المرشح المكسيكي لإدارة «التجارة العالمية»: 3 تحديات تعوق عمل المنظمة

بلانكو لـ «الشرق الأوسط» : نمثل رابع أكبر مصدر لمنتجات السيارات.. وتتجاوز صادراتنا مليار دولار يوميا

د. هيرمينيو بلانكو مرشح الحكومة المكسيكية لمنصب مدير عام منظمة التجارة العالمية (تصوير: إقبال حسين)
TT

أكد مرشح الحكومة المكسيكية لمنصب مدير عام منظمة التجارة العالمية أن المكسيك اكتسبت من التجربة ما مكنها من أن تتجاوز صادراتها اليومية مليار دولار يوميا، وتمثل رابع أكبر مصدر لمنتجات السيارات في العالم، ومن حقها أن ترشح من ساهم في الوصول إلى هذا المنصب، متطلعا لدعم السعودية للوصل إلى هذا الهدف.

وأوضح الدكتور هيرمينيو بلانكو المرشح المكسيكي للمنظمة في حواره مع «الشرق الأوسط» أن المنظمة تواجه ثلاث معوقات، أولها كيفية إنهاء المفاوضات التي تقودها بطريقة مفيدة، بالإضافة إلى ضرورة إنشاء قوانين بديلة تنسخ معوقات تدفق البضائع عبر الدول وتضارب التعريفات الجمركية، مشيرا إلى أنه لا توجد أجندة واضحة للمتفاوض في المنظمة.

وعلى مستوى المكسيك، أقر بلانكو، وهو زير الصناعة المكسيكي السابق، أن الأزمة أثرت في تراجع اقتصاد بلاده بنحو 7 في المائة عام 2009، غير أن السياسات الاقتصادية أنقذته من الانهيار، بل أصبح منافسا وناميا ومصدرا وجاذبا للاستثمارات في قطاعات مهمة مثل السيارات.

***

* لماذا أنت الآن في السعودية؟ وهل تعتقد أن للمكسيك ولك شخصيا من التجارب الكفيلة ما يضمن لك الفوز بمنصب مدير عام منظمة التجارة العالمية؟

- لعلمنا بالدور القيادي الكبير الذي تلعبه السعودية في العالم وفي العالم العربي، وبالتالي دعمنا لخوض هذه التجربة، والمكسيك متمثلة في شخصي رشحتني لمدير عام لمنظمة التجارة العالمية، وأعتقد أننا مؤهلون لسببين، أولا أن المكسيك أظهرت أن التجارة أداة فعالة في التنمية، حيث إنها تصدر كل يوم ما قيمته مليار دولار، وأنا شخصيا لي دور في التغيرات التي وضعت المكسيك في هذا المستوى، كما أنني كنت المفاوض الرئيس لاتفاقية النافتا والمفاوضات بين المكسيك وأميركا، كما أنني كنت وزيرا عندما تفاوضت المكسيك مع الاتحاد الأوروبي، وتفاوضت أيضا مع دول صغيرة مثل نيكاراغوا، وكوستاريكا، وبوليفيا، ومع أن بلدنا يواجه مشكلات دولة نامية ولكننا حققنا نجاحات كبيرة في عدد من القطاعات، حيث نمثل أكبر رابع مصدر لمنتجات السيارات في العالم، ويمكننا أن نلعب دور الدول الكبرى والنامية في نفس الوقت، وسبق أن واجهنا أكبر تحدٍّ عام 1995 عندما كان قطاعنا المالي يمر بمرحلة حرجة، وتعلمنا كيف نواجه هذه المواقف الحرجة، فضلا عن أنني عضو مجلس إدارة في شركات مكسيكية وشركات دولية ومستشار لعدد من الشركات المكسيكية المصدرة، ومستشار لحكومات صغيرة في العالم.

* برأيك، ما أبرز التحديات التي تواجهها المنظمة حاليا؟

- أعتقد أن التحدي الأول هو إنهاء هذه المفاوضات بطريقة مفيدة، ذلك لأنها تمثل أجندة مكتملة، والنقطة الأولى التي تمثل مركز هذه الأجندة هي التنمية، إذ لدينا في منظمة التجارة العالمية 158 دولة من بينها دول صغيرة، ودول في مرحلة منخفضة من النمو.

* وكيف تؤدي التجارة إلى تعزيز نمو هذه الدول؟ وهل من تحديات أخرى؟

- أعتقد أنه لا بد أن تنتهي المفاوضات بفرص مفتوحة للدول النامية، باعتباره التحدي الأكبر، إذ إن 12 عاما من المفاوضات لم تحل الإشكالات، فالعالم تغير في عدة أوجه، ذكرت أحدها، وهو اتفاقيات التجارة الحرة الضخمة، حيث إنه على الرغم من تخفيض التعريفات الجمركية في عدد من الدول، فإن هناك عقبات جديدة أمام التجارة (ما يقال له الموانع وراء الحدود). لذا رغم عدم دفع تعريفات عالية، فإن هناك عوائق أخرى تضعها الحكومات، فكان لا بد لمنظمة التجارة العالمية أن تنشئ قوانين وإجراءات وقواعد لمنع هذا النوع من السلوك الذي يعوق تدفق البضائع عبر الدول.

