الرئيس التنفيذي لـ«سابك»: «الغاز الصخري» يؤشر إلى نهضة صناعية ستغير خريطة الطاقة العالمية

الماضي لـ«الشرق الأوسط»: مساهمة القطاع الصناعي تجاوزت 9% في الناتج المحلي السعودي

محمد الماضي
TT

دعا المهندس محمد الماضي، نائب رئيس مجــلس الإدارة الرئيــس التــنفيذي لشركة (سابك) السعودية أكبر منتج للبتروكيماويات في العالم، إلى ضرورة المحافظة على تنافسية صناعة البتروكيماويات السعودية عالميا، في ضوء تنامي مساهمة القطاع الصناعي الحيوي في الناتج المحلي السعودي، حيث بلغت نسبته 9%، وهي نسبة تعد الأعلى عالميا.

وثمن الرئيــس التــنفيذي لشركة «سابك» السعودية الجهود الجبارة التي تبذلها الحكومة السعودية في توفير المواد الخام، مشددا على «ضرورة البحث عن بدائل القيم، وبأسعار تنافسية تلبي الطلب المتزايد على المواد الخام، في ظل توسعات قطاع البتروكيماويات الذي ينمو بمعدلات متلاحقة».

وقال الماضي إن الأسعار التنافسية لمدخلات الصناعة وموادها الخام تحديدا، تمكن الصناعة من النمو في الإنتاج، وتضمن تحقيق هوامش ربحية معقولة تسمح بمواصلة الاستثمار في التقنية وبناء الإنسان وتطوير مهاراته، خاصة في ظل الطفرة الكبيرة التي يمر بها العالم وبالتحديد في الولايات المتحدة الأميركية، التي تشهد ثورة حقيقة في الغاز الصخري المتضمن لغاز (الميثان)، الأمر الذي أدى إلى خفض ملحوظ في الأسعار وجذب للمستثمرين وظهور متنافسين جدد، وتغيير في قواعد اللعبة تماما.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة «سابك» في حوار خاص لـ«الشرق الأوسط»: «إن شركة (سابك) تتابع التطورات باهتمام بالغ، وتقيم الفرص المتوافرة للاستفادة من الغاز الصخري الذي أعلنت عدة دول عن توافره فيها بكثافة، خاصة أنه لا يمكن تجاهل هذه المعطيات أو التقليل من تأثيرها على التنمية، وفرص التوسع في الصناعة وزيادة نصيبها من مجمل الناتج القومي وزيادة الفرص الوظيفية التي توفرها»، وفي ما يلي نص الحوار:

* في البداية، نود تسليط الضوء حول الغاز الصخري وطرق استخراجه؟

- الغاز الصخري، غاز طبيعي يتكون داخل طبقات صخور تسمى صخور (السجيل)، وبأعماق تصل إلى ألف متر، حيث يبقى محتجزا داخل التجويفات الدقيقة لهذه الصخور الصلدة التي لا تسمح بنفاذه، ويصنف الغاز الصخري من ضمن الغازات غير التقليدية، لذا لا بد من استخدام تقنيات متقدمة عند استخراجه وهي لم تكن متوافرة في السابق بهذا القدر من الكفاية، وتتمثل في الحفر الأفقي من أجل تكوين أكبر سطح ملامس للصخور، وتكسيرها بالماء والرمل تحت ضغط عال من أجل إحداث شقوق للوصول إلى المسام المحتوية على الغاز مع استخدام محفزات كيماوية لتحرير الغاز من مكامنه الدقيقة.

