منازعات ضريبية بين الهند والشركات متعددة الجنسيات

«إرنست أند يونغ»: 1500 قضية بشأن تسعير تحويلات الأسهم أمام القضاء الهندي منذ فبراير 2011

أحد أفرع فودافون التجارية في الهند («الشرق الأوسط»)
TT

تخوض الهند، التي تحتاج بشدة إلى الاستثمارات الأجنبية لإنقاذ اقتصادها المتداعي، نزاعا ضريبيا مع مجموعة من أكبر الشركات المتعددة الجنسيات في العالم بسبب الخلاف على العائدات الضريبية. وقد أصدرت سلطات الضرائب الهندية إخطارات ضريبية للكثير من الشركات العالمية العملاقة بقيمة مليارات الدولارات.

وتمتد تلك النزاعات الضريبية لتشمل شركات عالمية مثل شركة «رويال دتش شيل» للبترول، وشركة «فودافون غروب» للهاتف المحمول التي تتخذ من بريطانيا مقرا لها، علاوة على بعض الشركات الأميركية مثل «غاب انكوربوريشن» و«مايكروسوفت» و«جنرال إلكتريك»، فضلا عن شركة «إل جي للإلكترونيات» الكورية الجنوبية، وشركة «أسينداس» السنغافورية للعقارات، وشركة «كابجيميني» الفرنسية المتخصصة في مجال تكنولوجيا المعلومات، وغيرها من الشركات التي تطالبها السلطات الهندية بدفع ضرائب أعلى من تلك التي دفعتها بالفعل لقيامها بنقل أسهم من فروعها في الهند وبالخارج بأسعار زهيدة للغاية. وقد أدت تلك الإجراءات من قبل السلطات الهندية إلى إثارة حالة من الجدل، في الوقت الذي تعهدت فيه الشركات متعددة الجنسيات بالطعن على تلك المطالب الضريبية.

وكشف مسح أعدته مؤسسة «إرنست أند يونغ» في أغسطس (آب) 2012 أنه يوجد ما لا يقل عن 1500 قضية بشأن تسعير تحويلات الأسهم أمام القضاء الهندي منذ شهر فبراير (شباط) 2011.وقد تلقت شركة «فودافون» العملاقة، التي تدخل بالفعل في معترك قضائي أمام محكمة مومباي العليا بشأن خلاف ضريبي مع سلطات الضرائب الهندية يصل إلى 1.6 مليار دولار، طلبا جديدا بتسعير الأسهم من الهند الشهر الماضي فيما يتعلق بسعر الوحدة، وهو ما زاد من مخاوف الشركة فيما يتعلق بقضية الضرائب في الهند. وتقول هيئة الضرائب الهندية إن شركة «فودافون» قد قامت بتحويل أسهم بقيمة أقل كثيرا من قيمتها السوقية إلى إحدى الشركات التابعة لها في موريشيوس بقيمة 13 مليار روبية (244 مليون دولار)، في الوقت الذي أعلنت فيه «فودافون» عن أنها ستطعن على ذلك.

وكانت المصلحة الهندية لضرائب الدخل قد فرضت ضرائب بقيمة 2.5 مليار دولار على «فودافون» نتيجة استحواذها على شركة «هوتشيسون إيسار تليكوم» للخدمات في شهر أبريل (نيسان) 2007.وتقول سلطات الضرائب الهندية إن هذه الصفقة قد شملت شراء أصول إحدى الشركات الهندية، ولذا فإن تلك المعاملات، أو حتى جزءا منها، يخضع للنظام الضريبي في الهند. وكانت «فودافون» قد فازت بالمعركة القضائية التي استمرت لمدة خمس سنوات كاملة عندما أصدرت المحكمة العليا حكما لصالح الشركة العام الماضي، مضيفة أن إدارة ضرائب الدخل الهندية «غير مختصة» بفرض ضرائب على المعاملات الخارجية بين الشركات القائمة خارج الهند.

وكانت الهند قد غيرت قانون ضرائب الدخل عام 2012 لكي تضمن عدم تهرب أي شركة في ظروف مماثلة لشركة «فودافون» من الضرائب بسبب عملها في ملاذات ضريبية مثل جزر كإيمان أو ليختنشتاين.

وفي نفس الوقت، تلقت شركة «شل» البريطانية الهولندية العملاقة إخطارا ضريبيا جديدا بشأن تحويلات الأسهم بين شركة «شل انديا» وشركة «شل غاز» التابعة لها، حيث اتهمتها سلطات الضرائب الهندية بتخفيض قيمة الأسهم بـ2.7 مليار دولار، وهو ما أثار عاصفة من الاحتجاجات في شركة «شل» التي وصفت هذا الإخطار بـ«السخيف»، وتعهدت بالطعن عليه «بقوة».

وفي حديثها للصحافة في الآونة الأخيرة، قالت مدير شركة «رويال دتش شل» ياسمين هيلتون: «إننا بحاجة لأن تكون الهند مستقرة ماليا وقانونيا وضريبيا، حتى لا نواجه بالمفاجآت على طول الطريق».

من الجدير بالذكر أن قانون تكنولوجيا المعلومات الهندي يعطي صلاحيات واسعة لإدارة الضرائب، بالشكل الذي يمكنها من فرض ضرائب على أي نوع من الصفقات بين الشركات التي لها بعض الحصص أو الأسهم في الهند، ويشمل ذلك توفير الخدمات والإقراض والاقتراض، والأهم من وجهة نظر ضريبة الدخل أن ذلك يشمل أيضا أي معاملات يكون لها تأثير على أرباح وخسائر وعائدات وأصول هذه الشركات.

