تسليفات المصارف اللبنانية للاقتصاد السوري انحدرت من 5 مليارات إلى 1.6 مليار دولار

تعمل بشكل طبيعي في مصر.. ولديها السيولة اللازمة لتلبية الودائع في قبرص

بنك لبنان المركزي («الشرق الأوسط»)
TT

وجهت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة، والأمينة التنفيذية للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) الدكتورة ريما خلف، انتقادات حادة للمشككين بالتحولات الجارية في بلدان الربيع العربي، مؤكدة أن «بعض المشكلات الاقتصادية في هذه الدول ملازمة لطبيعة التحول ذاتها ولكن لا تتوقف عندها.. فالثورات بطبيعتها هي خروج عن الوضع الراهن ضيقا بالحاضر، وتطلعا إلى مستقبل أفضل. وأولى خطوات التغيير تكون في هدم ما فسد، وبناء ما يلبي الطموح».

واعتبرت، أمام حشد من مئات الاقتصاديين اللبنانيين والعرب المشاركين في منتدى الاقتصاد العربي الذي بدأ أعماله أمس في بيروت، أن «تفكيك البنى المؤسسية التي احترفت القهر وولدت الفقر وعمقت التهميش والإقصاء، وإعادة بنائها على أسس الحق والعدل، ليس بالأمر اليسير، وإذا كان ذوو الشأن يتفقون على وصف حال اقتصادات هذه الدول، فهم يختلفون في تشخيص العلة وتوصيف العلاج المناسب لها».

وفي ما بدا أنه يتباين مع اللغة الدبلوماسية المعهودة لمسؤولي الأمم المتحدة قالت خلف إنه «لا تخلو أحيانا عمليات التشخيص والتوصيف من أهواء شخصية ومآرب سياسية. فالبعض يحلو له أن ينسب أصل الداء إلى الشعوب العربية ذاتها، حين تجرأت وعبرت عن توقها إلى الحرية. وأملهم في ذلك، الإبقاء على استبداد مطمئن في الجوار يبرر استبداد أنظمتهم، ويطيل استباحتها لإرادة الشعوب ومقدرات الأوطان. ويجتهد آخرون، لا يشوب إخلاصهم شائبة، فيلجأون إلى الأبجديات الاقتصادية بحثا عن تشخيص للعلة. ويخلص هؤلاء إلى أن العجز في الموازنة العامة يقتضي إلجام الإنفاق الحكومي، وأن العجز في ميزان المدفوعات يستدعي قرضا من صندوق النقد الدولي، وأن تشجيع الاستثمار يكون بمحض جولة في العالم للترويج له. وهذا برأيهم يكفي لا لمعالجة المشكلة فحسب، بل لتحقيق الازدهار الاقتصادي المنشود والكفيل بالتصدي لمشكلتي الفقر والبطالة، وتحقيق الرفاه الإنساني. ربما غاب عن بال هؤلاء أن هذه السياسات التي ينادون بها اليوم رغم نجاعتها في بعض الظروف، هي نفسها التي أخفقت في الماضي القريب، وأنتجت المظالم، وأدت إلى اندلاع الثورات الشعبية عندما أغفلت السياق السياسي وأهملت العدالة الاجتماعية».

وأوضحت أن «التراجع الاقتصادي المؤلم خلال مرحلة التحول الديمقراطي ليس بالظاهرة الجديدة، بل هو واقع عاشته دول عديدة في العالم من قبل. فدول أوروبا الوسطى والشرقية خسرت أثناء مرحلة التحول أكثر من ربع ناتجها المحلي التراكمي، قبل أن تنتعش مجددا وتستعيد النمو».

من جهته، أشار رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب الدكتور جوزيف طربيه إلى أن «المنطقة العربية تعيش مرحلة انتقالية صعبة وخطيرة، ولكن منطق التاريخ يشير إلى نهايات لها، في وقت أو في آخر. وليست الإمكانات الفكرية أو الكفاءات البشرية هي التي تنقصنا في العالم العربي، إنما فقدان آليات التعاون والعمل العربي المشترك للخروج من المحنة المتمادية، والاستعداد لتحريك محركات النمو، الذي لا بد له من أن يكون هدفا استراتيجيا لمستقبل بلداننا وشعوبنا، ننشده لاستيعاب طاقات الشباب المتفجرة، والعودة إلى العمل الاقتصادي المنتج بعد انتهاء دورات العنف والتدمير».

وتابع: «في هذا المشهد الضبابي يبقى دور المصارف العربية أساسيا في النهوض، لأنها قاطرة الاقتصاد ومحرك النمو في الوقت الذي ستحتاج فيه منطقتنا إلى إمكانات تمويلية غير محدودة. ولا بد من الإشارة إلى أن نجاح المصارف العربية في دورها الجديد يتطلب تفعيل الدور العربي في صياغة القرارات المالية والنقدية والاقتصادية الصادرة عن المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إضافة إلى تطوير التنسيق مع المؤسسات الرقابية الدولية مثل لجنة (بازل) للإشراف على المصارف، من أجل المساهمة في وضع قواعد العمل المصرفي، ورسم استراتيجية تتعامل بمرونة مع متطلبات الانفتاح المصرفي العربي على المجتمع الدولي».