* ما تأثير وفرة الغاز الصخري على تنافسية المنتج السعودي مقارنة بالمنتج الأميركي؟

- في السنوات الأخيرة، تزايد إنتاج الغاز الصخري في الولايات المتحدة الأميركية بمعدلات عالية تصل إلى 25% من إجمالي الغاز الطبيعي المستخرج، وبذلك زاد عرض الغاز وتراجعت أسعاره، حيث تراوحت بين 1.9 و3.3 دولار للمليون وحدة حرارية خلال الأشهر الماضية، وبمتوسط يبلغ نحو 20% من أسعاره في أوروبا و13% من أسعاره في آسيا، كما وصل سعر (البروبان) في الولايات المتحدة إلى أقل من نصف سعره في آسيا وأوروبا، ونتيجة لذلك برزت ملامح نهضة صناعية جديدة، يمكن أن تغير خريطة الطاقة العالمية مدعومة بوفرة وبتنافسية الغاز الطبيعي وسوائل الغاز، ولقد شملت هذه النهضة مجال الطاقة والبتروكيماويات ومزودي هذه الصناعات بالتقنيات والمعدات والخدمات وصناعة الإنشاء والنقل، وكذلك الصناعات القائمة عليها، وقام منتجو البتروكيماويات بزيادة الطاقات الإنتاجية للمصانع القائمة والمضي في التخطيط لبناء مصانع جديدة وبطاقات إجمالية بلغت 11 مليون طن، وسوف تكتمل ويبدأ إنتاجها عام 2016. وفي الوقت نفسه، تأثرت تنافسية البتروكيماويات السعودية بارتفاع أسعار المواد الخام نظرا لزيادة اعتمادها على سوائل الغاز، وكما تعرف فإن سوائل الغاز في السعودية تبلغ أسعارها ما بين 70 إلى 72% من أسعار النافثا في اليابان بعد خصم تكاليف الشحن، مقارنة بأسعاره في الولايات المتحدة الأميركية التي وصلت إلى 47.5% من سعر النافثا في اليابان، وتأثرت صناعة البتروكيماويات في السعودية بشح الكميات المتوافرة من المواد الخام لمشاريع التوسعة، وهي مسألة وقت قبل أن نرى كميات كبيرة من المنتجات البتروكيماوية الأميركية تغزو أسواق التصدير في أوروبا وآسيا.

* لماذا الحرص على أن تتبوأ صناعة البتروكيماويات السعودية مركزا قياديا في العالم؟

- تقوم تنافسية الصناعة على أسس كثيرة، من أهم دعائمها توافر المواد الخام وبأسعار تنافسية لضمان استمرار تنامي الإنتاج، ثم مواصلة الاستثمار وبقوة في التقنية والابتكار لتطوير منتجات جديدة، واستخدامات جديدة للمنتجات البتروكيماوية والكيماوية وبيعها في الأسواق، ولن تتمكن من ذلك إلا الشركات القوية ماليا، وذات الانتشار العالمي، التي تتميز بطاقات بشرية متميزة إداريا وهندسيا وتقنيا، فضلا عن تفاعلها وحضورها القوي والكبير بمختلف أسواقها حول العالم، انطلاقا من هذا المفهوم. وحرصا على أن تتبوأ صناعة البتروكيماويات السعودية مركزا قياديا على مستوى العالم، يمكنها من جني ثمار هذا التطوير، لا بد أولا من مواكبة هذه الطفرة والمحافظة على تنافسية صناعة البتروكيماويات في البلاد.

* هذا يدعو إلى التساؤل عن مدى تأثير وجود صناعات بتروكيماوية وكيماوية قوية على الاستراتيجية الصناعية السعودية؟

- تستند قوة الصناعة في هذا القطاع الحيوي إلى توافر المواد الخام والمعادن والبتروكيماويات والكيماويات بأصنافها، حيث تشكل القاعدة العريضة والمهمة بعد بناء الإنسان، ونحن في أمس الحاجة إلى تلك القاعدة للتوسع في الصناعة، مستفيدين من توافر المواد، والتفاعل الإيجابي بين مصنعي المواد، وبالذات كوادرهم الإدارية والفنية، في بناء الصناعات التحويلية وسلسلة الصناعات، التي تغذي التجمعات الصناعية وتعزز تنافسيتها، وهذا التكامل الصناعي يجد أسسه وتنافسيته في قوة وتنافسية المواد المتوافرة، ومن ضمنها البتروكيماويات والكيماويات المتخصصة والبلاستيكيات المبتكرة، ويمكن الاستفادة من عالمية صناعة البتروكيماويات في بناء جسور تربط المهتمين بالاستثمار في الصناعات التحويلية والتجمعات الصناعية بزبائننا حول العالم، مما يتيح الاستفادة من خبراتهم وإغرائهم بالاستثمار في الصناعة السعودية.

