صدمة في قبرص بعد الاتفاق على خطة لإنقاذ البلد من الإفلاس

قيمتها 10 مليارات يورو تتضمن رسما على الودائع المصرفية

TT

أصيب القبارصة والمقيون الأجانب في جزيرة قبرص بصدمة، أمس، بعد الإعلان في بروكسل عن اتفاق على خطة إنقاذ للبلد، بين منطقة اليورو وصندوق النقد الدولي بقيمة 10 مليارات يورو كحد أقصى، وتتضمن فرض رسم استثنائي على الودائع المصرفية.

وفي تحول جذري عن خطط إنقاذ دول منطقة اليورو اليونان وآيرلندا والبرتغال وإسبانيا، أبرم وزراء المالية اتفاقا لإقراض الجزيرة المكبلة بالديون عشرة مليارات يورو (13 مليار دولار) لكن في المقابل سيتعين على المودعين التنازل عما يصل إلى عشرة في المائة من مدخراتهم. وسيجري البرلمان تصويتا من حيث المبدأ اليوم على هذه الضريبة غير المسبوقة قبل أن تفتح المصارف أبوابها صباح الثلاثاء، بما أن الاثنين يوم عطلة.

وهذه الاقتطاعات التي يفترض أن تؤمن 5.8 مليارات يورو، ستطبق على جميع الأشخاص المقيمين في الجزيرة، من الموظفين القبارصة إلى الرعايا الروس فيها. وتزايدت تغريدات الناس الغاضبين، أمس، على «تويتر» ولو أن الاتفاق لم يحتل الصفحات الأولى للصحف، بسبب إبرامه في وقت متأخر جدا، ليل أول من أمس، في بروكسل. وبعيد الإعلان عن الاتفاق، شوهد عشرات القبارصة والأجانب الموجودون بأعداد كبيرة، أمام المصارف لسحب المال من أجهزة الصرف الآلية. وقال نيكولاس بابادوبولوس رئيس لجنة الشؤون المالية بالبرلمان لـ«رويترز»: «رد فعلي الأولي أشبه بالصدمة.. القرار أسوأ كثيرا مما توقعنا، ويتناقض مع ما كانت تؤكده لنا الحكومة حتى ليلة أمس».

وأبدى شركاء قبرص في منطقة اليورو عدم رغبتهم في إنقاذ الجزيرة التي يقول البعض إنها تعج بالأموال الروسية، لكن الإحصاءات تشير إلى أن غير المقيمين لديهم 37 في المائة فقط من 69 مليار يورو يقدر أنها بحوزة النظام المصرفي في قبرص.

وقال رجل في الخامسة والأربعين من عمره، جاء لسحب المال وكالة الصحافة الفرنسية، ولم يشأ الكشف عن هويته: «إنها لكارثة».

إلا أن عمليات السحب هذه لن تمنع فرض الرسم على حساباتهم، كما قال ماريوس سكانداليس نائب رئيس معهد المحاسبين في القطاع العامة في قبرص. وأضاف أن المبالغ المتصلة بالضرائب «قد جُمّدت، ولا يمكن تحويلها». ومن أجل خفض مشاركتها، طلبت الجهات المانحة من نيقوسيا استحداث رسم استثنائي بنسبة 6.75 في المائة على جميع الودائع المصرفية التي تقل عن 100 ألف يورو و9.9 في المائة على الودائع التي تتخطى هذه العتبة، بالإضافة إلى الإبقاء على الحسم المفروض على فوائد هذه الودائع.

وبعد مفاوضات استمرت 10 ساعات مع الاتحاد الأوروبي، وافقت الحكومة القبرصية التي تشكلت حديثا بعد انتخاب اناستاسيادس (يميني) في فبراير (شباط)، على ما كانت تعتبره حتى الآن خطا أحمر، أي الضريبة على الودائع.

وكان وزير المال القبرصي ميخاليس ساريس، أكد مطلع مارس (آذار) أن هذا التدبير سيكون «كارثيا» على قبرص.

