احتمالات تكرار سابقة ضريبة الودائع القبرصية في دول اليورو تثير مخاوف المودعين

مصرفيون عرب لـ «الشرق الأوسط» : إيداعات العرب في قبرص ضئيلة.. والضريبة ستساهم في عودتها

وزراء مالية أوروبيون يتشاورون مع رئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد خلال اجتماع «يورو غروب» الطارئ في بروكسل (أ.ب)
TT

أثار اتفاق «إنقاذ قبرص من الإفلاس» الذي تم التوصل إليه أمس ونص على فرض ضريبة 30 في المائة على الإيداعات التي يفوق حجمها 100 ألف يورو مخاوف المودعين في أنحاء العالم من تكرار هذه السابقة في دول اليورو الضعيفة التي قد تحتاج إلى إنقاذ في المستقبل. وكمؤشر على ذلك انخفض اليورو أمس 0.8 في المائة إلى 1.2890 مقابل الدولار بدلا من أن يرتفع. الأمر الذي عده بعض المصرفيين الذين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» دليلا على أن قبرص ستواجه متاعب اقتصادية رغم الاتفاق. وبموجب صفقة الإنقاذ ستتم تصفية بنك «لايكي» ثاني أكبر البنوك الدائنة ويبدو أن المستثمرين فيه سيخسرون كل المبالغ غير المؤمنة والتي تفوق 100 ألف يورو. وفيما ينجو بنك «قبرص» أكبر البنوك الدائنة، قالت الحكومة القبرصية أمس إنه ستتم فرض ضريبة بنسبة نحو 30 في المائة على كل الودائع التي تتجاوز 100 ألف يورو على الأرجح. وقال مصرفيون عرب لـ«الشرق الأوسط»، إن «الأموال العربية المودعة في المصارف القبرصية ضئيلة ومعظمها لبنانية ولا مخاوف من حدوث خسائر كبيرة للمودعين».

ووصف الدكتور سعيد الشيخ كبير الاقتصاديين بالبنك الأهلي السعودي فرض ضريبة على الإيداعات في قبرص بأنه «سابقة وإجراء غريب رغم الضرورات التي فرضت تبنيه من قبل مفوضية اليورو وصندوق النقد والبنك المركزي الأوروبي لحل الأزمة المالية في قبرص». وقال الدكتور سعيد الشيخ في تعليقات لـ«الشرق الأوسط» إنه «رغم الاتفاق الذي تم التوصل إليه أمس في بروكسل يبدو أن متاعب قبرص لن تنتهي.. فهنالك مخاوف من هروب الودائع من البنوك القبرصية إلى خارج الجزيرة متى ما توفرت الفرصة لذلك». وأضاف أن السؤال الآن يتمحور حول كيفية تطبيق الاتفاق الذي تم التوصل إليه وحول كيف يمكن المحافظة على الودائع في قبرص. وقال إن الوضع حرج في قبرص ولا تبدو بوادر انفراج، حيث إن الأزمة لا تزال متفاعلة، وإن لم يكن الأمر كذلك، لتحسن سعر صرف اليورو الذي يمنح مؤشرا على الانفراج. وأشار إلى أن الأمور تتجه في قبرص نحو مصاعب مالية أكبر، على رأسها ارتفاع في معدل البطالة وزيادة في الفقر قد تؤدي تلقائيا إلى اضطرابات في الشارع القبرصي ومظاهرات تطالب بخروج قبرص من منطقة اليورو.

وحول الودائع العربية في المصارف القبرصية قال الدكتور سعيد الشيخ لـ«الشرق الأوسط» «إذا وجدت فستكون قليلة، فالاقتصاد القبرصي ليس من الاقتصادات الجاذبة للودائع العربية مقارنة باقتصاديات الدول الأوروبية ومراكزها المالية، خاصة بريطانيا وألمانيا وسويسرا». وأشار الدكتور الشيخ في تعليقه لـ«الشرق الأوسط» «هذه الأموال العربية القليلة المودعة في البنوك القبرصية ربما يعود معظمها إلى حسابات أفراد في الدول العربية الواقعة على البحر الأبيض المتوسط، وتحديدا لبنان، ولكنها بالقطع لا تعود لمواطني الدول الغنية بالموارد المالية مثل السعودية والخليج». مشيرا إلى أن الإيداعات الخارجية الكبيرة لمواطني هذه الدول توجد في دول أوروبية مثل ألمانيا وبريطانيا، الشريك التجاري الكبير للخليج والسعودية. وقال إن لندن صاحبة المركز المالي العالمي المستقطب للاستثمارات. وأضاف «لندن تعد من المراكز المالية الجاذبة للإيداعات والاستثمارات الخليجية وحتى تلك التي تستثمر في مراكز مالية أخرى غالبا ما تمر عبر لندن».

