خبراء: «النفط الصخري» يثير أسئلة أكثر مما يقدم إجابات

أكدوا أن هوامش الربح القليلة تجعل الاستثمارات في إنتاجه مهددة بالتوقف

TT

يثير النفط الصخري أسئلة باعتباره المهدد الأول للنفط التقليدي، الذي يمثل مصدر الدخل شبه الوحيد لكثير من دول المنطقة. ومع تسارع الحديث عن إمكانات النفط الصخري تبرز تحليلات تقلل من شأن هذه المخاوف.

تتكئ هذه التحليلات على ثلاثة عوامل هي «التكلفة، والمخاطر البيئية، والأسواق البديلة»، في هذا التقرير تحدثت «الشرق الأوسط» إلى ثلاثة محللين للاقتصاد والطاقة هم تركي بن عبد العزيز الحقيل محلل اقتصادي مقيم في العاصمة الأميركية واشنطن، والدكتور فهد بن جمعة عضو مجلس الشورى السعودي ومحلل نفطي، وكامل الحرمي محلل نفطي كويتي، واستطلعت آراءهم حول النفط الصخري وإمكانية تفوقه على النفط التقليدي «المقصود بالنفط التقليدي الذي يتم إنتاجه من المكامن والحقول التي تقع في أعماق متوسطة، عكس النفط الصخري الذي يستخرج من مكامن عميقة جدا».

ويقول تركي الحقيل إن ثورة النفط والغاز الصخري في أميركا ستكون كفيلة بتغيير خارطة الطريق لتجارة النفط العالمية في المستقبل البعيد جدا عن طريق الاكتفاء بالناتج المحلي وتقليص الطلب على الواردات حيث إن إنتاج النفط الخفيف الخالي من الكبريت في الولايات المتحدة ارتفع بمقدار 29 في المائة منذ عام 2008 حتى وصل الإنتاج إلى أكثر من 7.1 مليون برميل يوميا وهو أعلى مستوى إنتاجي منذ عام 1992 وقد يلامس الإنتاج سقف آل 8 ملايين برميل يوميا نهاية هذه السنة بينما انخفضت الواردات بنسبة 22 في المائة منذ عام 2006.

كما أن إنتاج سوائل الغاز الطبيعي ارتفع أكثر من 23 في المائة في الأربع سنوات الماضية مدفوعا إلى حد كبير بارتفاع الإنتاج من موارد الطاقة الصخرية، بحسب الحقيل.

وفي ذات السياق يقول كامل الحرمي إن الولايات المتحدة أصبحت تعتمد بنسبة 85 في المائة من احتياجاتها النفطية على إنتاجها المحلي والأسواق المجاورة لها «كندا والمكسيك» و15 في المائة تستوردها من مناطق مختلفة كالشرق الأوسط، لكن والكلام للحرمي، ستختفي هذه النسبة قريبا ووضع لها احتمال بين عامي 2017 و2020 حيث ستزيد الولايات المتحدة الأميركية من إنتاجها من النفط الصخري، مما سيدفعها للاكتفاء الذاتي وربما غزو الأسواق.

أمام هاتين الفرضيتين يقول الدكتور فهد بن جمعة إن الولايات المتحدة لن تتوسع في الإنتاج من النفط الصخري وسيبقى النفط الصخري موجودا ولكن في الحد الأدنى الذي يحافظ على أسعار النفط بشكل عام، ويتساءل «هل من مصلحة الشركات المنتجة إغراق الأسواق بالنفط الصخري»، ويجيب «منطقيا لا» والسبب برأيه أن «تكلفة إنتاج برميل واحد من النفط الصخري تزيد على 60 دولارا» فعندما تغرق الأسواق بالنفط ستتأكل الهوامش الربحية للشركات التي تعمل في هذا القطاع، ويضيف «هذا أحد الجوانب التي تعزز استمرار النفط التقليدي كمصدر للطاقة خلال الـ30 عاما المقبلة».

