وزير التجارة والصناعة: الاستثمار الخليجي في المغرب يحتاج إلى خيط ناظم للارتقاء به

عمارة قال لـ «الشرق الأوسط» إن الصناعات الغذائية والمنتجات الحلال الموجهة لأوروبا من أبرز الفرص الاستثمارية في بلاده

عبد القادر عمارة ( تصوير: منير محيمدات)
TT

قال عبد القادر عمارة، وزير التجارة والصناعة المغربي، إن «الاستثمارات الخليجية في المغرب عرفت تطورا كبيرا في السنوات الأخيرة، غير أنها لم ترق إلى مستوى الطموحات المغربية والإمكانيات الخليجية». وأشار إلى أن من بين أسباب ضعف حجم الاستثمارات الخليجية في المغرب توجهها للتركيز على قطاعات السياحة والعقار التي تعرف منافسة شديدة وانخفاضا في المردودية، إضافة إلى الانطباع لدى المستثمرين الخليجيين بأنهم لا يجدون في المغرب نفس التسهيلات مقارنة بدول أخرى مثل فرنسا.

وأوضح عمارة، في حوار مع جريدة «الشرق الأوسط»، أن الحركية الجديدة للاستثمارات الخليجية في المغرب، والتي أطلقتها زيارة العاهل المغربي الملك محمد السادس الأخيرة لدول الخليج العربي، تتطلب إيجاد خط ناظم، ودعا إلى تكثيف اللقاءات المهنية بين المستثمرين المغاربة والخليجيين، وتوجيهها إلى الدخول مباشرة في تفاصيل المشاريع بدل حصرها في مناقشة العموميات. كما تحدث عمارة عن مختلف الفرص المتاحة للاستثمار الخليجي في المغرب، خصوصا في القطاع الصناعي، والمشاريع المشتركة الموجهة للتصدير إلى الأسواق الخارجية.

وفي ما يلي نص الحوار.

* ما وضعية الاستثمارات الخليجية في المغرب؟

- أولا، عرفت الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة على المغرب ارتفاعا بمعدل نمو سنوي يقدر بنسبة 18 في المائة ما بين 2000 و2012. وفي نفس الفترة ارتفع الاستثمار الخليجي بنسبة مهمة بمعدل نمو قدره 40 في المائة، حيث بلغ سنة 2012 نحو 10 مليارات درهم (1.18 مليار دولار). غير أن مصدر هذه الاستثمارات يكاد ينحصر في السعودية والكويت والإمارات، فيما بقيت استثمارات الدول الخليجية الأخرى مثل قطر والبحرين في مستويات ضعيفة، لا تتعدى نسبة 5 في المائة، بينما شكلت الاستثمارات الإماراتية حصة 55 في المائة من الاستثمارات الإماراتية بالمغرب، وبالتالي يمكن القول إن حجم هذه الاستثمارات عرف في السنوات الأخيرة تطورا لا بأس به، غير أنها لم ترق لا إلى مستوى الإمكانيات الموجودة في الخليج، ولا إلى المستوى المطلوب لمواكبة التطورات التي عرفها المغرب في مجال الاستثمار بشكل عام.

وهذا الواقع بطبيعة الحال هو الذي كان وراء الدينامية الأخيرة في هذا المجال، خصوصا مع الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس إلى دول الخليج العربي. وأفضت المشاورات التي جرت في هذا الإطار إلى تشكيل فرق عمل خاصة لترجمة تعهدات دول مجلس التعاون الخليجي فيما يخص مبلغ الخمسة مليارات من الدولارات المزمع استثماره من طرف دول مجلس التعاون الخليجي في المغرب في إطار الشراكة الاستراتيجية.

* هذا الضعف في الاستثمارات الخليجية بالمغرب، ما أسبابه وكيف يمكن تجاوزه؟

- في العادة كانت استثمارات الأشقاء الخليجيين موجهة بشكل أساسي إلى القطاعات السياحية أو العقارية أو المالية. ومعلوم أن هذه القطاعات فيها منافسة شديدة، وبالتالي فإن المردودية العالية التي يبحث عنها الأشقاء الخليجيون لم يكونوا دائما يجدونها في هذه المجالات بسبب المنافسة الشديدة التي تعرفها وتجعل هوامش الربح فيها ضئيلة. هناك أيضا عامل الأزمة المالية التي أثرت على السيولة المالية وكذلك حجم الاستثمارات الخارجية لدول الخليج بشكل عام. ثم على مستوى ثالث، أعتقد أن هناك انطباعا لدى بعض الخليجيين بأنهم لا يصادفون في المغرب كل التسهيلات التي يبحثون عنها أو يتصورونها، مقارنة مع دول أخرى مستثمرة في المغرب، مثل فرنسا التي لها حضور. حاليا هناك هذه الدينامية الجديدة التي تحدثت عنها، والتي تهدف أساسا إلى تجاوز هذا الوضع للاستثمار الخليجي في المغرب، والذي لا يرقى إلى ما نطمح إليه. ولا أخفيك أن هذه الدينامية يجب أن تجد لها خيطا ناظما حتى يمكنها أن تتوج باستثمارات حقيقية في مجالات نعتبرها أساسية ومهيكلة وواعدة بالنسبة للمغرب، وخصوصا المجال الصناعي. فلا يمكن للمملكة المغربية أن تستقبل عددا من الاستثمارات الكبيرة جدا في المجالات الصناعية ولا نجد فيها مكانة متميزة للاستثمارات الخليجية.