من جانبه قال جورج كنعان رئيس جمعية المصرفيين العرب في لندن لـ«الشرق الأوسط» «لا أعتقد أن هنالك إيداعات عربية كبيرة في البنوك القبرصية وبما أن الضريبة ستفرض على بنك واحد هو (بنك قبرص) فلن تكون هنالك إشكاليات». وأضاف في تعليقه حول إيداعات اللبنانيين «أرى أن المصرفيين اللبنانيين جيدون وكذلك المصرفيون العرب بشكل عام وسيكونون قد أخذوا الاحتياطات اللازمة لذلك»، مشيرا إلى أنه لا يستبعد أن تكون غالب الإيداعات اللبنانية في فروع بنوك لبنانية بقبرص. وأشار كنعان إلى أن البنوك القبرصية تصرفت بشكل متهور وغير مهني وتوسعوا بشكل يفوق قدراتهم وبالتالي أوقعوا قبرص في هذه الأزمة.

من جانبه قال مصدر مصرفي لبناني لـ«الشرق الأوسط» إن «الأموال اللبنانية في قبرص ودائع وليست استثمارات وإن الخطة التي أقرت مساء الأحد جنبت الأموال اللبنانية الخطر»، وقال المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه «الأموال العربية في قبرص عموما في مأمن وأن الأزمة المصرفية في قبرص خلقت ميزة نسبية للقطاع المصرفي اللبناني. وربما تساهم هذه الأزمة في عودة بعض الأموال اللبنانية المهاجرة إلى قبرص».

وفي القاهرة قلل مصرفيون مصريون من تأثير قرار قبرص بفرض ضرائب على الودائع المصرفية، وأكدوا أن حجم تعاملات المصريين سواء كانوا أفرادا أو مؤسسات محدودة، كون قبرص دولة صغيرة، كما أن تعاملاتها الدولية وحجم التجارة بين البلدين محدودة للغاية.

وقال مسؤول مصرفي مصري إن حجم تعرض البنوك المصرية للمصارف القبرصية محدود للغاية، وذلك لأن حجم التجارة مع تلك الدولة الصغيرة لا يتجاوز 35 مليون يورو في العام. وتابع: لا توجد بنوك مصرية لها فروع أو وحدات تابعة في قبرص، وبالتالي فإن البنوك في مصر لن تتأثر بتلك الأزمة. وعن المودعين المصريين في البنوك القبرصية، قال المسؤول: من الصعب تحديد هذا الأمر، ولكن الخاسر في النهاية سيكون المصارف في قبرص، التي سيهجرها المودعون، كما ستعيد البنوك خاصة العربية التي لها فروع في قبرص استراتيجية وجودها في تلك الجزيرة. وأشار المسؤول إلى أنه من المفترض أن تطالب البنوك العربية الموجودة في قبرص والتي لها مراكز مالية قوية بإعفائها من الضرائب المقرر فرضها.

إلى ذلك أكدت بسنت فهمي الخبيرة المصرفية أن تعاملات المصريين مع المصارف القبرصية محدود، وبالتالي فإن تأثير الإجراءات التي تم الاتفاق عليها أمس ضئيل، وأكدت أيضا أن هناك صعوبة في تحديد الأموال المصرية الموجودة هناك. وأضافت فهمي: نشطت خلال الفترة الماضية محاولات من محامين قبرصيين كانوا يأتون إلى مصر لتشجيع المصريين لتحويل أموالهم إلى الجزيرة باعتبارها ملاذا آمنا أكثر من مصر التي تمر باضطرابات، ولكن أظن أن أغلب محاولاتهم باءت بالفشل، خاصة أن المؤشرات التي تصدر من البنك المركزي تشير إلى زيادة الودائع في البنوك المصرية.

