الحكومة المغربية تعلن إلغاء العمل بقانون اقتطاع الضرائب من الحسابات المصرفية للملزمين

ابن كيران يدعو إلى فتح صفحة جديدة مبنية على الثقة والصرامة بين الإدارة والخاضعين للضريبة

عبد الإله ابن كيران رئيس الحكومة المغربية في حديث مع مريم بن صالح شقرون رئيسة الاتحاد العام لمقاولات المغرب قبيل الجلسة الافتتاحية للحوار الوطني حول الجبايات الذي انعقد في الصخيرات أمس (تصوير: منير محيمدات)
TT

قررت الحكومة المغربية إلغاء العمل بالقانون الذي يسمح لإدارة الضرائب بالاستخلاص المباشر للضرائب المتعثرة من الحسابات المصرفية لرجال الأعمال والأشخاص الملزمين بأدائها، والذي كان قد أثار جدلا كبيرا في المغرب.

وقال عبد الإله ابن كيران، رئيس الحكومة، أمس، خلال افتتاحه أشغال المناظرة الوطنية للجبايات في الصخيرات «اتخذنا القرار على مستوى الحكومة بإصدار قانون جديد يمنع على إدارة الضرائب اللجوء إلى الاستخلاص المباشر من الحسابات المصرفية، على اعتبار أن الضرائب يجب أن يؤديها المواطن، وإذا كانت هناك مشكلة بينه وبين إدارة الضرائب فعلى هذه الأخيرة أن تلجأ إلى المحكمة وليس إلى الاقتطاع من الحساب المصرفي للمواطن».

وكان الإجراء الذي يسمح لإدارة الضرائب باستخلاص الضرائب مباشرة من الحسابات المصرفية للملزمين قد طبق بشكل واسع منذ نهاية ولاية الحكومة السابقة في سياق الضائقة المالية للحكومة على خلفية تداعيات الربيع العربي والأزمة الاقتصادية العالمية، الشيء الذي تسبب في توترات ومشكلات اقتصادية، خصوصا عندما لجأ بعض رجال الأعمال إلى سحب ودائعهم من المصارف خوفا من أن تطالها يد محصلي الضرائب.

وقال ابن كيران «عندما جئنا للحكومة انتبهنا إلى أن هذا الإجراء ليس في صالح الاقتصاد الوطني، وأن مردوديته محدودة جدا، ولديه آثار سلبية جدا. لذلك اتخذنا القرار بأن نوقفه». وأشار ابن كيران إلى أن العمل بهذا الإجراء سوف يتوقف حالما يصدر القانون الجديد، الذي أكد أن الحكومة تعمل من أجل إصداره في أقرب وقت.

كما انتقد ابن كيران تعامل إدارة الضرائب مع الملزمين بمنطق «تعميم افتراض سوء النية»، وأعطى مثالا على ذلك بممارسة التلاعب بالفواتير المعروفة في المغرب باسم «النوار» (أي السواد)، والمنتشرة على الخصوص في المعاملات العقارية، وتقتضي بعدم التصريح بجزء من قيمة الصفقة بهدف التهرب من الضرائب. وقال إن إدارة الضرائب تفترض وجود جانب أسود في كل المعاملات، وبالتالي تقوم بمراجعات ضريبية لكل الصفقات على أساس ذلك. وذكر ابن كيران أن الإدارة يجب أن تنطلق الآن من مبدأ الثقة في تصريح المواطن، وإذا تبين أن هناك مخالفة فعليها أن تلجأ إلى المحاكم.

وقال ابن كيران إن الحكومة «تمد يدها» لكل المتورطين في التهرب من أداء الضرائب، من أصحاب الأعمال الحرة ورجال الأعمال بالإضافة إلى شركات القطاع غير المهيكل من أجل صفحة جديدة. وزاد قائلا «لكل هؤلاء أقول إن الدولة تمد يدها لهم ليلتحقوا بالركب. لكن في المقابل لا بد أن تكون الدولة صارمة. ولا أعني هنا صرامة الترويع، فنحن نريد أن نعطي فرصة للناس ليدخلوا في المنظومة، لكن عليهم أن يدركوا أن الدولة جادة».