* كيف يمكننا المحافظة على مكتسبات صناعة البتروكيماويات والكيماويات السعودية؟

- تعتبر المملكة اليوم أكثر دول العالم اعتمادا على صناعة البتروكيماويات بعد النفط في دعم اقتصادها، فقد تجاوزت مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي السعودي نسبة الـ9% وهي الأعلى عالميا، ويبلغ حجم أصول قطاع الصناعات البتروكيماوية حاليا نحو 582 مليار ريال (155.2 مليار دولار)، وتستخدم هذه الصناعات ما يزيد على 30% من إنتاج المملكة من الغاز الطبيعي، وما نسبته 33% من سوائل الغاز لإنتاج 88 مليون طن من البتروكيماويات، وتحقق إيرادات سنوية تقدر بـ300 مليار ريال (80 مليار دولار)، اليوم تعد الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)، واحدة من كبرى الشركات البتروكيماوية العالمية، فهي من أكبر منتجي ومصدري الأسمدة والكيماويات والراتينجات البلاستيكية، وكما ذكرت فمن المهم توفير المواد الخام بأسعار تنافسية وبوفرة تمكن الصناعة من النمو في الإنتاج، وكذلك تحقيق هوامش ربح قوية تمكنها من الاستثمار في تطوير الكوادر البشرية وبناء الإنسان والابتكار التقني، وإدخال منتجات جديدة وبصورة دائمة ومتجددة إلى السوق السعودية والأسواق العالمية، وقد أدركت الكثير من الدول ذلك، وسعت وبقوة إلى بناء صناعة بتروكيماويات وكيماويات قوية كي تتمكن من النهوض بصناعاتها. ومن الأمثلة الحديثة على ذلك، ما قامت به وتقوم به الصين في هذا الصدد، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أولوية تنموية ومهمة وضعتها الحكومة السعودية الرشيدة، وتهدف إلى التوسع في الصناعة وزيادة نصيبها من مجمل الناتج القومي وزيادة الفرص الوظيفية التي توفرها؛ فإن تبني أي قرارات أو سياسات تسعيرية مثلا من شأنه الحد من نمو وتنافسية صناعة البتروكيماويات السعودية، سيكون له أثره السلبي على الاستراتيجية الصناعية وخطط التنمية، وبشكل يتجاوز الفائدة المالية المنشودة من زيادة الأسعار.

* لماذا تتوجه الصناعة إلى الاستثمار الخارجي؟ ولماذا حرصت «سابك» على ذلك؟

- في عالم الأعمال والاقتصاد والصناعة تحديدا، يظل الهدف الأول من الاستثمارات الخارجية هو فتح أسواق جديدة للمنتجات والاستحواذ على تقنيات جديدة يتطلب تطويرها استثمارات كبيرة وفترات زمنية طويلة، بالإضافة إلى الاستحواذ على موارد طبيعية وبأسعار تنافسية، لذلك فإن التغييرات التي يشهدها العالم والولايات المتحدة الأميركية وكندا بالذات في مجال الغاز، تدفعنا وبقوة إلى محاولة الاستثمار والبحث عن فرص الاستفادة من الغاز الصخري، في إنتاج البتروكيماويات والكيماويات. من جهة أخرى، أعلنت الكثير من الدول عن توافر كميات كبيرة من الغاز ورغبتها في تشجيع الاستثمار في بلدانها لتصنيع البتروكيماويات، ووفقا لاستراتيجيتها في النمو فإن «سابك» تتابع هذه التغيرات بصورة دائمة، وتقيم الفرص المتوافرة للاستثمار في الموارد الطبيعية لهذه الدول، كذلك فإن وجود «سابك» عالميا وحضورها القوي مدعومة بمنظومة متكاملة من مراكز الأبحاث والتطبيقات البالغ عددها 18 مركزا حول العالم، فضلا عن تعاون الشركة مع أرفع الجامعات ومراكز الأبحاث العالمية–كل ذلك مكن «سابك» من العمل على تطوير تقنيات جديدة، سواء في مجال تقنيات التصنيع أو في مجال التطبيقات الصناعية لمنتجاتنا.

* هل تتوقعون تأثيرا سلبيا على سوق الأسهم إذا ما تم رفع أسعار الغاز وسوائل الغاز؟

- إن رفع الأسعار سيكون له تأثير سلبي على تنافسية الشركات السعودية وأدائها المالي، وبالتالي سيكون له تأثيره على أسعار أسهم الشركات البتروكيماوية، التي تمثل نسبته 31 إلى 33 المائة من حجم السوق، وأنا على يقين بأن التأثير السلبي سيشمل إجمالي السوق، وذلك لإمكانية تأثر القطاعات الصناعية الأخرى وبشكل مباشر، فإن إجمالي التوزيعات لشركات البتروكيماويات فقط تجاوز خلال السنوات الثلاث الأخيرة 45 مليار ريال (12 مليار دولار)، ناهيك ببقية الشركات العاملة في المجالات الصناعية والخدمية، ولذلك فسيكون التأثير سلبيا على التداولات المالية لمالكي الأسهم وسلبيا على قدرة الشركات البتروكيماوية على تمويل مشاريعها، حيث إنه في مقابل كل ريال تخسره هذه الصناعة في ربحيتها تفقد 3.3 ريال في قدرتها على تمويل مشاريعها.