لحسن حداد: الاحتجاجات لم تؤثر على السياحة في المغرب.. وسننهي سنة 2013 بـ900 ألف ليلة مبيت

وزير السياحة المغربي يقول في حوار مع «الشرق الأوسط» إن السائح الخليجي يفضل السياحة العائلية ويريد المرافق التي تتجاوب مع ذلك

لحسن حداد (تصوير: منير محيمدات)
TT

قال لحسن حداد، وزير السياحة المغربي، إن بلاده هي البلد السياحي الأكثر استقرارا مقارنة بالكثير من الدول العربية، مضيفا أنها في الوقت نفسه «لها ثقافة قريبة من الإخوة العرب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا». وأشار حداد، في حديث أجرته معه «الشرق الأوسط» في الرباط، إلى أن وزارة السياحة المغربية تعمل مع وزارة الخارجية من أجل إيجاد حل لمشكلة التأشيرة لبعض الدول العربية، مبرزا أن إلغاء التأشيرة بالنسبة لدول معينة سيسر وزارته.

وبشأن الاحتجاجات التي يعرفها المغرب من حين لآخر، كشف حداد أن المغرب استعمل الذكاء الجماعي في التعامل مع حركة «20 فبراير»، موضحا أنهم شباب ينادون بالتغيير والديمقراطية والكرامة إلى غير ذلك، وهذه كلها قيم كان ينادي بها العاهل المغربي الملك محمد السادس، لكن ربما لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من إجرائها على أرض الواقع. واستبعد حداد أن يكون لهذه الاحتجاجات تأثير على السياحة في المغرب. وفي ما يلي نص الحوار:

* يعتبر المغرب وجهة سياحية مفضلة للعديد من الدول العربية، فما هي أكثر البلدان التي يقبل مواطنوها على زيارته؟

- يزور المغرب سياح من كل بلد عربي، فهناك اهتمام كبير جدا به من طرف جميع الدول العربية، لكن في بعض الأحيان يعتمد السياح على مدى توافر خطوط جوية ما بين هذه الدول والمغرب، مثلا هناك سياح كثيرون يأتون من الجزائر وتونس ومصر والسعودية وقطر والإمارات، وكذلك من لبنان والأردن وسوريا، لكن حين تكون هناك خطوط جوية مباشرة بين المغرب وهذه الدول مثل تونس والجزائر ومصر والسعودية والإمارات فإن عملية تنقل الأشخاص والسياح تكون سهلة، أما بالنسبة للدول الرائدة في السياحة بالنسبة للمغرب فهي مصر والسعودية.

* هل عرفت الحركة السياحية في المغرب ارتفاعا خلال هذه السنة؟

- خلال سنة 2012 كان هناك ارتفاع كبير جدا في عدد السياح العرب الذين يتوافدون على المغرب، وأظن أن الاستقرار السياسي الذي يعرفه المغرب مهم جدا، فهو بلد عربي إسلامي، ويتكلم باللغة العربية، وهذا بالنسبة لكثير من السياح ميزة لا يمكن إغفالها، بيد أن السائح العربي يهتم بالاختلاف الموجود في اللهجات والتقاليد والثقافة، إضافة إلى توافر العنصر الأمازيغي والفرنسي. وأعتقد أن ما يحبذه السياح العرب في المغرب هو وجود حرية اجتماعية كبيرة وحرية فردية، ولكن ما لاحظناه هو أن هناك اهتماما أكثر بالمغرب لأن دولا أخرى كانت محجا لسياح خليجيين تعرف الآن مشاكل بسبب الاحتجاجات وانعدام الاستقرار إلى غير ذلك، وهذه الظروف هي التي جعلت الكثير من السياح يختارون المغرب كوجهة سياحية.

* هل يعني هذا أن المغرب استفاد مما يجري في البلدان العربية أو بالأحرى المغاربية أي دول ما يسمى بـ«الربيع العربي»؟

- بالفعل كانت هناك استفادة لكن ليس بالدرجة التي كنا نتمناها، فبالنسبة لسنة 2011 استفادت دول أخرى من الربيع العربي مثل تركيا وكرواتيا وإسبانيا، ذلك أن السياح الذين كانوا يزورون مصر وتونس غيروا وجهتهم وذهبوا إلى هذه البلدان على خلاف المغرب، وللأسف فإنه في سنة 2011 لم نتمكن من عمل الشيء الكبير جدا من أجل جلب هؤلاء السياح، ربما كانت السنة حبلى بالكثير من الأحداث والتغييرات السياسية في بلادنا رغم أنها كانت سلمية، ولكن بالنسبة لسنة 2012 حاولنا استرجاع هذا الأمر، ونريد أن نتداركه أكثر بالنسبة لـ2013 سواء بالنسبة للسياح العرب أو الأوروبيين.

* في ظل الأحداث التي عرفتها الدول العربية، هل كان دافع زوار المغرب هو السياحة أم البحث عن الاستقرار؟

- السائح يبحث عن اكتشاف مناطق أخرى والاستجمام والترفيه وقضاء عطل مع العائلة أو الأصدقاء، لكنه يريد كل ذلك في بلد مستقر ولا يعرف مشاكل كثيرة سواء تعلقت بالأمن أو عدم الاستقرار، لهذا فالمغرب بالنسبة لكثير من الدول العربية هو البلد السياحي الأكثر استقرارا، وله في الوقت نفسه ثقافة قريبة من الإخوة العرب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ورغم ذلك له اختلاف ومميزات تجعله بلدا سياحيا بامتياز.

* كم بلغ عدد السياح العرب في المغرب خلال هذه السنة مقارنة مع السنة الماضية؟

- بالنسبة للدول العربية كلها مجتمعة يصل عدد السياح تقريبا إلى 850 ألف ليلة مبيت سنويا. وكان العدد يصل سنة 2010 إلى 882 ألفا، وقد ارتفع خلال سنة 2011 إلى 885 ألفا، وعلى الرغم من أن السياح المصريين والتونسيين لم يأتوا إلى المغرب، فإن السياح العرب الذين كانوا يذهبون إلى مصر وتونس عوضوهم.

* وماذا بشأن سنة 2012؟

- ليست كل المعطيات متوافرة حتى الآن، لكن حتى نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 وصل عدد ليالي المبيت إلى 850 ألفا بالنسبة للسياح العرب، وأظن أننا سننهي السنة الحالية بـ890 ألفا إلى 900 ألف ليلة، إذن هناك تطور في السياحة العربية، وإذا أخذنا مدنا معينة وسياحا معينين سنجد أن هناك ارتفاعا بنسبة تجاوزت 100 في المائة.

* في ظل هذه المعطيات، ما هي المدن المغربية الأكثر زيارة من السياح العرب؟

- السياح العرب يزورون الدار البيضاء حيث رجال الأعمال، ولكونها أيضا مدينة عصرية تتوافر فيها وسائل الترفيه، وفي الوقت نفسه تعتبر مدينة أغادير وجهة مهمة جدا بالنسبة لكثير ممن يريدون الاستجمام والبحر، وهناك سياح يأتون إلى مراكش وفاس نظرا لطابعهما التاريخي والثقافي، وهناك أيضا سياح سعوديون وآخرون يزورون طنجة لأنها مدينة جميلة وتطل على مضيق جبل طارق، وتوجد فيها فنادق مستغلة من طرف مستثمرين عراقيين وخليجيين. يعني المدن التي تهم السياح العرب هي الدار البيضاء وأغادير ومراكش وفاس وطنجة.

* هل تتوفرون على إحصائيات بشأن عدد السياح الذين يزورون كل مدينة؟

- ليست هناك إحصائيات لكل مدينة، لكن مثلا ما جرى في مصر جراء انعدام الاستقرار جعل الكثير من السياح السعوديين الذين كانوا يزورون الغردقة وشرم الشيخ وكذلك الحمامات في تونس، يحولون وجهتهم إلى المغرب خاصة مناطقه الساحلية، لهذا كان هناك اهتمام كبير جدا بأغادير خلال هذه السنة من طرف السياح السعوديين، إلى درجة أنه حتى سبتمبر (أيلول) الماضي ارتفع عدد السياح السعوديين في مدينة أغادير بنسبة 500 في المائة، أي زاد خمسة أضعاف.

* هل معنى ذلك أن انعدام استقرار الأوضاع في البلدان العربية هو السبب الرئيس وراء هذا الارتفاع؟

- إن ذلك يمثل أحد العوامل، فالمغرب له مميزات غير موجودة في مناطق أخرى وله خصوصيات بحرية وثقافية، وهناك عامل آخر هو المجهود الإعلاني الذي نبذله في دول الخليج والدول العربية من أجل حث السياح على زيارة المغرب.