كما انتقد ابن كيران الحجم الذي بلغته الاستثناءات والإعفاءات الضريبية في المغرب، والذي وصفه بالمروع، مشيرا إلى أنها أصبحت تمثل نسبة أربعة في المائة من الناتج المحلي الداخلي وتقدر بنحو 36 مليار درهم (4.2 مليار دولار)، وأشار إلى أن الحكومة بصدد مراجعتها وإصلاحها.

وأوضح ابن كيران أن المناظرة الوطنية للجبايات تهدف إلى مراجعة وإصلاح نظام الضرائب في المغرب، عبر مقاربة تشاركية يساهم فيها جميع الأطراف، من إدارة ورجال أعمال ونقابات. وأكد على ضرورة بناء الإصلاح على الثقة بين إدارة الضرائب والملزمين بأدائها، وضرورة تحقيق العدالة الضريبية والإنصاف، كما شدد على ضرورة الصرامة من طرف الإدارة في تحصيل الضرائب.

وقال ابن كيران إن المشكلة في المغرب مشكلة ثقافة، وإن على المغاربة أن يدركوا أن أداء الضرائب مهمة نبيلة وشريفة، وأنها تساهم في استقرار البلاد، الذي قال عنه «إن الحفاظ عليه ليس دور حكومة أو شخص وإنما مسؤولية الجميع».

وفي رسالة بالصوت والصورة وجهتها إلى المشاركين في المناظرة الوطنية للجبايات، أوصت كريستين لاغارد، مديرة صندوق النقد الدولي، بإيلاء اهتمام خاص لإصلاح نظام الإعفاءات الجبائية والدعم، على أساس إعادة النظر في طريقة توزيعه ومعرفة المستفيدين الحقيقيين منه.

وتعتبر هذه المناظرة الثانية من نوعها التي ينظمها المغرب، وكانت المناظرة الأولى قد نظمت في 1999، والتي وضعت خارطة طريق لإصلاح النظام الجبائي لفترة عشر سنوات. وقال نزار بركة، وزير المالية والاقتصاد إن المناظرة الحالية تأتي في سياق خاص بعد الإصلاحات السياسية والدستورية التي عرفها المغرب أثناء الربيع العربي، بالإضافة إلى تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية. وأشار إلى أن أشغال المناظرة، التي تشارك فيها كل الفعاليات الاقتصادية والسياسية والأكاديمية المغربية، بالإضافة إلى مؤسسات وشركاء دوليين، تهدف إلى إقرار نظام جبائي عادل ومنصف، يتماشى مع أولويات السياسة الاقتصادية، ويكون بمثابة محرك للتنمية ودعم لتنافسية الشركات المغربية، وينسجم مع رهانات الجهوية المتقدمة، ويساهم في تمويل التنمية والتوازن بين المناطق المغربية.

وانتقدت مريم بن صالح شقرون، رئيسة الاتحاد العام لمقاولات المغرب، النظام الجبائي الحالي، معتبرة أنه غير فعال، وتتخلله عدة نواقص. وقالت بن صالح إن النظام الجبائي المغربي غير منصف لأن اثنين في المائة من الشركات تؤدي 80 في المائة من محاصيل الضريبة على أرباح الشركات، وأن الاقتطاعات المباشرة من الأجور ما زالت تشكل 73 في المائة من مداخيل الضريبة على الدخل، وأن نصف الشركات المغربية تصرح بشكل دائم بالخسارات، إضافة إلى القطاع غير المهيكل الذي يعمل في الظل، ويخوض منافسة شرسة وغير نزيهة مع القطاع الذي يعمل في إطار الشفافية. وانتقدت بن صالح احتجاج البعض بالدور الاجتماعي للقطاع غير المهيكل، مشيرة إلى أن هذا الاحتجاج يخلط بين البائع المتجول الذي يبحث عن قوت عياله وأصحاب الشركات التي تتهرب من أداء الضرائب وحقوق العمال. وقالت إن على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها في أن يساهم الجميع في المداخيل الضريبية وليس الاقتصار دائما على نفس الأشخاص. ودعت إلى إصلاح الضريبة على القيمة المضافة، وإصلاح الضريبة على أرباح الشركات مع ملاءمتها مع القدرة الضريبة لمختلف الشركات، خاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة.