أهل مكة أدرى بشعابها

سعود الأحمد

TT

أبدى بعض حملة الأقلام في الصحف السعودية تململه من تصريحات رئيس بعثة صندوق النقد الدولي حول وضعنا الاقتصادي. كونه لم يأت بجديد، بل كرر نقاطا سئمنا ترديدها! وأنه ذكر أن الاقتصاد السعودي يقوم على مبيعات النفط وأن إنتاجنا من النفط سيستهلك محليا مادام هذا التسارع في الاستهلاك وأن التضخم سيستمر وأن النمو سيتراجع! ولست هنا بصدد تقييم تقارير صندوق النقد الدولي، كما لا ألوم من تململوا من تصريحات السيد «كالن». لأنني أتفهم مشاعر من ينتظر أن يستفيد من شخص خبير وممثل لجهة دولية متخصصة ومؤهلة، ثم لا يجد فيما لديه من إضافة.

وليس بخاف على المتابع، أن ما قيل ويقال في صحافتنا من تشخيص وحصر وتقييم لمشكلات الاقتصاد السعودي، يكفي عن كل ما قد يقال. لكن الجانب الإيجابي في مثل هذه التصريحات أنها صادرة عن منظمة دولية لها كلمة مسموعة في الداخل والخارج.. لتؤكد ما نقول. وإلا فنحن نعرف أوضاعنا ومشكلاتنا الاقتصادية، ونعرف حلولها، و«أهل مكة أدرى بشعابها». لكن لرنة صوت الخبير الأجنبي (الخواجة) صداها المقنع، ولأن زامر الحي لا يطرب! وهذا ديدن الشعوب منذ عهد قديم.

أتذكر بعام 1985م أنني كنت أعمل بشركة محاسبة قانونية، تراجع هيئات محلية ودولية. وأنني كنت (بتلك الشركة) من المتخصصين في المراجعة المالية ومن مصممي برامج مراجعة الاستثمارات المالية. وكنا نجهز لنراجع واحدة من الهيئات المالية الدولية الضخمة. فأعددت لها برنامجا مكتملا بأهداف وخطوات عمل وإجراءات تحقق لمراجعة استثماراتها (مكون من 11 صفحة). لكن إدارة المراجعة بالشركة أرادت أن تطمئن (أكثر) على العمل فأحضرت خبيرا بريطانيا ليتولى المهمة، وتخيل مقادير تكاليف وجهود هذا الخبير؟! وكعادة الخبراء والمهنيين، يسأل ماذا لديك؟ ثم يجري عليه تعديلاته، ويعيد لك بضاعتك! أو يأخذ من ملفات المكتب لديه من العمليات السابقة ويعيد تكييفها وصياغتها لتناسب الحالة الجديدة ويقدمها والمسألة (بلا مبالغة) قص ولصق (بعد أن يزركشها بتقارير جميلة)! فطلب الخبير أن نطلعه على ما لدينا، فترجمنا له البرنامج الذي أعددته من العربية إلى الإنجليزية. وبعد دراسة الخبير، أعاده بإضافة صفحة ونصف الصفحة كانت بالنسبة لنا معلومات بديهية لا تحتاج إلى توثيق، ولم يعدل شيئا على ما كتبت في البرنامج، إلا أخطاء الطباعة. ثم أعيد ترجمة البرنامج للغة العربية (بترجمة ركيكة) لاعتماده لنقوم بتنفيذه في المراجعة! وأثناء سفرنا أتيحت لي فرصة القرب من صاحب القرار الذي هو مدير شركة المحاسبة، فشرحت له ما حدث، فقال لي مازحا (ولو كلام الخواجة غير!). فمنه نستطيع أن نبين ونؤكد لصاحب العمل أننا جادون في جودة أدائنا لفحص عملياته! أما بخصوص مشكل اقتصادنا السعودي، فنحن نعلم (أكثر من غيرنا) بأن لدينا مشكلات أخرى لم يتطرق لها الخبير، كأزمة السكن والبطالة والارتباط بالدولار والتأخر في معالجة مشكلة النقل العام وانخفاض مستوى إنتاجية الفرد وبيروقراطية حكومية وأزمة تدني مساهمة القطاع الخاص في الناتج القومي ومشكلة الفقر، (وللتذكير) هذه لا تحتاج إلى اكتشاف خبير. لأن (خادم الحرمين الشريفين) خرج لها بنفسه وتفقد أحياء الفقراء ودخل على الفقراء في بيوتهم. ونعلم أن القطارات قطاع لم نستفد منه ويفترض أنه مستقل بذاته كداعم أساسي لاقتصاد البلاد. لكن كلام الخواجات غير! الخلاصة.. أننا سنستفيد من شهادة صندوق النقد الدولي، وستكون حجة لنا، لأنها ستؤكد ما سبق وأن نبهنا له.. ورب ضارة نافعة.

[email protected]