* على ماذا تركزون في الترويج للسياحة في المغرب؟

- دراستنا للسائح العربي خصوصا السائح الخليجي جعلتنا ندرك أنه يفضل السياحة العائلية، إذن فهو يريد المرافق التي تتجاوب مع ذلك، أي توفر أماكن لعب الأطفال، وأماكن التسوق والتبضع بالنسبة للنساء، إلى جانب أماكن لاستجمام العائلة ككل. إضافة إلى ذلك فإن السائح الخليجي يهتم أيضا بالثقافة والتاريخ، لهذا فهو يزور مثلا مدنا تاريخية وثقافية مثل مراكش وفاس، لكنه يهتم أكثر بالترفيه والتبضع وهذا ما يفسر الاهتمام الكبير جدا للسياح العرب بالدار البيضاء، وكذلك الاهتمام بالمدن العتيقة في المغرب.

* يعاني الكثير من السياح العرب من صعوبة الحصول على تأشيرة الدخول للمغرب، كيف تنظرون إلى هذه المشكلة التي تعوق تزايد عدد السياح العرب في المغرب؟

- نحن نعمل مع وزارة الخارجية من أجل إيجاد حل لمشكلة التأشيرة لبعض الدول العربية، إذ إن هناك دولا تهمنا الأسواق الموجودة فيها، وتهمنا أن تكون لمواطنيها تسهيلات في الحصول على التأشيرة، حيث تتميز بقدرتها الشرائية الكبيرة جدا مثل العراق. ونحن نعلم أن هناك بعض العراقيل منها عائق الطيران المباشر، وعائق الحصول على التأشيرة، ونحن نعمل على إيجاد حل لذلك.

* هل ستقتصر هذه المجهودات على تسهيل الحصول على التأشيرة أم أن هناك تفكيرا في إلغائها بالنسبة لتلك الدول؟

- إن أمر إلغاء التأشيرة لا يتعلق فقط بوزارة السياحة، وإنما هو عمل مرتبط أيضا بوزارة الخارجية ووزارة الداخلية، ونحن نعمل معهم في هذا السياق، إذ إن هناك اعتبارات أساسية، بيد أن الذي يهمنا الآن هو تسهيل الحصول عليها، أما إذا تم الاتفاق مع المسؤولين على إلغاء التأشيرة بالنسبة لدول معينة فهذا شيء سيسرنا في وزارة السياحة.

* السياح الأوروبيون على خلاف السياح العرب، لم تعرف بلدانهم اضطرابات سياسية أو انعدام استقرار أو ما يعرف ب»الربيع العربي».فهل ارتفع عددهم في المغرب؟

- بالنسبة لسنة 2011، كان للأزمة المالية الأوروبية تأثير سلبي على عدد الحجوزات، وكان هناك أيضا نوع من الخلط بين المغرب ودول أخرى عرفت انعدام الاستقرار، وهذا الأمر تم التجاوب معه أخيرا والتواصل بشأنه، والتوضيح أن المغرب عاش ظروفا استثنائية ومرحلة جعلته يمشي على الدرب الديمقراطي دون المرور بالعنف وانعدام الاستقرار، حيث حاولنا قدر الإمكان أن نبقى حاضرين على المستوى الأوروبي ونبحث عن أسواق جديدة، وهو الأمر الذي جعل عدد السياح في المغرب ينمو بنسبة اثنين في المائة عام 2012، وذلك راجع إلى أنه على الرغم من الضغط الكبير فإننا حافظنا على نصيبنا من السوق الأوروبية، كما أسسنا لعمل سيعطينا دفعة أكثر بالنسبة لهذه السنة. إذن، بالنسبة لعدد السياح الأوروبيين وصل تقريبا ما بين تسعة إلى عشرة ملايين سائح خلال سنة 2012.

* من هم السياح الأوروبيون الأكثر زيارة للمغرب؟

- يأتي الفرنسيون في المرتبة الأولى بنسبة 35 في المائة أي تقريبا ثلاثة ملايين سائح، وبعدهم السياح الإسبان بنسبة 15 في المائة أي مليوني سائح تقريبا، ثم في المرتبة الثالثة يأتي السياح الألمان والبريطانيون بـ500 ألف سائح لكل منهما، وبعد ذلك يأتي سياح إيطاليا وبلجيكا وهولندا والولايات المتحدة. كذلك لدينا حضور من أسواق أخرى صاعدة مثل السوق الروسية والبولونية والاسكندينافية، ونحاول أن نفتح أسواقا جديدة في تركيا والصين والبرازيل على المدى المتوسط، والسوق الهندية على المدى البعيد.