* لكن هل هناك فرص مناسبة للاستثمارات الخليجية في المشاريع المبرمجة في إطار المخططات الصناعية للمغرب؟

- بالطبع، ففي المجال الصناعي هناك قطاعات يمكن أن يستثمر فيها الخليجيون بشكل يكاد يكون آنيا، مثلا في مجال الصناعات الغذائية، على اعتبار أنه مجال ذو مردودية عالية إضافة إلى كونه يرتبط بقطاعات يتوفر الأشقاء الخليجيون فيها على خبرة مؤكدة نظرا لكون هذا النوع من الصناعات موجود عندهم وبشكل متطور. وكذلك اعتبارا للأهمية الاستراتيجية لهذه الصناعات كونها ترتبط بالأمن الغذائي.

من جانب آخر، فإن الميزات والإيجابيات التي يوفرها المغرب تؤهله لاستقبال هذا النوع من الاستثمارات خصوصا أن لدينا مخططا طموحا في المجال الزراعي. فمن خلال تكامل السلاسل الإنتاجية التي يوفرها المغرب، عبر إدماج الأنشطة الزراعية مع الأنشطة الصناعية، يمكن ضمان عائد معقول للرأسمال المستثمر. هناك أيضا قطاع الطاقات المتجددة، والذي انخرط فيه الاستثمار الخليجي بالفعل، من خلال الاستثمار السعودي في تطوير مشروع محطة ورزازات الضخم لاستغلال الطاقة الشمسية. وهذه التجربة تشكل بداية معقولة في هذا المجال باعتبار أن دول الخليج دول طاقية بالأساس، ورغم أنها بدأت بالطاقة الأحفورية لكن أكيد أنها معنية بشكل كبير بالطاقات المتجددة خاصة في المجال الشمسي.

هناك مستوى ثالث يمكن للاستثمارات الخليجية أن تدخل إليه أيضا، لكن ليس بشكل آني إذ يتطلب ذلك الإعداد له أولا. ويتعلق الأمر ببعض القطاعات التي تحتاج إلى تزاوج ما بين الخبرة والمال، خصوصا في مجال النسيج والألبسة وصناعات الجلد بشكل عام، وكذلك في بعض الصناعات في مجال صناعة السيارات بالأساس. أكيد أن بعض القطاعات الأخرى يمكن أن تستقطب اهتمام الخليجيين مثل قطاع الكيمياء والشبه الكيمياء المرتبطة بالفوسفات، وكذلك الصناعات الصيدلية.

* في معرض حديثك عن الحركية الجديدة، ماذا تقصد بضرورة وجود خيط ناظم؟

- دعني أكون صريحا. نحن عندما نتكلم عن العلاقات المغربية - الخليجية الكل يعلم أنها علاقات عميقة جدا وضاربة في عمق التاريخ، وهناك أوجه تشابه كبير، وهناك تفاهم في الكثير من القضايا، وتقارب بين المسؤولين في بلداننا. لكن عمليا لا نجد في مجال الاستثمار الخليجي بالمغرب تراكمات يفضي بعضها إلى بعض، وتتشكل في إطار مسلسل يجعل للاستثمار الخليجي في نهاية المطاف مكانة قوية في المغرب. فعندما نقارنها مع الاستثمارات الفرنسية مثلا، نجد أن هناك أكثر من 800 شركة فرنسية مستثمرة في المغرب في عدد متنوع من القطاعات وبإمكانيات كبيرة جدا، ومناصب شغل كثيرة جدا، ونقل للتكنولوجيا. ربما هذا لا ينطبق بالضرورة على الاستثمار الخليجي في عدد من المجالات مثل نقل التكنولوجيا. ولكن على مستوى التدفقات المالية وعلى مستوى ما يمكن أن ننسجه معا في المستقبل يجب أن يكون هناك خيط رابط. وفي اعتقادي يجب أن نسير في اتجاه أن يكون للمعنيين مباشرة بالعملية الاستثمارية لقاءات مكثفة، لكن هذه اللقاءات يجب أن تنظم بشكل احترافي، وأن تكون ذات طبيعة مهنية، يعني أن تبتعد عن العموميات والحديث عن العلاقات وغير ذلك، وأن تركز على الفرص الاستثمارية. يمكن مثلا أن نتكلم عن فرصة استثمارية معينة، مثل سوق المنتجات الغذائية الحلال في أوروبا. فالسوق الفرنسية للمنتجات الحلال وحدها تقدر بنحو خمسة مليارات يورو. أعتقد أن بإمكاننا في إطار شراكة مغربية خليجية أن نستقطب جزءا كبيرا من هذه السوق الموجودة. وهنا أتكلم فقط عن فرنسا أما لو وسعنا المجال إلى أوروبا فهناك سوق ضخمة جدا للمنتجات الحلال. والمنطق نفسه يمكن أن يطبق على أسواق أميركا الشمالية. كذلك في مجالات أخرى قد ترتبط بمنتجات النسيج والجلد الموجهة للأسواق الأفريقية، وأيضا مشاريع البنى التحتية. إذن عندما تكون هناك لقاءات مهنية تفصيلية فإنها بالتأكيد ستمكن من تحديد فرص استثمارية حقيقية. وهذا ليس جديدا بالنسبة للمغرب، فمثلا مع فرنسا وإسبانيا وألمانيا لدينا لقاءات من هذا النوع بين المستثمرين من الطرفين، والتي تتم فيها مدارسة الفرص الاستثمارية.