* هل تعتقد أن هناك بعض الأخطاء التي ارتكبتها المنظمة على مدى عملها سابقا؟ وما أثرها على عملها؟

- هناك تطور ومشكلات ولا أقول أخطاء، فعندما تناقش حاجات هذا العدد الكبير من الدول فسيكون هناك عدم استعجال من وجهة نظر عدد من القادة لدفع هذه المفاوضات، ومن الواضح أنه منذ 2008 واجه العالم الأزمة المالية، حيث جعلت كل واحد أقل حماسا لفتح اقتصاده، ولكن هذه الأعوام الأخيرة أظهرت تحديا كبيرا لمواجهة الأزمة، ذلك أن الرغبة في التفاوض قد قلت. ومن الأجندة الفسيحة، فإن عدم مشاركة القطاع الخاص للدفع في الحكومات، ليكون أكثر مرونة، ليقرب وجهات النظر، تعتبر أهم المشكلات الرئيسة في 2008، ومن ذلك التاريخ وإلى الوقت الحاضر أعتقد أن هذه الأزمة كانت العائق الأكبر للمنظمة.

* ما أبرز المنازعات التجارية على مستوى العالم؟ وما دور المنظمة فيها؟ وهل من مثال يوضح ذلك؟

- يمكنني القول إن هذه هي إحدى المناطق الناصعة للمنظمة، التي تجعلها مختلفة عن الكثير من المنظمات الأخرى، إذ لديها السلطة لتحل الإشكالات بطريقة نظامية يحكم بها الوسطاء والخبراء والقضاء على سلوك الدول ليبينوا ما إذا كانت الدولة قد تجاوزت تعهداتها للمنظمة، حيث كان هناك أكثر من 400 قضية تم حلها بطريقة أو بأخرى، إما عن طريق قرارات الحكام وإما المفاوضات النهائية، وثمة شيء مهم جدا أن هذه النزاعات لم تتقدم كثيرا، لأن طريقة الحل كانت فعالة، حيث إن غالبية الدول لم تقُم بإجراءات تتجاوز بها تعهداتها، ولذلك لم يكن هناك الكثير من النزاعات.

* أي من هذه النزاعات كان الأهم؟

- للحديث عن أي من هذه النزاعات كان الأهم هناك صعوبة، غير أن أحد النزاعات التي كانت لها أهمية كبرى للدول الأقل نموا، خصوصا لبعض الدول الصغيرة في أفريقيا، هو موضوع زراعة وصناعة وتصدير القطن، إذ كان هناك دعم حكومي في أميركا، إلا أنه كان ذا أثر سيئ وكبير على الدول الصغيرة في أفريقيا، كذلك هناك نزاع مهم بين دولة البرازيل وأميركا، وهذا له علاقة كبيرة بعدد من الدول النامية الصغيرة.

* إلى أي حد أثبت النظام التجاري المتعدد نجاحه على التجارة العالمية والصادرات والإنتاج والتوسع التجاري؟

- أعتقد أن النظام التجاري المتعدد نجح على صعيد التجارة العالمية والصادرات والإنتاج والتوسع التجاري، حتى ومنذ أيام «الغات» حيث كانت فعالة جدا، ولدينا عدد من جولات الحوار لمنع الدعم، وهذا عزز التجارة بين الدول وفتح التجارة للدول النامية لتدخل أسواقها، لذا سوف أقول: كان لهذا فائدة عظيمة، ولكن بعض القطاعات المهمة من الاقتصاد ظل مغلقا، خصوصا قطاع الزراعة، وحتى الآن لديه الكثير من العوائق في أميركا، واليابان، وكوريا، وسويسرا، وفي أوروبا. والحقيقة هناك كميات كبيرة من الدعم، أو كما يقال دعم داخلي لمختلف المنتجات، أيضا وجود دعم الصادر للمنتجات الزراعية، ولذلك فإنه حتى ولو تطورت التجارة أكثر من تطور الإنتاج في العالم - وهو مؤشر على أن المنظمة عملت جيدا - سيبقى هناك عدد من المناطق تحتاج إلى مزيد من الإدراك، الذي يرتبط مع مزيد من التجارة، ومن المهم أن ذلك سيكون له أثره على نمو التجارة لتلعب فيه الدول النامية دورا مهما، والدول النامية ستستفيد، وهذه الفائدة تنعكس على التوظيف ورفاه المواطنين.