وكانت شركة «نوكيا» الفنلندية قد احتجت في وقت سابق من الأسبوع الجاري على التحقيق الضريبي المتعلق بها في الهند، وقالت: إنها لم تتلق حتى الآن أي معلومات عن المطالبات المحتملة الناجمة عن التحقيق الذي بدأ في يناير (كانون الثاني) الماضي. وأضافت الشركة أن الإجراءات التي اتخذتها السلطات الضريبية «غير مقبولة وتتعارض مع المعايير الهندية للإدارة والعدالة». واعترضت الشركة على دخول المسؤولين لمصنعها في تشيناي بجنوب الهند، التي يعد أحد أكبر مرافق الشركة العملاقة. وقالت «نوكيا» إنها قد استثمرت أكثر من 330 مليون دولار في تشيناي منذ إنشاء المصنع عام 2006.وقال مسؤول بارز في الضرائب الهندية في يناير الماضي إن التحقيق يتعلق بمزاعم بأن «نوكيا» قد تهربت من سداد ضرائب تصل إلى 30 مليار روبية (558 مليون دولار).

وامتدت تلك النزاعات الضريبية لتشمل شركة «إل جي» للإلكترونيات، والتي تلقت هي الأخرى إخطارا ضريبيا من سلطات الضرائب الهندية لكي تدفع الضرائب المفروضة على النفقات «المفرطة» على الإعلانات والتسويق في الهند.

ونتيجة للنظام الضريبي غير المستقر في الهند، أرسلت مجموعة تجارية دولية، تمثل أكثر من 250.000 شركة، خطابا إلى رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ العام الماضي يشكو من أن الاقتراحات الضريبية الجديدة التي تريد الحكومة تطبيقها بأثر رجعي سوف تجعل الشركات الأجنبية تعيد النظر في استثماراتها في البلاد.

ويعد هذا الخطاب، الذي يمثل سبع مجموعات أعمال أجنبية، أكبر رسالة انتقاد من مجتمع الأعمال بالخارج للحكومة الهندية التي فشلت في سن إصلاحات قانونية لجذب الاستثمار وإنعاش النمو. وقال الخطاب، الموقع من الكثير من الجهات بما في ذلك مجموعة «بيزنس راوندتيبل» واتحاد الصناعات البريطانية والمجلس التجاري الخارجي الياباني والهيئة الكندية للمصنعين والمصدرين: «لقد أدت الخطوة المفاجئة وغير المسبوقة بشأن الضرائب إلى تقويض الثقة في السياسات التي تتبعها الحكومة الهندية إزاء الاستثمار الأجنبي والضرائب وألقت ظلالا من الشك على سيادة القانون والإجراءات القانونية الواجبة والمعاملة العادلة في الهند».

ووصل متوسط معدل الضريبة على الشركات في آسيا في عام 2013 إلى 22.89%، مقابل 20.49% في أوروبا، في حين ارتفعت هذه النسبة لتصل إلى 32.45% في الهند.

وقالت مصادر مطلعة داخل وزارة المالية الهندية إن الوزارة تبذل جهودا حثيثة لكي تخفف من حدة القوانين الضريبية التي أثرت على الثقة في الاستثمار في الهند. وتلقت الحكومة الهندية انتقادات حادة من قطاع الشركات بسبب النظام الضريبي القاسي الذي تم تطبيقه بداية من العام الماضي، في الوقت الذي تعاني فيه الهند من تباطؤ اقتصادي حاد وتسعى لتشجيع الاستثمار.

ومن جانبه، اتخذ وزير المالية الهندي بي شيدامبارام عدة تدابير لطمأنة المستثمرين بشأن استقرار السياسات الضريبية في الهند، بعد الأثر السلبي الذي تركته بعض المقترحات الضريبية في 2012-2013 والتي أدت إلى ترويع المستثمرين. وقد أرجأت الحكومة تطبيق القواعد العامة لمكافحة التهرب الضريبي إلى 2016. وتعهدت بتوفير بيئة ضريبية جاذبة للمستثمرين.

وخلال حديثه عن الميزانية، لمح شيدامبارام إلى بعض التعديلات في قانون المالية لعام 2013. كما أوصت اللجنة التي يترأسها المستشار الاقتصادي لوزير المالية بارثاساراثي شوم بعدم فرض رسوم ضريبية على صفقات الاستحواذ والدمج التي تمت في الماضي أو بتنازل الحكومة على الفوائد والعقوبات. ويحتاج وزير المالية لموافقة البرلمان لمنح الإعفاءات الضريبية للشركات الأجنبية.

وقال مسؤول بارز بوزارة المالية الهندية، رفض الكشف عن هويته: «من المرجح أن يصل وزير المالية إلى تفهم مع البرلمان بشأن مسألة تطبيق القوانين بأثر رجعي»، في الوقت الذي امتنع فيه عن التعليق عما إذا كانت الحكومة تفكر في التنازل عن مشروع قانون الضريبة بالكامل أو إلغاء الفائدة والرسوم على الضرائب المستحقة.

وقد تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر في الهند بنسبة 43.3% ليصل إلى 15.85 مليار دولار خلال الفترة بين شهري أبريل ونوفمبر (تشرين الثاني) من السنة المالية الحالية، مقابل 27.93 مليار دولار خلال الفترة المماثلة من العام الماضي، وفقا لدراسة الحالة الاقتصادية لـ2012-2013 من الأسبوع الجاري.

وقال دينيش كانابار، وهو نائب الرئيس التنفيذي لشركة «كيه بي إم جي»: «تبدو الأمور إيجابية في ظل إرجاء الحكومة للقواعد العامة لمكافحة التهرب الضريبي وقبول توصيات لجنة ناجاتشاري. ومع ذلك، يبدو أن هناك تفاوتا بين مستوى السياسات وما يحدث على أرض الواقع».