رفع تصنيف تركيا يتوج نهوضها لكن الطريق لا يخلو من مزالق

سددت آخر قسط من ديونها لصندوق النقد الدولي

TT

جاء رفع التصنيف الائتماني لتركيا إلى درجة الاستثمار تتويجا لعشر سنوات من النمو السريع والاستقرار المالي والإصلاح السياسي الذي حققه اقتصاد ناجح يجاور أوروبا وآسيا لكن هذه القوة الصاعدة ما زالت تواجه مزالق بسبب خطورة الأوضاع في دول الجوار، بحسب تحليل لـ«رويترز».

ورفعت وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية تصنيفها لسندات أنقرة السيادية من Ba1 إلى Baa3 - أو درجة الاستثمار - مساء الخميس لتحذو حذو وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية التي سبقتها لهذه الخطوة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وجاء رفع التصنيف في اليوم الذي استعرض فيه رئيس الوزراء التركي طيب أردوغان المكانة العالمية التي تتبوأها بلاده خلال زيارة إلى البيت الأبيض وفي الأسبوع الذي سددت فيه الدولة الصاعدة التي يقطنها 75 مليون نسمة آخر قسط من ديونها لصندوق النقد الدولي.

وقال أردال تاناس كاراجول المدير الاقتصادي لمؤسسة «سيتا» للأبحاث في أنقرة: «كانت هذه خطوة استراتيجية كبرى لتركيا».

وأضاف: «ذلك سيساعد الحزب الحاكم حاليا على إعداد خطط طويلة الأمد وتبني أهداف أعلى وتهيئة مناخ دولي مناسب لتنفيذ هذه الخطط».

وأدى رفع التصنيف إلى تقدم تركيا 11 درجة على منافسها التاريخي اليونان في تصنيف موديز ومن شأنه أن يجذب مزيدا من الاستثمارات الأجنبية إلى اقتصاد ما زال يتمتع بإمكانات كبيرة للنمو.

وقال سيمون كويجانو ايفانز رئيس أبحاث الأسواق الناشئة لدى كومرتس بنك في لندن: «باتت وكالات التصنيف الائتماني تدرك أخيرا أن الحكومة التركية بذلت الكثير من الجهد في العقد الماضي لوضع البلاد على مسار اقتصادي وسياسي أكثر قوة».

وانخفض الدين الحكومي إلى 30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بعد وصوله إلى أكثر من 100 في المائة في سنوات الأزمة أوائل العقد الماضي. ويتراجع التضخم وعجز الموازنة أيضا.

وشكل برنامج تركيا الخاص بصندوق النقد وترشيحها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي دعامة سياسية قوية في السنوات الأولى لولاية حكومة حزب العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ الذي يتزعمه أردوغان بدءا من عام 2003. غير أن وتيرة الإصلاح السياسي تباطأت عندما فشلت محادثات الانضمام إلى الاتحاد بسبب اعتراض قبرص وفرنسا.

وقال سنان أولجن رئيس مركز دراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية في إسطنبول إن رفع التصنيف الائتماني يمثل تصويتا ثلاثيا بالثقة في متانة الاقتصاد التركي رغم أزمة الديون الأوروبية وفي الإدارة الاقتصادية والمالية السليمة وفي العلاقة الجيوسياسية القوية مع الغرب.

وفي حديثه عن واشنطن حليفة أنقرة في حلف شمال الأطلسي قال أولجن «تركيا شريك مستقر للولايات المتحدة في منطقة من المرجح أن تظل مضطربة لسنوات».

وحتى الآن لم يكن للاضطرابات التي تشهدها سوريا والعراق والتوتر بين إيران والقوى الغربية تأثير يذكر على الازدهار السريع لتركيا حتى وإن قوضت سياسة صفر مشكلات مع الجيران التي أعلنتها الحكومة.

وأبرز انفجار سيارتين ملغومتين على الحدود الجنوبية لتركيا الأسبوع الماضي خطر امتداد الحرب الأهلية السورية عبر الحدود حيث يأوي الأتراك أكثر من 100 ألف لاجئ سوري من بينهم منشقون عن الجيش وقواعد خلفية للمعارضين الذين يقاتلون الرئيس بشار الأسد الحليف السابق لتركيا.

