حبيب المالكي: الاقتصاد المغربي سينمو بمعدل نمو 7% العام المقبل وهنالك تدابير جديدة وحوافز في القطاع الزراعي

وزير الزراعة والتنمية المغربي لـ«الشرق الأوسط»: من السابق لأوانه وضع تصورات نهائية حول تأثير اكتشافات البترول على الاقتصاد المغربي

TT

توقع حبيب المالكي وزير الزراعة والتنمية القروية والصيد البحري المغربي أن يكون لاكتشاف البترول والغاز بالمغرب تأثير على الاقتصاد المغربي باتجاه تحسين قدرات المنتوجات الصناعية والزراعية المغربية على المنافسة واستقرار معدل النمو والخروج من دوامة عدم الاستقرار بسبب الظروف المناخية، مشيرا الى أن معدل النمو لهذا العام لا يتجاوز 1%. وان يصل في العام المقبل الى 7% اعتمادا على تقييم ينطلق من موسم زراعي متوسط. لكن المالكي لاحظ في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط»، أنه من السابق لأوانه وضع تصورات واضحة ونهائية حول تأثير الاكتشافات الجديدة للبترول على الاقتصاد المغربي، مؤكدا ضرورة مزيد العناية بالقطاع الزراعي وتوظيف الطاقة كعنصر انتاج وليس لرفع وتيرة الاستهلاك، وكشف تدابير جديدة وحوافز في القطاع الزراعي موضحا ان استراتيجية المغرب الجديدة في المجال الزراعي ترتكز اولا على تحقيق الامن الغذائي الذي يتجاوز حاليا معدله 60 في المائة وانتاج سنوي من الحبوب يناهز 60 مليون قنطار، وهو امر مرتبط بضرورة توسيع السوق الداخلي، وثانيا انعاش الصادرات الزراعية في السوق الخارجي.

وفي ما يلي نص الحوار:

* ما هي ملامح استراتيجية المغرب في الميدان الفلاحي، وكيف سيواجه تحديات العولمة والعلاقة مع اوروبا؟

ـ ترتكز الاستراتيجية الفلاحية للمغرب على محورين، اولا تحقيق الامن الغذائي، وهو امر مرتبط بضرورة توسيع السوق الداخلي، وثانيا انعاش صادراتنا الفلاحية للسوق الخارجي، وهناك ربط جدلي بين السوقين الداخلي والخارجي، ومن اجل ذلك لا بد من اعطاء اهمية قصوى لتأهيل الفلاح المغربي كعنصر بشري فاعل وخلاق ومبدع. ونعمل حاليا ليكون التأهيل ذا فعالية ومردودية اعتمادا على عنصرين، اولهما تشخيص مؤهلات كل منطقة من مناطق المغرب، من خلال وضع خريطة فلاحية جديدة تبرز التعددية الموجودة في مؤهلاتنا ومنتوجنا الفلاحي، وهو تعدد يرتبط بالمناخ ونوعية التربة والمنتوج والتقنيات المناسبة.

ويتعلق العامل الثاني بضرورة تنظيم الفلاح في اطار ما نسميه بسلاسل الانتاج ليتحكم في كافة العمليات من الانتاج الى التسويق مرورا بالتحويل، وذلك في ميادين اساسية: الحبوب والقطنيات وانتاج الحليب ومشتقاته واللحوم والزيوت والسكر، وهي ميادين اساسية لتلبية حاجيات المواطن في المرحلة الاولى.

* ما هي استراتيجيتكم لمواجهة معضلة الجفاف وتأثيرها على استقرار النمو الاقتصادي؟

ـ تتعامل الاستراتيجية الفلاحية الجديدة مع ظاهرة الجفاف ببلادنا كظاهرة بنيوية وليست ظاهرة موسمية، وهي استنتاجات توصلنا اليها بعد تقييم الاوضاع الفلاحية والتقلبات المناخية في العقدين الاخيرين، ونسعى للتنسيق مع التنظيمات المهنية لا لمعالجة آثار الجفاف بل لادماج الجفاف كمعطى مستقر داخل السياسة الفلاحية المتبعة.

* وكيف سيتم ذلك؟

ـ اولا اعطاء تكوين مناسب للفلاح المغربي، ثانيا جعل السياسة الفلاحية سياسة مجالية متخصصة انطلاقا من مؤهلات كل منطقة، ثالثا انعاش البحث الفلاحي، رابعا: توسيع التقنيات التي تساعد على اقتصاد الماء، وعلاوة على كل ذلك انشأنا مرصدا وطنيا خاصا بالجفاف تتمثل وظيفته الاساسية في تجميع كل المعلومات الضرورية، وتقديم العناصر الاستشرافية لتنوير الادارة والحكومة بصفة عامة في ما يجب اتخاذه في الوقت المناسب.

