3 سبل تمكن دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من تسريع وتيرة الرقمنة

«بوز آند كومباني» تتوقع استحداث 4 ملايين فرصة عمل بحلول 2020

الخدمات الرقمية تمثل ما بين 2 إلى 5 في المائة من إجمالي عائدات شركات الاتصالات في المنطقة («الشرق الأوسط»)
TT

أوضحت شركة «بوز آند كومباني» للدراسات العالمية عن وجود فرصة تلوح في أفق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتوقع النمو المستدام لاقتصادها واستحداث فرص عمل هي في أمس الحاجة إلى توفيرها، وذلك في حال تعزيزها لاستخدام تقنيات الرقمنة في شتى مناحي الحياة.

وقالت الشركة في التقرير الذي عنون بـ«السبيل إلى تسريع وتيرة الرقمنة في منطقة الشرق الأوسط» إن الاعتماد الشامل للتقنيات والتطبيقات المتصلة بالإنترنت، والمعروف بالرقمنة، شهد من قبل الأفراد والشركات والحكومات في المنطقة تسارعا مذهلا في بادئ الأمر، حيث كانت دول المنطقة ضمن أسرع الدول العالمية في وتيرة اعتماد تقنيات الرقمنة، وذلك وفقا لتصنيف مؤشر الجاهزية الشبكية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2009 - 2010.

وأضاف التقرير «غير أن تلك الوتيرة أخذت في التباطؤ من ذلك الحين، فقد أدارت الحكومات دفة أولوياتها الاستثمارية نحو مجالات أخرى على غرار البرامج الاجتماعية والأمن، وقد أسهمت في ذلك الطبيعة دائمة التغير لقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، وهو الوسط الذي تعتمد عليه تقنيات الرقمنة، مما صعّب على الحكومات وضع سياسات الرقمنة وأطر حوكمتها وتطويرها».

وأشار إلى أنه على الحكومات خلق التوازن في ما بين المبادرات التي تحركها الاتجاهات السوقية وتلك التي تقودها الدولة، كما يتعين عليها في الوقت ذاته التعامل مع عدد كبير من الأطراف المعنية، بما في ذلك الشركات وكل الفئات السكانية على غرار القطاع العريض من الشباب المستخدمين لتقنيات الرقمنة ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و35 عاما، والذين أصبح يُطلق عليهم مؤخرا جيل الرقمنة العربي.

وقال بهجت الدرويش، الشريك في «بوز آند كومباني»: «إذا عادت وتيرة الرقمنة إلى سابق عهدها فستنتعش المنطقة بأسرها وتنعم بمكاسب جمة تعود بالنفع على الاقتصاد وفرص العمل وحركة التجارة، فما إن تعود وتيرة الرقمنة إلى ما كانت عليه في المنطقة، حتى تسهم في الناتج المحلي الإجمالي بمبلغ قد يصل إلى 820 مليار دولار، وسيتم استحداث ما يربو على 4 ملايين فرصة عمل بحلول عام 2020 على أساس تراكمي». وزاد «مقارنة بالقيمة التي حققتها السوق الإقليمية للخدمات الرقمية في عام 2011 والتي بلغت 22 مليار دولار، فهي تواصل نموها بمعدل سنوي مركب يبلغ 12 في المائة، ومن المتوقع أن تحقق قيمة توازي نحو 35 مليار دولار بحلول عام 2015».

وبين التقرير أنه من أجل تنشيط وتيرة الرقمنة في المنطقة ستحتاج أبرز الأطراف المعنية إلى التركيز على 3 محاور وهي: تسريع وتيرة تطوير سياسات الرقمنة، وأطر حوكمتها، وتوسيع نطاق عروض الخدمات والمنتجات الرقمية، وتحفيز الطلب عليها.

وبشأن تسريع وتيرة تطوير سياسات الرقمنة وأطر حوكمتها قال رامز شحادة، الشريك بشركة «بوز آند كومباني»، إن السياسة والحوكمة لهما عظيم الأثر على الرقمنة، وذلك بما تلعبانه من دور في خلق بيئة ملائمة، إلا أن تطويرهما أمر يتعذر على الحكومات نظرا لاختلاف طبيعة البيئة الخاصة بكل دولة، فضلا عما يشهده قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات من تغيير متسارع». وزاد «ها نحن ذا نجد تقنيات الاتصالات والمعلومات تعمل على تمكين المستخدمين في ظل انتشار مقدمي الخدمات الرقمية في كل مكان على مستوى العالم». وتابع شحادة «غير أن هناك 5 مجالات يجب تأسيسها من أجل تمهيد الطريق لتسريع وتيرة الرقمنة، وعلى رأس هذه المجالات يأتي نظام الدفع عبر الإنترنت لعموم المنطقة، ففي الوقت الحالي لا تُطبِق سوى 12 دولة من أصل 22 دولة عضوا في صندوق النقد العربي نظام الدفع الآني عبر الحدود، ثانيا، على حكومات المنطقة توحيد الأنظمة والتعريفات عبر الحدود حتى تصبح التجارة الإلكترونية مجدية، فالآن على سبيل المثال أصبحت تكلفة إرسال البضائع من نيويورك إلى السعودية أقل من إرسالها من الإمارات، أما بخصوص المجال الثالث فهو يتعلق بالحماية القانونية لرواد الأعمال الرقمية، والتي تمثل روحا لازدهار الابتكار، فعوضا عن إعاقتهم بفرض قوانين الإفلاس القاسية والمثبطة للهمم، ينبغي تهيئة المناخ لهم للتركيز على تقديم عروض رقمية مبتكرة». وزاد «يتمثل المجال الرابع في الشراكة بين القطاعين العام والخاص، فهذه المشاريع التعاونية تسمح للسلطات الحكومية بمشاركة الأطراف الفاعلة في القطاع الخاص، مما يتيح لكل طرف المساهمة بما يملكه من مواطن القوة في استحداث المزيد من الخدمات والمنتجات الرقمية. أما المجال الخامس فهو يستلزم عملا تأسيسيا ويتعلق بتبني أجندة شمولية للأمن الإلكتروني الوطني الذي ينخرط فيه لفيف من الأطراف المعنية، وفي هذا الصدد لم يبدأ إلا القليل من بلدان المنطقة في تنسيق جهود الأمن الإلكتروني على النحو الملائم، الأمر الذي إذا لم تتداركه باقي بلدان المنطقة، فقد تتكبد تكاليف باهظة نظرا لتفشي التهديدات الإلكترونية وتزايد تعقيدها».