* بالنسبة لهؤلاء السياح، ما هي أكثر المدن والمناطق التي يزورونها؟

- مراكش هي أكثر المناطق زيارة بالنسبة لمعظم السياح، حيث تمثل حصة الأسد بنحو 40 إلى 45 في المائة، تليها مدينة أغادير ثم الدار البيضاء، وبعدها طنجة والرباط وورزازات والصويرة وفاس وتطوان ووجدة والسعيدية والجديدة، هذا هو ترتيب المدن الأكثر زيارة، لكن تبقى مراكش وأغادير الوجهتين المفضلتين عند أغلب السياح.

* هل زيارات هؤلاء السياح سواء العرب أو الأجانب متواصلة على مدار السنة، أم تقتصر على فصول ومناسبات معينة؟

- هناك مناسبات يكون فيها الضغط كبيرا جدا مثل الأعياد. فعلى مستوى فرنسا وبعض الدول تشكل أعياد رأس السنة اهتماما كبيرا جدا، وهناك أيضا مروجو الرحلات وبعض المسافرين الذين يختارون أوقاتا أخرى تكون فيها الأسعار مناسبة، بينما في فصل الصيف يكون الاهتمام أقل لأن الكثير من الدول يكون الجو فيها حارا، لكن الشهر الذي يحاول أن يتحاشاه الأوروبيون هو شهر رمضان، وحتى بالنسبة للسياح العرب فإنهم لا يسافرون كثيرا في هذا الشهر، وبالتالي يبقى رمضان هو الشهر الذي تنخفض فيه السياحة بشكل كبير جدا.

* ما أهم التحديات التي تواجهها وزارة السياحة في تنفيذ برنامج «رؤية 2020»؟

- برنامج «رؤية 2020» هو رؤية طموحة، نريد من خلالها أن نضاعف عدد السياح حتى يصل إلى 20 مليون سائح بالنسبة لسنة 2020، وأن نضاعف كذلك من عدد سفر المغاربة ثلاث مرات حتى يشكل ذلك أهم عنصر في العملية السياحية في بلدنا، ونود أن يكون المغرب بلدا مرجعيا من حيث التنمية المستدامة للسياح، ولهذا وضعنا برنامجا طموحا من أجل انبثاق ثماني وجهات سياحية في المغرب، وليس فقط الاقتصار على وجهتين هما مراكش وأغادير، حيث تكون لكل وجهة مواصفاتها ومميزاتها الخاصة، وكذا مطارها وبنياتها التحتية اللازمة، إضافة إلى تقديم عرض مهم سواء كان شاطئيا أو إيكولوجيا أو ثقافيا، ونريد من هذه الوجهات أن تستقطب السياح مباشرة من أسواق معينة من الدول العربية أو الأوروبية، وفي هذا السياق وضعنا برامج تعاقدية على مستوى كل منطقة، كما وضعنا استراتيجيات تخص البنية التحتية وبناء الفنادق وكل ما يتعلق بالتسويق والترويج والطيران، إلى غير ذلك، إلى جانب مواكبة وتكوين الموارد البشرية. وسيتطلب هذا مجهودا استثماريا سيبلغ تقريبا 150 مليار درهم (18 مليار دولار)، 80 في المائة منها ستأتي من القطاع الخاص لأنه مجهود رأسمالي كبير جدا، ونحن نعمل في هذا الإطار مع كثير من المستثمرين خصوصا الخليجيين، وكذلك الأوروبيين والأميركيين من أجل الاستثمار في المغرب ومرافقتنا في تحقيق هذه الرؤية الطموحة التي وضعها الملك محمد السادس للسياحة المغربية.