من جانبه، اعتبر رئيس اتحاد الغرف اللبنانية محمد شقير، أن المنطقة العربية تمر بـ«تحولات كبيرة تستلزم مراجعة كبيرة وجذرية لكيفية مقاربتنا للملفات الاقتصادية. إن هذه التغيرات التي حصلت وقد تحصل إذا لم تترجم إلى تحسن جذري في حياة المواطن فإن الآمال والطموحات سرعان ما ستتبدد ويحل مكانها الإحباط واليأس الذي ينتج الأزمات الاجتماعية ويهدد استقرار الدول. لذلك على الدول العربية أن تسعى للتخفيف من استيراد اليد العاملة وتصدير رؤوس الأموال واستبدال ذلك في الاستثمار الداخلي في تنمية الثروات البشرية وتطوير القطاعات المنتجة. وذلك يتطلب ثقة من المستثمر العربي بالأنظمة الداخلية واستقرار المنطقة».

وفي الشأن اللبناني أكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن وضع المصارف اللبنانية الموجودة في سوريا لم يعد يشكل خطرا بعد انخفاض تسليفات هذه المصارف في الاقتصاد السوري من 5 مليارات دولار إلى 1.6 مليار دولار. أما المصارف اللبنانية في مصر فتعمل بشكل طبيعي. وبالنسبة للمصارف اللبنانية العاملة في قبرص فهي لديها السيولة اللازمة لتلبية الودائع.

وتوقع أن يكون عام 2013 صعبا على الاقتصاد المحلي نتيجة استحقاقات عدة، منها ما هو مرتبط بالمنطقة ولا سيما في سوريا، ومنها ما هو داخلي بسبب الاستحقاقات الدستورية وبخاصة الانتخابات النيابية المفترض أن تجرى هذا العام، يضاف إلى ذلك تحديات أخرى لها علاقة بالوضعين الاقتصادي والاجتماعي في ظل المطالبة بزيادة الأجور.

وقال إنه «استباقا لكل ذلك بادر مصرف لبنان إلى وضع برنامج تحفيزي بتصرف الاقتصاد اللبناني يوفر تسليفات تعادل نحو 1.4 مليار دولار عبر المصارف بفائدة 1 في المائة، ضمن شروط معينة تقضي بتركيز التسليف على الإقراض السكني والمشاريع الجديدة والتحصيل الجامعي والبحوث والطاقة البديلة. ونحن نتوقع أن يسهم ضخ هذه السيولة في تحقيق نمو بنسبة 2 في المائة. كما عزز مصرف لبنان نوعية موجوداته بالعملات الأجنبية فباع سندات خزينة بقيمة 2.5 مليار دولار، وبذلك باتت الدولة قادرة على مواجهة استحقاقات عام 2013 بالعملات الأجنبية. وهذه حالة نادرة في المنطقة حيث نرى الدول تطلب مساعدة صندوق النقد الدولي. أما بالنسبة للتضخم فيسعى مصرف لبنان من خلال إدارته للسيولة ألا يتجاوز معدل التضخم 4 في المائة».

وأشار رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، في ختام افتتاح المنتدى الذي تنظمه سنويا في بيروت مجموعة الاقتصاد والأعمال بالتعاون مع هيئات محلية وإقليمية ودولية، إلى إنجاز خطة متكاملة للتنقيب عن النفط والغاز بدأ تطبيقها منذ أشهر بعد وضع النصوص القانونية اللازمة، وتشهد مراحل تنفيذ هذه الخطة إقبالا من الشركات العالمية التي سارعت إلى تقديم العروض وطلبات الحصول على التراخيص اللازمة على نحو يحفظ حقوق الدولة اللبنانية من جهة، وحقوق الشركات من جهة أخرى، ولن تنقضي سنة 2013 إلا وتكون الإجراءات التنفيذية للمباشرة بالتنقيب عن النفط والغاز قد اكتملت وفق البرنامج الذي أعده مجلس الوزراء.

وفي البعد العربي قال إن «المضي في ضرب المقومات الاقتصادية للدول التي تشهد اضطرابات سياسية، يصيب مستقبل الشباب العربي في الصميم ويدفعه إلى اليأس والهجرة، فتفرغ هذه الدول من الطاقات التي ستعيد البناء من جديد، وفي قناعتنا أن دولنا تحتاج إضافة إلى العناية بـ(الربيع العربي) الشبابي، التأسيس لـ(ربيع اقتصادي عربي) يكون قوامه التجدد ومواجهة التحديات الاقتصادية التي تطرق أبوابنا، ولعل رفع الحواجز الاقتصادية بين الدول العربية لتحقيق الإفادة المشتركة من مقومات وثروات كل دولة والتأسيس للسوق العربية المشتركة يشكل أساسا صالحا للبدء بخطوة حقيقية نحو ازدهار اقتصادنا».