هنا يقول الحقيل إنه بلا شك النفط والغاز الصخري لن يكونا مصدر تهديد لإنتاج النفط التقليدي الرخيص في دول الخليج وفي السعودية تحديدا خاصة إذا عرف أن تكلفة إنتاج النفط من المكامن الصخرية الأميركية تبلغ نحو 65 - 75 دولارا للبرميل مقارنة بـ7 إلى 15 دولارا للنفط التقليدي مما يرجح الكفة للنفط التقليدي.

إلا أن كامل الحرمي يعتقد أن أسعار النفط على المدى المنظور لن تتراجع والسبب أن الدول المنتجة للنفط وخاصة دول الخليج تبني ميزانياتها على برميل نفط فوق 90 دولارا، وهذا ما سيبقي النفط الصخري في هامش ربحي جيد بالنسبة لمصدر جديد للطاقة يغزو الأسواق.

وحول ما اذا كان النفط الصخري هو الخيار الأول للمصافي في الولايات المتحدة حاليا وهي الدولة تنتج هذه النوعية من النفط؟ يقول بن جمعة «ما زال نفط الشرق الأوسط والنفط السعودي هو الخام الذي تعتمد عليه كثير من المصافي الأميركية، حيث صممت على النفط الثقيل»، ويضيف وجود النفط السعودي في الأسواق الأميركية ضمن مشاريع مشتركة، حيث دخلت السعودية في شركات في المصافي ويصدر ما لا يقل عن 350 ألف برميل إلى هذه المشاريع فقط.

ويشير إلى فكرة أن المصافي الأميركية صممت منذ فترة طويلة وفلسفة الشركات التي تملكها بحسب بن جمعة ارتفاع سعر برميل النفط دولارا واحدا يمنحها أرباحا أكثر مما لو استثمرت 20 مليار دولار.

وبحسب بن جمعة فإن عملية حساب خسارة الأسواق أو تراجع الطلب تحتسب بشكل إجمالي وليس في بلد لوحده عند حساب مستقبل الصناعة النفطية، ويضيف «تراجع الطلب في بلد قد يقابله ارتفاع الطلب في بلد آخر وهنا تحتسب المعادلة الأسواق بشكل إجمالي».

بدوره يرى الحقيل أن النفط الصخري المنتج في الولايات المتحدة لا يهدد النفط السعودي إطلاقا لأنه من النوع الخفيف العالي الجودة والخالي من الكبريت، بينما يتم استيراد نفط أثقل من السعودية ويبقى التهديد آتيا من كندا لإنتاجها النفط الثقيل المشابه للنفط السعودي ولكن ما إذا تمت الموافقة على مشروع خط أنابيب «كي ستون إكس إل» فإنه سينقل على الأقل 830 ألف برميل يوميا من كندا إلى المصافي الأميركية من ثم سيكون المنافس الأكيد لواردات الولايات المتحدة النفطية من السعودية.

ويتابع: أما عن الدول التي تشهد نموا سريعا في اقتصادها مثل الصين والهند، فلن يهدد النفط الكندي النفط السعودي لقرب السعودية من تلك الدول مما يخفض تكلفة الشحن.

بينما يرى الحرمي أن النفط الصخري مع زيادة إنتاجه سيكون له دور في إزاحة النفط المقبل من منطقة الشرق الأوسط أو من منطقة الخليج وستعتمد على دول الجوار كندا والمكسيك في إمداداتها من الخامات الثقيلة، وهذه المنافسة محدودة برأي الحرمي لأن المقبل هو إزاحة النفط التقليدي بعد أن تتوسع عمليات إنتاج النفط الصخري وتتحول الدول والأسواق التي تعتمد عليها الدول المنتجة كأسواق مثل الهند والصين إلى دول تبحث عن النفط في أراضيها باعتباره سيخلصها من مشكلة الطاقة التي تعاني منها.

وحول المميزات التي يملكها النفط التقليدي؟ يرى تركي الحقيل ويؤكد أن النفط التقليدي في ظل تدني تكلفة الإنتاج (7 - 15) دولارا للبرميل سيظل يلعب دورا رئيسيا وحاسما في السياسة والاقتصاد على الأقل في المدى المنظور والسعودية بما تمتلكه من احتياطات ككيان اقتصاد غني بمصادر الطاقة سيظل يجذب أنظار القوى الكبرى في العالم من حيث الجدوى الاقتصادية للطاقة والطلب المتزايد بجميع أنواعها وأيضا الجوانب البيئية الأقل صرامة منها في الدول الأخرى وخاصة الولايات المتحدة.