وينظر كثير من الخبراء المصرفيين على أن قبرص هي إحدى الدول التي تعتبر مأوى للأموال السوداء، التي يتم الحصول عليها بطرق غير شرعية. ولدى رجال أعمال مصريين مؤسسات استثمار في قبرص، ولعل أشهر تلك الشركات التي يمتلكها نجلا الرئيس السابق حسني مبارك. وفي لندن قال محللون أمس إن القبارصة ربما يواجهون سنوات من الصعوبات الاقتصادية بسبب صفقة إنقاذ أوروبية قاسية الشروط فيما يبدو مستقبل الجزيرة المتوسطية العضو في منطقة اليورو، غامضا بشكل كبير. وقالت فيونا مولن خبيرة الاقتصاد المتخصصة بقبرص إنه بينما حالت الخطة دون خروج قبرص من منطقة اليورو يتساءل كثيرون من القبارصة عما إذا كان الخروج أفضل بأي حال. وقالت مولن لوكالة الصحافة الفرنسية «يشعرون أن دولا كثيرة خدعتهم في هذه المسألة وأعتقد أنه سيكون لذلك تداعيات على المدى البعيد».

وقالت مولن وهي من الشركاء في «ستراتا إينسايت» لاستشارات مخاطر سياسة الطاقة، إن الرقابة على الرساميل تشمل قيودا صارمة على السحوبات من أجهزة الصرف الآلي ستستمر على الأرجح لعدة أسابيع.

وأضافت «هذا يعني أنه سيكون من الصعب على الشركات دفع الرواتب وشراء السلع وما شابه»، مضيفة أن تأثير ذلك «لم يتم التفكير فيه جيدا».

وقالت «الشركات الكبيرة هي شركات استيراد المواد الغذائية وبائعي المواد الغذائية ومستوردي الأدوية وستتأثر على المدى القصير سلع كالمواد الغذائية والقبارصة بدأوا بالفعل بتخزين المواد الغذائية في الأيام القليلة الماضية». والمستقبل البعيد المدى يبدو أكثر كآبة حيث من المرجح أن يتعرض الاقتصاد لأكبر ضربة له منذ الاجتياح التركي لشمال الجزيرة، بحسب ما حذرت المحللة.

وردا على سؤال عن التأثير المحتمل على النمو قالت مولن «فلنقل ناقص 15% في السنة الأولى وناقص 5% في السنة التالية». وأضافت «نسبة البطالة حاليا 15%. ومع (تصفية) لايكي ستصبح فورا 17,5%. وستصبح 20% في غضون ثلاثة أشهر و26% خلال عام».

من جانبه قال الحاكم السابق لمصرف قبرص المركزي افكسنتيس افكسنتيو إن تأثير خطة الإنقاذ سيستمر لفترة تصل إلى عشرة أعوام. وقال للإذاعة العامة «تعرضت قبرص لضربة كبيرة ومستوى معيشتنا سيتراجع بسرعة، رغم أن الاقتصاد ربما يقدر على الانتعاش خلال سنتين إلى ثلاث، سيكون مستوى المعيشة بحاجة لعشر سنوات ليعود».

من جانبه قال نيل ماكينون خبير الاقتصاد لدى «في.تي.بي كابيتال» في لندن «إن تحجيم النظام المالي هو الهدف الواضح للاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي»، مضيفا أن ذلك يعني «خسارة وظائف وقيودا على القطاع المصرفي» مع «أثر سلبي على الاقتصاد والذي سيكون قاسيا جدا».

وأثار ماكينون شكوكا حيال موقف قبرص من اليورو رغم صفقة الإنقاذ.

وقال «ربما هي ردود الفعل الاجتماعية والسياسية في قبرص التي تجعل العداء تجاه الاتحاد الأوروبي يتراكم ولا يمكنك استبعاد خروجا مستقبليا» (من اليورو). وأضاف ماكينون أن «التداعيات الأوسع على اقتصاد الاتحاد الأوروبي وعلى المدى البعيد هي أيضا متشائمة».