* ما هي نسبة التغطية الذاتية في حاجيات المغرب الغذائية، وما هي الطموحات التي في أفق العقدين المقبلين؟

ـ تفوق نسبة تغطية الحاجيات في جل المواد الغذائية 50 في المائة باستثناء الزيوت التي لا تتجاوز 30 في المائة وانتاج الحبوب بحسب المنتوج الموسمي الفلاحي المرتبط بالتقلبات المناخية، وتوقعاتنا بالنسبة للعقدين المقبلين، هي تغطية حاجيات المواطن من الانتاج الغذائي الوطني مع التركيز على نقط الضعف الاساسية وأولها انتاج الحبوب وقد وضعنا برنامجا وطنيا يهدف الى تأمين حد ادنى من انتاج الحبوب يقدر بمعدل 50 الى 60 مليون قنطار سنويا، وذلك من خلال التحكم في الماء، واستعمال السقي التكميلي.

* ما هو تصوركم لمواجهة مشكل ندرة المياه في المستقبل، وهل هناك بدائل تساعد المغرب بالاضافة للسدود؟

ـ تعتبر سياسة بناء السدود التي نهجها الملك الراحل الحسن الثاني خيارا استراتيجيا ساعد على جعل الفلاحة من دعائم استقرار المجتمع المغربي، ونعمل حاليا في اتجاه استكمال المليون هكتار مع رافد آخر اساسي، يهدف الى خلق توازن حقيقي في مجال السقي ويتعلق بتشجيع وتوسيع السقي الصغير والمتوسط، ونحن الآن بصدد وضع برنامج وطني خاص لاقتصاد الماء الصالح للري، لأن ندرة المياه بالنسبة للمغرب وجميع البلدان التي تنتمي للبحر الابيض المتوسط ستفرض نفسها في العشرين سنة المقبلة.

ويهدف البرنامج الوطني الجديد الخاص باقتصاد الماء الصالح للسقي، لتشجيع الفلاحين على استعمال التقنيات الجديدة للرفع من مردودية الانتاج، لاستهلاك كميات اقل من المياه، وسيكون ايضا اقتصاد في الطاقة، اضافة للتشجيعات والحوافز.

* واجهت صادرات المغرب الزراعية في الفترة الأخيرة صعوبات، فما هو حجم تأثيرها على مكانة صادارات المغرب ككل وما هي توقعاتكم بالنسبة للسنوات المقبلة؟

ـ العوامل الخارجية التي كان لها تأثير سلبي على صادرات المغرب الفلاحية، تتعلق من جهة ببعض سلوكات المنتجين الاسبان التي تمارس احيانا ضغوطات غير لائقة وغير مشروعة، ومن جهة اخرى تتعلق بالتأويل الضيق للاتحاد الاروبي في ما يخص تسويق الطماطم المغربية، لكننا الآن بصدد حوار جدي مع السلطات الاوروبية المعنية، لنتوصل الى حل يتطابق مع المكتسبات في اطار القانون المطبق حاليا، في انتظار مفاوضات الملف الفلاحي قبل نهاية السنة الحالية.

* كيف تنظرون لمستقبل اقتصاديات المنطقة في ظل غياب دور الاتحاد المغاربي بينما تتنامى التحديات ومقتضيات أجندة الاندماج مع الاتحاد الأوروبي؟

ـ ان تنظيم علاقتنا مع الاتحاد الاروبي في اطار اتفاقيات هي عملية تأخذ بعين الاعتبار المصالح الحقيقية لكل الاطراف، ولا يتناقض ذلك مع بناء المغرب العربي الذي هو معطل لأسباب خارجة عن ارادة المغرب، ويشكل الانفتاح على الخارج اختيارا تاريخيا وسياسيا بالنسبة لبلادنا منذ ازيد من اربعين سنة، ويكمن المشكل الذي يتعين طرحه في كيفية توظيف الانفتاح كعنصر تقدم وتطوير وتناسق اجتماعي ببلادنا.

وفي ما يتعلق بالمجال الفلاحي فإن الجواب يكمن في تأهيل العنصر البشري اي الفلاح المغربي، وتسليحه بجميع الادوات المعرفية والتكنولوجية حتى يتمكن في اطار تنظيمات مهنية قوية، من مواجهة جميع التحديات سواء كانت تتعلق بالتقلبات المناخية او بالاسواق الخارجية.

* وهل تتضمن الاستراتيجية الفلاحية الجديدة حوافز للفلاحين والمستثمرين في القطاع الفلاحي؟

ـ لقد اعلن العاهل المغربي في خطاب العرش عن تمديد الاعفاء الضريبي للفلاحين لمدة 10 سنوات اي لغاية 2010، وهناك مجموعة من الحوافز الخاصة باقتناء الادوات الفلاحية على سبيل المثال الجرارات وحوافز لغرس الاشجار المثمرة، وحوافز أخرى خاصة باقتناء الادوات التي تساعد على الاقتصاد في الماء. ونعمل الآن في اتجاه تحليل ومراجعة قانون الاستثمار الفلاحي الذي وضع في سنة 1969، وعلى ضوء تجربة امتدت مدة 30 سنة الاخيرة، وسنقترح في غضون الاشهر المقبلة مشروعا جديدا لمناقشته داخل الحكومة، قبل ان يناقش داخل البرلمان.