* ما هي الوجهات الثماني التي سيركز عليها برنامج «رؤية 2020»؟

- هناك أربع وجهات ثقافية، الأولى هي مراكش والصويرة والمنطقة الخلفية مثل الحوز وقلعة سراغنة، حيث ستبقى مراكش هي بوابة المغرب الثقافية، وفيها مدينة الصويرة العتيقة التي كانت مركزا تجاريا وملتقى للثقافة الأمازيغية والعربية واليهودية. وإضافة إلى هذه المحطة الثقافية سندعم بزوغ ثلاث وجهات ثقافية أخرى، منها وجهة فاس مكناس وما يحيط بهما من ثقافة وتاريخ، فمدينة فاس يرجع تاريخها إلى القرن الثامن، وكذلك مكناس كانت عاصمة المغرب إبان حكم المولى إسماعيل منذ سنة 1670 تقريبا إلى سنة 1729، وبجانبهما مدينتا وليلي الرومانية، والبهاليل التي ترجع إلى العصر الروماني أيضا، وهناك كذلك مناطق جميلة بمغاراتها وجبالها وطبيعتها الخلابة. أما الوجهة الثالثة فتتعلق بما نسميه «كاب نور» أو «الكاب الشمالي» ويشمل طنجة وتطوان، وهما مدينتان أندلسيتان، تحتويان على زخم تاريخي وثقافي وعمراني ومدن عتيقة ومتاحف ومزارات، وبالقرب منهما توجد مدينتا أصيلة والعرائش اللتان يوجد فيهما تأثير برتغالي إسباني وعربي إسلامي، إضافة إلى مدينة شفشاون التي تعد لؤلؤة الريف، وتتميز هذه الوجهة بعرض ثقافي على البحر الأبيض المتوسط وعلى المحيط الأطلسي، وفيها اهتمام كبير بسياحة الأعمال وسياحة الشواطئ. أما الوجهة الأخيرة التي أضفناها فهي المنطقة الممتدة بين بين الرباط–سلا ومدينة الجديدة (جنوب الدار البيضاء)، حيث تعتبر سلا مدينة عتيقة وتاريخية ولها من المعمار ما يؤهلها لتصبح من المدن التي يجب زيارتها من أجل معرفة تاريخ وثقافة المغرب، وبالنسبة للرباط عاصمة المغرب فقد تم اعتبارها تراثا عالميا لليونيسكو، وهناك أيضا مدينة الدار البيضاء والمآثر الموجودة فيها مثل المدينة القديمة ومسجد الحسن الثاني، ومدينتي أزمور والجديدة وهما مدينتان برتغاليتان. وهذه الوجهة تركز على سياحة الأعمال في الدار البيضاء، والسياحة الدبلوماسية في الرباط، إضافة إلى السياحة الشاطئية في كل من الجديدة والقنيطرة، وهي وجهة ثقافية متنوعة.

* إذن، هذه أربع وجهات ثقافية لكل منها مميزاتها ومؤهلاتها الخاصة، فماذا عن الوجهات الأخرى؟

- هناك وجهتان أساسيتان لما نسميه السياحة الشاطئية، ويوجد موقعهما ما بين شمال أغادير إلى مدينة العيون، حيث سنبني تقريبا خمس محطات سياحية كبرى ضمنها محطة أغرود وتموانزا وتغازوت. وفي جنوب أغادير سنبني تقريبا ثلاث محطات هي تفنيت، والشاطئ الأبيض في كلميم ووادي شبيكة في طانطان، وهذا سيخلق طاقة إيوائية تقدر بمائة ألف سرير. وتجب الإشارة إلى أن ما يميز هذه المنطقة هو أن الشمس فيها متوافرة على امتداد السنة. أما الوجهة الثانية فهي البحر الأبيض المتوسط، وتبدأ من منطقة السعيدية التي تقع على الحدود الجزائرية، وتصل إلى الحسيمة، كما نعمل على تطوير المحطة السياحية رأس الماء، ومحطة مارتشيكا التي دشن الملك محمد السادس الشطر الأول والثاني منها، ومحطة «كلا إريس» التي تقع كذلك قرب الحسيمة. أما الوجهة الأخيرة فتوجد في الجنوب الأقصى للمغرب على منطقتين متخصصتين في ما هو طبيعة وإيكولوجي. وتقع المنطقة الأولى في الداخلة حيث توجد بحيرة جميلة جدا وموقع ايكولوجي رائع، وسيكون هناك منتجع للرياضات البحرية بمواصفات الاستدامة. والمنطقة الأخيرة هي منطقة كبيرة لأنها شاسعة وكبيرة جدا وتسمى «أطلس الوديان»، وتشمل هذه المنطقة الأطلس الكبير والأطلس الصغير وجزء من الأطلس المتوسط، وتحتوي على مائتي كيلومتر من وادي درعة، وفيها كذلك وادي دادس، ووادي زيز، ووادي غريس، ووادي غير، وتتوفر على واحات وجبال وغابات وكذلك قصور وقصبات، والمراكز التي تدور حول هذه المنطقة هي ورزازات وزاكورة والرشيدية.