ويتضمن الاتفاق أيضا زيادة الضرائب على الشركات من 10 إلى 12.5 في المائة، وهذا خط أحمر آخر تجاوزته الحكومة القبرصية.

والضريبة ضربة مريرة لقبرص التي تضررت بصورة بالغة وغير متناسبة من إعادة هيكلة ديون اليونان، أوائل 2012، بسبب العلاقات المالية الوثيقة بين الدولتين. وتكبد أكبر مصرفين خسائر مجتمعة قدرها 4.5 مليار يورو، وهو ما يعادل ربع الناتج المحلي الإجمالي للجزيرة.

ورفضت الجهات الدائنة لقبرص شطب قسم من ديونها، وهو ما كان أدى إلى تحميل الجهات الدائنة في القطاع الخاص خسائر كبيرة، وكانت رفضته نيقوسيا بقوة، لكن هذه الرسوم الجديدة ستطال كل المدخرين؛ سواء كانوا قبارصة أو أجانب، ولا سيما الروس.

وكانت السلطات اتخذت إجراءات لتجميد الحسابات ومنع سحبها. وسيتم تبني قانون في نهاية الأسبوع يسمح بهذه العملية، ويمنع تهريب كثيف للرساميل.

وأعلن رئيس مجموعة وزراء مالية دول منطقة اليورو يرون ديسيلبلوم، قائلا: «نحن لا نعاقب قبرص». وأضاف: «نقف إلى جانب الحكومة القبرصية، هذه هي السلة التي ستسمح بإعادة هيكلة القطاع المصرفي». وأضافت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد التي ستشارك مؤسستها في خطة المساعدة القبرصية أن «الحل المعروض دائم وثابت ويخدم مصلحة الاقتصاد القبرصي».

وبحسب مصدر دبلوماسي أوروبي، فإن مساهمة صندوق النقد الدولي قد تقارب مليار يورو. والرسوم المفروضة على الرساميل وفوائد الودائع سيتم التعويض عنها بالكامل بواسطة توزيع أسهم، كما أعلن وزير المالية القبرصي ميخاليس ساريس، مشيرا إلى أن الإجراءات المتخذة سمحت بتفادي «اقتطاعات في الرواتب ومعاشات التقاعد». وكانت قبرص طلبت في يونيو (حزيران) مساعدة مالية من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي تتيح لها تعويم مصرفيها الرئيسيين الغارقين بسبب الأزمة اليونانية. لكن الجهات الدائنة لم تكن على استعداد لمنحها 17.5 مليار يورو، أي ما يعادل إجمالي ناتجها الداخلي، لأنها تخشى أن لا تتمكن من تسديد مبلغ كبير جدا، وأن ينفجر الدين إلى مستويات لا يمكن التحكم بها، إذا تم دفعه. وفي الختام، فإن الديون القبرصية ستصبح بنسبة 100 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي في 2020.

وقال رئيس وزراء لوكسمبورغ جان كلود يونكر الذي كان رئيسا لمجموعة وزراء مالية منطقة اليورو طوال 8 أعوام: «لا يمكنني أن أتخيل أننا سنترك نهاية الأسبوع تمر من دون حل المشكلة القبرصية».

وألمانيا التي كانت أعربت عن حذرها بشان إمكانيات التوصل إلى اتفاق في الأيام الأخيرة، مارست من جهتها ضغوطا لكي تقوم قبرص بمكافحة تبييض الأموال بقوة.

وبعد فترة من المماطلة، وافقت نيقوسيا على إجراء عملية تدقيق حسابات هذا الأسبوع ستظهر أولى نتائجها في نهاية الشهر الحالي.

وستتجه قبرص أيضا نحو روسيا المقربة منها اقتصاديا وثقافيا لكن مساهمة موسكو ستكون محدودة. وقال المفوض الأوروبي المكلف الشؤون الاقتصادية أولي رين إن روسيا «على استعداد لتمديد تسديد قرض» بقيمة 2.5 مليار يورو يستحق في 2016 «وخفض معدلات الفائدة، لكنها لا تتوقع الذهاب إلى أبعد من ذلك».