الرياض تجدد التزامها بالعمل كمورد مستقر وموثوق للنفط

وزير البترول السعودي يؤكد أن التقلب المستمر للأسعار ليس في مصلحة أحد

د. علي النعيمي وزير البترول السعودي (رويترز)
TT

قال المهندس علي النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية السعودي أن ما تنشده بلاده هو استقرار أسعار النفط بشكل يطمئن الحكومات والأشخاص، ويساعد في التخطيط والنمو الاقتصادي، مشيرا إلى أن التقلب المستمر للأسعار ليس في مصلحة أحد.

وقال النعيمي: «إن المملكة لا تزال ملتزمة بدورها كمورد مستقر وموثوق به، حيث سعت دائما لتعويض أي نقص في الإمدادات، ومنذ عام 2009 احتفظت المملكة بطاقة احتياطية فائضة تتراوح بين 2.5 مليون و3.5 مليون برميل، وقد تحملنا هذا العبء الاستثماري في هذا الوقت، لضمان استمرار حصول العالم على إمدادات كافية، حيث إن المملكة وحدها هي من يملك الطاقة والقدرة على اتخاذ خطوات كهذه. ولم يحدث يوما أن قصرنا في التزامنا باستقرار سوق الطاقة العالمية».

وأضاف وزير البترول والثروة المعدنية السعودي في كلمة ألقاها أمس في منتدى الطاقة السنوي الرابع المنعقد في مركز إسطنبول الدولي للطاقة والمناخ بالعاصمة التركية إسطنبول: «لقد أصبحت وزيرا للبترول والثروة المعدنية في السعودية عام 1995، وكان إجمالي الناتج المحلي العالمي يبلغ نحو 29 تريليون دولار، وكان سعر برميل البترول المتداول آنذاك نحو 16 دولارا، وكانت هناك مخاوف وقتها بشأن تأثير تلك الأسعار المرتفعة على النمو الاقتصادي، وها هو البترول اليوم، بعد 18 عاما، يتم تداوله بما يقارب 100 دولار للبرميل في الوقت الذي زاد فيه إجمالي الناتج المحلي العالمي، وذلك رغم الانتكاسات الشديدة التي تعرض لها مؤخرا، إلى أكثر من الضعف، ليصل إلى 70 تريليون دولار».

وأشار إلى وجود عاملين أساسيين، هما التعليم والنمو الاقتصادي، إضافة إلى النمو السكاني، ففي عام 1995 كان تعداد سكان العالم نحو 5.7 مليار نسمة، واليوم يوجد 1.3 مليار إنسان إضافي، فيما تظهر تقديرات الأمم المتحدة أنه بحلول عام 2040 سيصل عدد سكان العالم إلى ما بين 8 و10 مليارات نسمة، وهذا من شأنه أن يترجم إلى زيادة في الطلب على الطاقة.

وأشار النعيمي إلى أنه مع تزايد الطلب على الطاقة، تتزايد الإمدادات العالمية أيضا، حيث كانت التقنية الجديدة سببا في أن شهد العقد الماضي، على وجه الخصوص، ارتفاعا في إنتاج الزيت والغاز المستخرج من صخور السجيل قليلة المسامية والنفاذية في أميركا الشمالية، كما زادت أعمال الحفر البحري في البرازيل، وهناك المزيد من المشاريع التطويرية في المنطقة القطبية الشمالية.

وتابع: «كما قلت في كلمة لي بواشنطن نهاية شهر أبريل (نيسان) المنصرم، إن جميع الإمدادات الجديدة هي موضع ترحيب من قبلنا، لأنها ستضيف عمقا للأسواق العالمية، وتبعث أملا في مزيد من الاستقرار لتلك الأسواق، وقد زادت الإمدادات أيضا من منطقة الشرق الأوسط، وأشعر بأن هناك إمدادات أكثر من ذلك بكثير في المستقبل. وعلى الجانب التركي، يتزايد النشاط في البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط بحثا عن الغاز والبترول، وتلك أخبار سارة بالطبع، فلا يزال الدور التركي المستمر في سوق الطاقة العالمية حيويا للغاية بطبيعة الحال، ليس بالمعنى المادي فحسب، فمكانة تركيا بوصفها مركزا مهما من مراكز الطاقة لا تقبل الجدل، وإنما أعني الدور المحوري لتركيا بوصفها دولة مؤثرة في استقرار منطقة الشرق الأوسط الكبير».