وبالعودة إلى الدرويش في ما يتعلق بتوسيع نطاق العرض أشار إلى أن المنطقة تحتاج إلى إمدادات مستمرة من الخدمات والمنتجات الرقمية المبتكرة للمضي قُدما في مسيرة الرقمنة، ومن أجل تكثيف تدفق الخدمات والمنتجات الرقمية ينبغي على حكومات المنطقة إطلاق مبادرات للعرض تعمل على تطوير المنظومة الرقمية بحيث يُمكن إرخاء العنان للجهود القائمة في مجالات عدة على غرار الرعاية الصحية الإلكترونية. وأضاف «من ناحية أخرى، تحتاج الحكومات، نظرا للتغير المستمر في معالم القطاع، إلى تبني منهج واسع النطاق قادر على استيعاب مختلف موردي النظم الذين لن يقتصروا على شركات الاتصالات المحلية فحسب، بل سيمتد نطاقهم ليشمل مجموعة كبيرة من الأطراف الفاعلة، انطلاقا من مُصنعي الأجهزة والأدوات ووصولا إلى مُقدمي البرمجيات والمحتوى الرقمي وحتى الأفراد ممن يصممون التطبيقات».

وفي هذا السياق، قال تقرير «بوز آند كومباني»: «تضطلع شركات الاتصالات في المنطقة بدور أساسي في توسيع نطاق عروض الخدمات والمنتجات الرقمية. فبالتزامن مع التراجع الحالي في نضج أسواقها التقليدية لخدمات الصوت والبيانات، تُمثل الرقمنة فرصة واعدة للنمو في الفترة المقبلة، فهناك أفق رحب بانتظار تلك الشركات. وجدير بالذكر أن الخدمات الرقمية تُمثل ما بين 2 إلى 5 في المائة من إجمالي عائدات شركات الاتصالات في المنطقة، في حين تُمثل هذه الخدمات ما يصل إلى 25 في المائة من عائدات شركات الاتصالات في الأسواق المتقدمة».

ومن أجل المنافسة في سوق الخدمات الرقمية، تحتاج شركات الاتصالات إلى تطوير قدراتها الابتكارية، واستحداث النظم التقنية وطرحها في الأسواق، كما يمكنها بناء بعض من هذه القدرات على الصعيد الداخلي، وفي بعض الحالات سيلزمها الاستحواذ على شركات أخرى، أو سيتعين عليها الدخول في شراكات تعاونية.

ويتجلى المحور الثالث لتسريع وتيرة الرقمنة وهو تحفيز الطلب في تشجيع الطلب على الخدمات والمنتجات الرقمية من جانب المستهلكين والشركات والحكومات، وعلى وجه الخصوص يمكن لحكومات المنطقة توسيع نطاق الطلب عن طريق تبني أساليب متعددة على غرار تقديم الخدمات الرسمية عبر الإنترنت، وإعطاء حوافز للمستخدمين للاستفادة من هذه الفرصة، إضافة إلى تقديم حسومات على الفواتير المدفوعة عبر الإنترنت، أو اعتماد سياسة «البيانات المفتوحة» التي تتيح للجمهور الوصول إلى قواعد بيانات ضخمة ومفتوحة توفر معلومات عمومية وغير حساسة بحيث يمكن للآخرين استخدامها لتطوير تطبيقات وخدمات رقمية.

وأكد الدرويش أنه في نهاية الأمر لا يمكن إلا أن تكون الرقمنة هي آلية محورية لتلبية طموحات وآمال المنطقة المتمثلة في خلق مزيد من فرص العمل والتنويع الاقتصادي، فبمقدور حكومات المنطقة، في إطار منهج إعادة تنشيط الرقمنة، تعزيز مشاركة مواطنيها على نحو أفضل والارتقاء بجودة حياتهم. كما تستطيع الحكومات في ظل الرقمنة تشجيع جيل الشباب المفعم بالحيوية على الفكر التوّاق إلى الابتكار وإذكاء روح المبادرة وريادة الأعمال لديهم، وزيادة أعداد النساء العاملات، ومساندة أفقر أفراد المجتمع للمشاركة في تنمية اقتصاد بلدانهم.