ويرى الدكتور فهد بن جمعة أن عالم النفط تحكمه عدة عوامل منها تكلفة الإنتاج والعرض والطلب والأسعار والعوامل السياسية وكلها تؤخذ في الحسبان عند تقييم عناصر القوة أو الضعف في الصناعة النفطية، ويضيف «ما زالت لدى النفط التقليدي مصادر قوة في مواجه الوافد الجديد على عالم الطاقة وبإمكان الدول المنتجة وخاصة السعودية أن ترمي بثقلها في مجال الإنتاج بشكل كبير وتضخ بقدر ما تستطيع لأن مستقبل النفط كمصدر للطاقة اقترب من نهايته».

ويؤكد بن جمعة أن تقنيات صناعة النفط الصخري تتطور بسرعة وقد نجحت في تخفيض تكلفة الإنتاج من 90 دولارا للبرميل إلى نحو 60 دولارا للبرميل هذا العام وخلال خمس سنوات فقط، كما نجحت بعض التجارب مثل الحفر الرأسي ومن دون استخدام المياه في استخراج كميات من النفط.

أما أبرز ميزة يراها كامل الحرمي للنفط التقليدي فهو أن الشركات الكبرى في عالم الصناعة النفطية لم تتجه إلى النفط الصخري وما زالت الشركات التي تستثمر فيه شركات صغيرة حتى وإن كانت التقنيات التي لديها تتطور بسرعة، لأنها ما زالت حذرة في مسألة المخاطر البيئية المحتملة.

وبشأن انتاج النفط الصخري.. كم يبلغ معدل الإنتاج؟ وما مستقبله؟ يقول الحقيل: في الوقت الحالي تم الحفر والتنقيب في الولايات المتحدة في 55 موقعا فقط وعدد قليل جدا من هذه المواقع أثبت نجاحات حقيقية في هذه المرحلة المبكرة جدا والنتائج منطقية.

ويضيف في تقرير حديث لإدارة معلومات الطاقة الأميركية يضع تقديرات حول كميات النفط القابل للاستخراج من الناحية الفنية (النفط المحكم) هو 33 مليار برميل، هذا الرقم يعادل نحو ست سنوات ونصف السنة من استهلاك الولايات المتحدة الأميركية من النفط فقط، في إشارة منه إلى ضعف تهديد هذا النوع من النفط للنفط التقليدي والذي تملك السعودية ربع الاحتياطي العالمي المؤكد منه.

ويقول الحرمي وصل الإنتاج لنحو 850 ألف برميل يوميا هذا العام وسيقفز عند حاجز المليون قريبا، لكن هذه الصناعة تواجه مآزق حقيقية منها قلة المياه العذبة المستخدمة في عمليات الإنتاج، واحتمال تلوث المياه الجوفية ومخاطر الزلازل لأن عمليات الحفر تصل إلى أعماق كبيرة، لكن هذه العوائق بحسب الحرمي بدأت تتبدد شيئا فشيئا.

بدوره يؤكد بن جمعة أنه في صناعة النفط بشكل عام والنفط الصخري على وجه الخصوص سيكون تطوير التقنيات أمرا مهما في تقليل التكلفة لكن متى ما تدنت العوائد الربحية للشركات ستتوقف عن تطوير التقنيات.

وبالعودة إلى تركي الحقيل فإن تطور تقنيات في التكسير الهيدروليكي والحفارات المتعددة الرؤوس يقابله عقبات كثيرة خصوصا في القضايا البيئية فوق وتحت سطح الأرض وأيضا ندرة كمية المياه المطلوبة للاستخراج في الأماكن الصحراوية ومشكلة التخلص من المياه الملوثة الكيماوية المستخدمة لإنتاج النفط الصخري وأيضا تحديات نقص المياه الصالحة للشرب ونقص في القوى العاملة من ذوي الخبرة في هذا المجال المعقد جدا قد يخفف من الحماس في التوسع السريع جدا مما سيخفض من التوقعات بأن أميركا ستحقق الاكتفاء الذاتي في البترول بحلول عام 2015 أو في 2020.