وزاد: «في حين يملك جيران تركيا الأقربون فيما بينهم ثلاثة أرباع احتياطيات البترول والغاز الطبيعي المؤكدة في العالم، نجد أن تركيا هي ممر الطاقة الرئيسي بين بحر قزوين وآسيا الوسطى ودول الشرق الأوسط والأسواق الاستهلاكية في أوروبا وخارجها».

وأبان «أنه من دواعي السرور أن نرى تركيا تولي اهتماما كبيرا لدورها الأساسي كمركز للطاقة، ولا سيما فيما يتعلق بالغاز الطبيعي الذي ستتزايد أهميته بالتأكيد خلال العقود المقبلة، رغم استمرار النفط في تبوء مكانته البارزة لعقود كثيرة مقبلة، ويسرني أن أرى تركيا وهي ترقى دائما إلى مستوى التحديات، وتوازن بين مجموعة المطالب المنوطة بها»، مؤكدا أن دور تركيا المستمر في الحفاظ على الاستقرار طويل الأمد لإمدادات الطاقة هو محل ترحيب ولا ينبغي التقليل من أهميته.

وأفاد المهندس النعيمي بأن الاقتصاد العالمي لا يزال يعاني تبعات الصدمة التي تعرض لها بين عامي 2007 و2008، ولا تزال أوروبا على وجه الخصوص تتعامل مع إجراءات التقشف وانعدام النمو الاقتصادي، فيما تظهر مناطق أخرى بعض علامات التقدم في هذا الصدد، مبينا أن الاقتصادات الآسيوية تحوز قصب السبق في ذلك، كما أن اقتصاد الولايات المتحدة آخذ في التحسن، فيما تحقق دول مثل السعودية وتركيا معدلات نمو أفضل من غيرها بكثير، فمنذ منتصف التسعينات، تضاعف الناتج المحلي الإجمالي التركي ستة أضعاف، ليصل إلى ما يقرب من 800 مليار دولار.

وتابع: «خلال الفترة نفسها، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي في السعودية من أكثر بقليل من 140 مليار دولار إلى نحو 600 مليار دولار، أي أن الناتج المحلي الإجمالي للمملكة قد تضاعف ثلاث مرات منذ عام 2002، وكذلك نصيب الفرد من هذا الناتج المحلي، وتزايدت كذلك استثمارات الشركات التركية في السعودية، حيث تشارك حاليا في مشاريع تبلغ قيمتها نحو 10 مليارات دولار، كما ارتفعت الصادرات التركية وازدهرت السياحة التي تجذب إليها أعدادا متزايدة من أبناء المملكة».

وأضاف: «اجتمعت عوامل عدة لتضع الاقتصاد التركي في المرتبة السادسة عشرة بين أكبر اقتصادات العالم، ومن المتوقع أن يكون الاقتصاد التركي هو الأسرع نموا بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بين عامي 2013 و2017، وهذه كلها أمور مشجعة لتركيا وشعبها، ومن شأنها أن تعود بالخير على المنطقة ككل، فنحن بحاجة لاقتصادات قوية ترفع مستوى المعيشة وتتيح مجموعة أوسع من الفرص لمواطنينا».

وقال النعيمي إنه من الطبيعي أن يأتي هذا النمو مدفوعا، في جزء منه، بالنمو السكاني في تركيا، فمنذ عام 1995 ارتفع عدد سكان تركيا من 60 مليون إلى 73 مليون نسمة، وترجمت هذه الزيادة السكانية إلى زيادة في احتياجات الطاقة، ويسير النمو الاقتصادي والسكاني في السعودية بوتيرة مماثلة، وينعكس أيضا في ارتفاع الطلب على الطاقة في المملكة، وتسعى الدولتان - فيما أعلم - إلى تلبية هذا الطلب من خلال مجموعة من مصادر الطاقة المختلفة، ومن خلال تدابير لزيادة كفاءة استهلاك الطاقة». وأضاف: «أنا على يقين من أنهما تملكان إمكانات التعاون في هذا الصدد».

وشدد وزير البترول والثروة المعدنية على أنه ما من مجال للتعاون أكثر أهمية وحيوية من مجال التعليم والبحوث، فعندما يتحدث عن الأصول، يرى أن الإنسان هو الثروة الأعظم والأهم في أي بلد، كما أن الارتقاء بالمستويات التعليمية للشعوب أمر لا غنى عنه في أنحاء المنطقة، وقال: «هناك الكثير من الجهود الجادة التي تبذلها تركيا والسعودية لتطوير مواطنيها، حيث تنفق المملكة الآن 10 في المائة من ميزانيتها الكلية على التعليم العالي، ولعل جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، الواقعة قرب مدينة جدة، مثال ساطع على استثماراتنا وتطلعاتنا في هذا المجال».