* ذاع صيت مدينتي مراكش وأغادير في جلب سياح من نوع خاص، مثل نجوم السينما وكرة القدم وكذا رؤساء وأمراء العديد من الدول العربية والغربية، فهل هناك مجهودات تبذلها الوزارة من أجل جلب هذا النوع من السياح بشكل أوسع؟

- نحن نريد أن نستثمر في هذا الأمر بالنسبة لمدينة مراكش وأغادير، يعني أن تجلب أكثر ما يمكن من المشاهير والأثرياء ومشاهير عالم الموضة والأزياء والفن، وهذا ما يفسر دعم وزارة السياحة لمهرجانات الموضة والمشاهير، ونريد أن يستمر هذا لأنه يعطي بلدنا شهرة وجاذبية أكثر، وهذا ما نسميه بالسياحة الموضوعاتية من قبيل سياحة الموضة، وسياحة المؤتمرات، والسياحة الرياضية، بيد أن المغرب يتوفر على ملاعب كثيرة للغولف، وهناك رياضات أخرى نهتم بها كثيرا مثل الرياضات البحرية. ونحن بصدد بناء نحو 20 مارينا في المغرب بمواصفات دولية، ونهتم أيضا بالسياحة الصحية، إذ إن كثيرا من الأوروبيين يأتون إلى المغرب للاستشفاء والعلاج والاستجمام في الوقت نفسه، سواء في ما يتعلق بالصحة العامة أو صحة التجميل، وإعادة التجميل. كما نركز أيضا على سياحة الأعمال، لهذا فنحن بصدد بناء وترميم قصور المؤتمرات في مراكش وأغادير وطنجة والدار البيضاء والجديدة، ومدن أخرى.

* في سياق الحديث عن «الربيع العربي» يجمع معظم الباحثين على أن المغرب يشكل الاستثناء، لكن هذا لا ينفي توقف تنظيم وقفات ومسيرات احتجاجية تتفاوت من حين لآخر في مدن مختلفة، فهل يؤثر ذلك على السياحة في المغرب؟

- منذ أن بدأ المغرب ينفتح، ويمر إلى مرحلة جديدة في علاقة المواطن بالسلطة، وهو يعرف احتجاجات، وتعرفون أنه أمام البرلمان المغربي يكون هناك ألفا احتجاج في السنة، وأنا أظن أن هذه المسألة إيجابية لأن المجتمع المغربي دينامي ويعبر عن نفسه. فالمحتجون لهم الحق في التعبير عن آرائهم، والحق في الاحتجاج على السلطة، وأظن أن هذا يعطي دينامية وقوة ومناعة بالنسبة للمجتمع المغربي. وعموما فإن الاحتجاجات في المغرب كانت دائما، لهذا حين وقعت احتجاجات 2011 لم تأت بشكل يزعزع النظام أو الاستقرار، ذلك أننا تعاملنا مع حركة «20 فبراير» بشكل طبيعي. أنا كنت في شارع محمد الخامس في الرباط أصور وأتحدث مع شباب «20 فبراير»، وغردت على «تويتر» بشأن ذلك، فكانت هناك نقاشات وقلت في التلفزيون «هؤلاء شباب ينادون بالتغيير إلى غير ذلك»، ولكن ما عملناه في المغرب هو أننا استعملنا الذكاء الجماعي كمغاربة، وقلنا إن هؤلاء الشباب ينادون بالتغيير والديمقراطية والكرامة، وهذه كلها قيم كان ينادي بها الملك محمد السادس، لكن ربما لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من إجرائها على أرض الواقع. إذن، كلنا نعمل من أجل التغيير والكرامة والديمقراطية. فتم وضع دستور جديد تم قبوله بشكل كبير، وصوت عليه المغاربة بالإجماع، ولا تزال هناك احتجاجات بعد إقرار الدستور وتشكيل الحكومة الحالية لكنها تناقصت بشكل كبير، ولا أظن أنها تؤثر على السياحة، لأن الدول الأكثر سياحة في العالم مثل إسبانيا وفرنسا تشهد احتجاجات بشكل يومي، وهذا لم يؤثر عليها سياحيا، والشيء نفسه بالنسبة للمغرب، لأن السياح على المستوى العالمي يعرفون أن المغرب ينفتح، وأصبح ديمقراطيا أكثر فأكثر، لهذا فالانفتاح والديمقراطية يعنيان الاحتجاج أكثر، ولكن هذا لا يمس ثلاثة أشياء مهمة جدا هي الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.