واذا كان لدى السعودية نفط صخري؟ يقول بن جمعة «نعم لكن السعودية لديها من النفط التقليدي ما يكفي، فلماذا تدخل في هذا النوع من الاستثمار المكلف ولديها نفط رخيص».

بينما يقول كامل الحرمي لا أعتقد أن السعودية لديها احتياطات من النفط الصخري لأنه لم تجر دراسات تجارب حقيقية في هذا الجانب، ويتابع لدى السعودية احتياطات من الغاز الصخري وستستثمر فيه لتعزيز إنتاجها من الغاز.

ويقول الحقيل إن الأهم من النفط الصخري لدى السعودية هو اكتشاف كميات كبيرة من الغاز الصخري فلدى السعودية أحواض جيولوجية ضخمة تنطوي على إمكانات لوجود موارد للغاز الصخري وطبقات قليلة المسامية والنفاذية في الجزء الشمال الغربي من البلاد، وتشير التقديرات إلى أن الاحتياطات للغاز الصخري تضع السعودية في المراكز الأولى بنحو 645 تريليون قدم مكعب والذي يمكن استخراجه إن وجدت البنية التحتية ووفرة المياه كما أن السعودية ليست بعيدة من احتياطات الولايات المتحدة الأميركية البالغة 862 تريليون قدم مكعب من الغاز الصخري.

ويؤكد أن جهود التنقيب عن الغاز غير المصاحب ستحقق نجاحات كبيرة وسيتيح إنتاج بأكثر من ثلاثة أضعاف في السنوات الماضية، ويشير إلى امتلاك السعودية حاليا لرابع أكبر احتياطي للغاز الطبيعي عالميا يقدر بنحو 282 تريليون قدم مكعب وإنتاج يومي يصل إلى نحو 9 مليارات قدم مكعب وتخطط السعودية للوصول إلى 333 تريليون قدم مكعب في غضون الثلاث سنوات المقبلة.

وحول المستقبل؟ يعتقد تركي الحقيل أن الرياض ستحافظ على مركزها العالمي في إنتاج النفط وأيضا كبنك مركزي للنفط عالميا بسبب إنتاجها الكبير للنفط من جهة واحتفاظها بطاقة إنتاجية فائضة لاستخدامها أثناء الطوارئ من جهة أخرى. ويرى أن احتياطاتها النفطية المؤكدة القابلة للاستخراج لا تمثل سوى ثلث مخزونها النفطي الحقيقي ما إذا أخذنا بالحسبان مميزات التقنية والتقنيات الحديثة للإنتاج التي حتما سوف ترفع كفاءة الاستخراج بالتالي سترفع تلقائيا من كمية الاحتياطيات القابلة للاستخراج في الآبار النفطية المنتجة حاليا وليست الآبار تحت التطوير أو الاكتشافات الجديدة.

بدوره ينظر كامل الحرمي إلى المستقبل النفطي من زاوية مختلفة، فدول الخليج لديها مشكلات حقيقية في استهلاك الطاقة فبالإضافة إلى المهدد الجديد لمكانتها النفطية وهو النفط الصخري، فإن هذه الدول تواجه مصاعب في استهلاك إنتاجها خصوصا في فصل الصيف والذي يتنامى عاما بعد عام بزيادات كبيرة يخشى مع تناميها إلى دول مستهلكة لإنتاجها والذي يعد مصدر دخلها شبه الوحيد.

ويشدد الدكتور فهد بن جمعة على أن السعودية بدأت تتحول إلى الصناعة النفطية وتحويل النفط إلى منتجات أخرى غير الطاقة، ويضيف: السعودية لديها 265 مليار برميل من الاحتياطات المؤكدة من المفترض أن تستثمر هذه الكميات الهائلة لأن النفط سيفقد قيمته بحلول عام 2040 على حد قوله، كما يشير إلى تحول السعودية إلى تصنيع النفط إلى منتجات بتروكيماوية مدللا بتوجه «أرامكو السعودية» إلى هذا النوع من المشاريع وتحولها من الإنتاج فقط إلى دخول عالم التصنيع.