وتواجه تركيا مخاطر أمنية أخرى يشكلها الصراع الداخلي المتفاقم في العراق واحتمال شن هجوم عسكري غربي أو إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية.

غير أن أولجن قال، إن المستقبل السياسي الداخلي للبلاد يشكل أكبر تحد تواجهه في طريق نهوضها السلمي كقوة إقليمية لها طموحات عالمية.

وقال «يتمثل أكبر تحد في ما إذا كانت تركيا ستنجح في التوصل إلى تسوية مع الأكراد». وأودى الصراع مع أكراد تركيا بحياة 40 ألف شخص في العقود الثلاثة الماضية.

وأثمرت المحادثات بين حكومة أنقرة وزعيم المتمردين المسجون عبد الله أوجلان عن إعلان تاريخي لوقف إطلاق النار من جانب حزب العمال الكردستاني في مارس (آذار) وبدأ المقاتلون بموجبه في الانسحاب من مواقعهم في جنوب شرقي تركيا الأسبوع الماضي.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن خطة السلام تحظى بتأييد شعبي حتى الآن ويراهن عليها أردوغان الذي قد يواجه رد فعل غاضبا على مستوى البلاد قبل الانتخابات المقررة العام المقبل في حالة تعثر الخطة.

وقال محمد ألتان أستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة إسطنبول «مناخ عدم الاستقرار الناجم عن أي مخاطر سياسية قد يؤثر على الاقتصاد بدرجة قوية وغير متوقعة رغم النظرة المستقبلية الإيجابية».

وقال مصدر كبير من حلف الأطلسي يتعامل مع تركيا منذ فترة طويلة، إن أنقرة تواجه مناخا أمنيا إقليميا متدهورا وصارت تتلقى الحماية من الحلف بنشر صواريخ «باتريوت» على أراضيها للمرة الثالثة منذ عام 1991.

وأضاف المصدر أن واشنطن تتطلع إلى أن قيام تركيا بإصلاح العلاقات المتدهورة مع إسرائيل وتخفيف حدة التوتر مع قبرص في وقت قد يصبح فيه اكتشاف احتياطات غاز جديدة في شرق البحر المتوسط أمرا مربحا لجميع الأطراف.

وتملك أنقرة ثاني أكبر جيش في حلف الأطلسي بعد الولايات المتحدة. ومن بين الإنجازات المهمة لحكومة أردوغان تعزيز سيطرة السلطة المدنية على المؤسسة العسكرية تدريجيا في بلد شهد ثلاثة انقلابات في الفترة بين عامي 1960 و1981.

وقال كويجانو ايفانز، إن رفع التصنيف الائتماني لتركيا من شأنه أن يجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى تركيا التي استقطبت أقل من حصتها مقارنة بأسواق ناشئة أخرى.

وقد يساعد ذلك تركيا على المضي قدما في سياسات إحلال المنتجات المحلية محل الواردات في مجالات مثل المعادن والبتروكيماويات لتقليص عجز ميزان المعاملات الحالية وتنويع صادراتها بدلا من الاعتماد على سوقها الأساسية الراكدة في غرب أوروبا.

ويمكن أن يساهم هذا أيضا في دعم عدد من المشروعات الكبرى الطموح بما فيها بناء مطار دولي ثالث في إسطنبول وشق «قناة إسطنبول» بموازاة مضيق البوسفور من البحر الأسود إلى بحر مرمرة ومساعي استضافة دورة الألعاب الأولمبية لعام 2020.

وقال مصدر حلف الأطلسي الذي طلب عدم ذكر اسمه نظرا لأن الحلف لا يعلق على سياسات الدول الأعضاء «تريد تركيا أن تصف نفسها بأنها قوة عالمية.. لديها إمكانات كبيرة ولكن ما زالت تواجه الكثير من المشكلات والعلاقات الصعبة في الجوار».