صندوق النقد الدولي من أن التقشف قد يحد من النمو الاقتصادي الأميركي بنسبة 5.‏0 نقطة مئوية على الأقل هذا العام، إلا أن ذلك لا يشكل عبئا كبيرا على اقتصاد ينمو سريعا.

وفي المقابل، أكدت وكالة «ستاندرد آند بورز» للتصنيف الائتماني، التي حرمت الولايات المتحدة من تصنيفها الممتاز في 2011، أن الاقتطاعات التلقائية في الموازنة الأميركية التي ستدخل حيز التنفيذ الجمعة سيكون تأثيرها «محدودا» على الاقتصاد الأميركي. وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، قالت الوكالة في تقرير: «نتوقع أن يكون تأثير الاقتطاعات التلقائية محدودا على الاقتصاد الأميركي والشركات والولايات الاتحادية والبلديات، طبعا بشرط ألا تستمر طويلا». وبسبب عدم تمكن الجمهوريين والديمقراطيين في الكونغرس من التوصل إلى اتفاق، فإن اقتطاعات تلقائية ستدخل حيز التنفيذ الجمعة على الموازنة الفيدرالية بحيث تنخفض النفقات بمقدار 85 مليار دولار حتى نهاية سبتمبر وبمقدار 109 مليارات سنويا على مدار السنوات الثماني المقبلة، مما يهدد النمو الاقتصادي الأميركي الذي ما زال هشا. وأضاف التقرير: «نعتقد أن الاقتطاعات ستكون مؤقتة، وستحل محلها في الربع الثاني من العام خطة طويلة الأمد تتضمن خفضا للنفقات وزيادة للإيرادات، أي زيادة ضرائب».

وبحسب التقرير، فإن احتمالات عودة الاقتصاد الأميركي إلى الانكماش تتراوح بين 10 و15%.

وأكدت الوكالة أن التوصل بسرعة إلى اتفاق يوقف العمل بالاقتطاعات التلقائية أمر كفيل بالمحافظة على «الاندفاعة» الحالية في النمو الاقتصادي. وفي صيف 2011، حرمت «ستاندرد آند بورز» الولايات المتحدة من تصنيفها الائتماني الممتاز «إيه إيه إيه» بسبب الأزمة السياسية حول رفع سقف الدين العام الأميركي. وقد توصل الكونغرس إلى اتفاق حول الدين العام نص على الاقتطاعات التلقائية التي تهدد اليوم البلاد برمتها.