* ما هو السيناريو المتوقع بين الاتحاد الاوروبي والمغرب في ما يتعلق بملف الصيد البحرى؟

ـ المعادلة واضحة جدا، فالمغرب يعمل طبقا للأعراف المتعامل بها مع احترام القانون الدولي، ويطمح في استرجاع خيراته السمكية ولا أحد ينازع المغرب في ذلك الحق.

وبطبيعة الحال فالمغرب بلد منفتح وله تقاليد حسن الجوار ويريد ان يشارك بكيفية نشيطة في خلق فضاء اورومتوسطي، وهو متفتح لجميع الاقتراحات من الجانب الاوروبي التي تتماشى مع منطق الشراكة الحقيقية وتأخذ بعين الاعتبار مصالح جميع الاطراف.

* في آخر جولة مباحثات اجريتموها مع المندوب الاوروبي فيشلر ظهر ان هناك ارضية متفق عليها تستند للبرنامج الوطني الذي ينتظر ان يصادق عليه البرلمان فما هي عناصر هذا البرنامج؟

ـ اكد الطرف الاوروبي انه سيقدم مجموعة من الملاحظات في اطار المخطط الخماسي الذي اعتمدته الحكومة المغربية (2000 ـ 2004)، وهناك الآن اتصالات بين الاتحاد الاوروبي والحكومة المغربية في هذا الصدد واذا تم احترام الارادة المغربية فمن الممكن ان نصل الى صيغ جديدة للتعاون في الوقت المناسب. أما الاتفاقية السابقة فهي تنتمي للماضي، ولا احد يتحدث عنها.

* يعيش المغرب الآن على ايقاع الاعلان عن اكتشافات جديدة في مجال الطاقة، ما هي توقعاتكم حول تأثير هذا العنصر الجديد على نمو القطاع الفلاحي والاقتصاد المغربي بشكل عام؟

ـ ان يصبح المغرب بلدا منتجا للنفط، فهذا يعتبر أفضل مدخل للقرن 21، وبدون شك فان الحركية الجديدة التي تولدت عن اكتشاف هذه المادة الثمينة، سيساعد على خلق وضع جديد على المستوى الجيوسياسي والاقتصادي والمالي والاجتماعي.

وسيساهم استغلال الخيرات النفطية خلال السنوات المقبلة في التخفيف من مجموعة من الاكراهات الخارجية، منها تكلفة فاتورة البترول والمديونية الخارجية، وكذلك التخفيف من حدة تأثيرالتقلبات المناخية، وكما ورد في خطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس بمناسبة ذكرى «ثورة الملك والشعب» وعيد الشباب، فعلينا في المغرب ان نجعل من البترول عنصر انتاج وليس عنصر استهلاك وان نتعلم من تجارب البلدان التي سبقتنا في هذا المجال، ليصبح النفط عنصر بناء مجتمع منتج، وخصوصا في المجال الفلاحي. واذا تقدمنا في برامج تأهيل الفلاح المغربي وتقوية قدرته على الاستثمار فسيساهم كل ذلك في تسريع وتيرة تحقيق الامن الغذائي ببلادنا، كما ان المغرب سيصبح اكثر فاكثر فضاء اقتصاديا له جاذبية كبرى بالنسبة للمستثمرين الاجانب على الخصوص.

* اذا اعتمدنا التوقعات الموجودة في ما يناهز 10 الى 15 مليار برميل كاحتياطي اجمالي من البترول والغاز، فما هي توقعاتكم حول حجم تأثيرها علي وتيرة النمو؟

ـ من الصعب انطلاقا من المعطيات المعلن عنها حاليا، ان نقوم بدراسة جدية في هذا الصدد، وكل ما هنالك ان نسبة نمو الاقتصاد المغربي ستعرف استقرارا اكثر، وسيكون معدل النمو مرتفعا مقارنة مع المعدل الحالي، لان الاكتفاء الذاتي في مجال النفط سيشكل عنصرا مهما في تقوية القدرة التنافسية للمغرب، ونحن نعلم ان مجموعة من القطاعات الصناعية تستهلك الطاقة بتكلفة مرتفعة مقارنة بما هو جاري العمل به في عدد كبير في دول البحر الابيض المتوسط المنافسة.

* ما هي مؤشرات النمو التي وضعها مركز الظرفية الاقتصادية لهذا العام، وهل تتوقعون ان يخرج المغرب في غضون سنوات قليلة من من دائرة عدم الاستقرار في نموه؟

ـ اعتقد ان عنصر الطاقة مهم جدا، و لكن يجب ان ننتظر استغلال هذه المادة، نظرا لتأثير ظاهرة الجفاف، ولحد الآن فان توقعات هذا العام ليست مشجعة اذ ان نسبة النمو تقل عن 1 في المائة، وبالنسبة لتوقعات سنة 2001 فإن معدل النمو يفوق 7 في المائة، وهي توقعات مبنية على منتوج فلاحي متوسط.

=