* أثارت العولمة القلق لدول غنية عدة بأن التجارة الحرة مع دول فقيرة تنطوي على تهديدات بفقدان الوظائف والازدهار، ما سيؤدي إلى إضعاف الالتزام السياسي تجاه التجارة الحرة.. كيف تقرأ ذلك؟

- هذا موقف اتخذته بعض مجموعات المصالح في الدول المتقدمة، ولذلك أعتقد أن العكس هو ما حدث، وأستطيع أن أعطيك نموذجا، فمثلا في بلدي المكسيك عندما ناقشنا مفاوضات التجارة الحرة لدول أميركا الشمالية مع أميركا فإن موقف مجموعات المصالح في الأخيرة قال إن هذه المفاوضات ستسرق الوظائف من الأميركيين، وتذهب هذه الوظائف إلى المكسيك، ولكن بالطبع فإن هذه الاتفاقية التي فتحت الأسواق الأميركية للمكسيك كانت مفيدة جدا لبلدي، وفي الوقت نفسه كانت مفيدة جدا لأميركا، حيث إن المكسيك كلما نمت فإنها تشتري منتجات أكثر من الأخيرة، وهذا ما يقال عنه عادة حالة «الكل رابح»، وليس سرقة وظائف من دولة إلى أخرى، فأنا أؤمن بأن التجارة تفيد الدول في جانب خلق الوظائف، وأيضا فإن سكانها يحصلون على منتجات أفضل وجودة وبأسعار عادلة.

* ألا تعتقد أن النظام العالمي والقيود التي تفرضها الدول العظمى أثرت على اتجاهات الاقتصاد العالمي وخلقت نوعا من التكتل ضد بعض الدول؟

- أعتقد أن سؤالك عالي الحساسية، خصوصا بالنسبة لتلك المناقشات التي تجرى في جنيف من جانب، ولكن على الجانب الآخر دعنا نتحدث عن المنتجات الزراعية كمثال قد يوضح شيئا من الإجابة، إذ إن المنتجات الزراعية في الدول المتقدمة جدا تجد فيها هناك مقاومة، ذلك أن هناك جماعات صاحبة مصالح لا تريد تخفيض الرسوم والدعم، ومجموعات الضغط هذه لا تفضل هذه المفاوضات، وبالتالي بالنسبة إلى الدول النامية والدول الأقل نموا يمكن أن تحقق المفاوضات الأفضل لكل منها، ولكن أيضا بالنسبة للدول المتقدمة، فإن افتتاح أسواقها أكثر اتساعا بمثابة مبادلة لافتتاح أسواق لها للمنتجات الزراعية، وبالتالي من الأهمية بمكان أن تحصل على أسواق بالدول النامية، وهذا سيؤدي إلى عالم أفضل للدول النامية والأقل نموا والمتقدمة على حد سواء.

* هناك من يطالب المنظمة بأن توازن بين مهاجمة السياسات الداخلية التي تؤدي إلى تشوهات خطيرة في التجارة، وبين تفادي التحديات على السيادة الوطنية.. كيف يمكننا فهم ذلك؟

- كل ممارسات التجارة لديها علاقة مع السياسة الداخلية، ومن الأكيد أن هناك بعض السياسات الداخلية التي يمكن أن تمنع تدفق التجارة أو تدفق الاستثمار، وهذا الموضوع له علاقة كبيرة بها، فعندما تريد أن تفتح الأبواب للتجارة فهناك حاجة إلى إصلاح السياسات الداخلية، وبالتالي هناك تكامل بين تحرير التجارة والسياسات الداخلية، وفحوى السؤال له علاقة كبيرة بما يسمى بالموانع خلف الحدود، ذلك أن الدول حتى ولو قللت التعريفات فما حدث هو أن لديها مختلف الطرق لتضغط على الوارد، وأن تضع مختلف التقييدات على الوارد، لذا فإنني أعتقد أن ثمة علاقة واضحة بين إصلاح السياسات الداخلية والانفتاح على العالم.

* هناك مطالبات للدول الأعضاء الكبرى بأن تتفق على ضرورة تخويل المنظمة للتعامل والترابط بين التجارة ومكافحة الاحتكار.. كيف تنظر إلى ذلك؟

- هذا سؤال مهم جدا، ولكنه في واقع الأمر لا توجد حوله أجندة واضحة للمتفاوض في منظمة التجارة العالمية، غير أن هذا الموضوع من الأهمية بمكان، ومن المفترض أن يناقش على الأقل، فمنظمة التجارة العالمية كما يقال منظمة يحركها الأعضاء، وحتى لو أن التعريفات والموانع الأخرى قد أزيلت عند الحدود، وكان في داخل الدولة احتكار قوي غير مقنن، فإنه من الممكن أن يمنع تدفق المنتجات. لذا أؤمن بأهمية هذا الموضوع ومناقشته لدى الأعضاء.

* على مستوى المكسيك، كيف تنظر إلى حجم وأداء الاقتصاد هناك؟ وهل الأزمة المالية نالت منه؟

- لسوء الحظ فإن الأزمة أثرت علينا، ففي عام 2009 ونتيجة لتراجع الاقتصاد في أميركا فإن اقتصادنا قد تراجع بنحو 7 في المائة، ولحسن الحظ فقد تعافينا لأن الاقتصاد المكسيكي أصبح منافسا جدا ويمكنه النمو والتصدير، فالتصدير يقود اقتصادنا لجذب الاستثمارات في قطاعات مهمة مثل السيارات، وهذا مكن المكسيك من تجربة عريقة وبالتالي إدارة آثار الأزمة لتكون في أصغر إطار.