تعارض الآراء السياسية حول وضع الاقتصاد التونسي بين سلبي وإيجابي

حققت في الأشهر الأربعة الأولى لعام 2013 نموا 2.7% مقابل 4.6% للعام 2012

غالبا ما جاءت التصريحات حول واقع تونس الاقتصادي متباينة (رويترز)
TT

في جلسة حوار ضمت النخب السياسية ومجموعة من الخبراء الاقتصاديين وأصحاب المؤسسات، وحين بدأ السيد علي العريض رئيس الحكومة في استعراض بعض الأرقام ليؤكد أن وضع تونس الاقتصادي ليس بالصورة «الكارثية» التي يصفها به البعض، وأن البلاد حققت عام 2012 3.6 في المائة نسبة نمو، اعترض أكثر من مشارك واحد في هذا الحوار ليؤكدوا أن هذه الأرقام يمكن قراءتها بطريقة مختلفة.

مثل هذا السيناريو لا يحدث للمرة الأولى، بل تكرر عديد المرات. وغالبا ما جاءت التصريحات حول واقع تونس الاقتصادي متباينة.. والأمر يتجاوز حدود الخلافات التي أصبحت شبه «أبدية» بين الحكومة التي كشفت عن حصيلة اقتصادية جيدة نسبيا بالنظر للوضع الانتقالي للبلاد، وبعض أطياف المعارضة الذين يرون العكس تماما. أما بالنسبة للمواطن العادي فإن الحقيقة الواحدة المؤكدة أن الأسعار ارتفعت، وإن مستوى معيشته في تراجع.

وحول الاختلاف في تقييم الأوضاع الاقتصادية لتونس قال الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان لـ«الشرق الأوسط» إن «الأرقام التي تقدمها المصالح الحكومية الرسمية صحيحة، ولكن المشكل يكمن في طريقة احتسابها لبعض النسب، وفي شكل تقديم المعطيات الاقتصادية، وحتى توظيفها أحيانا».

فبخصوص احتساب نسبة النمو يرى عز الدين سعيدان أن «الطريقة المعمول بها غير سليمة؛ لأنها تعتمد على احتساب كتلة أجور العاملين في الإدارة ضمن نسبة النمو. وهذا لا يستقيم، فضلا عن أن هذه الأجور شهدت السنة الماضية ارتفاعا، وهو ما يؤدي إلى التضخيم في نسبة النمو المسجلة».

وبخصوص آخر الأرقام حول المؤشرات الاقتصادية التي تفيد بأن تونس حققت في الثلاثي الأول لسنة 2013 نسبة نمو تقدر بـ2.7 في المائة مقابل 4.6 في المائة في الثلاثي الأول لسنة 2012، يؤكد عز الدين سعيدان أن «هذه الأرقام صحيحة ولكنها تستوجب عددا من الملاحظات»، أولها يتعلق بالتوقيت، ملاحظا أن «الأرقام الخاصة بالثلاثي الأول من سنة 2012، وبما أنها كانت نسبيا جيدة فقد وقع نشرها أواخر شهر مارس (آذار) من السنة الماضية، في حين تأخر إعلان نتائج هذا الثلاثي إلى منتصف مايو (أيار) لأنها أقل من نتائج السنة الماضية»، وعدا ذلك يضيف عز الدين سعيدان: «هذه الأرقام تدل على أن المؤشرات الاقتصادية لتونس في تراجع رغم التحسن النسبي في تصدير الفوسفات، ورغم الانتعاشة النسبية في قطاع السياحة التي شهدها الثلاثي الأول لهذه السنة مقارنة بالثلاثي الأول من السنة الماضية». ويضيف عز الدين سعيدان أن «نسبة النمو بـ2.7 في المائة مخيبة للآمال، وأنه يجري إعادة النظر في نسبة النمو المتوقعة لسنة 2013 للنزول بها من 4.5 إلى 4 في المائة، وذلك على ضوء المفاوضات مع البنك الدولي».

** الكرة في ملعب السياسيين أحد رجال الأعمال التونسيين قال لـ«الشرق الأوسط»: «إن قراءة الأرقام تختلف من طرف لآخر.. ولكن المؤكد اليوم أننا لا نخلق مواطن شغل بالقدر الكافي»، مضيفا: «الدينار التونسي غير مستقر، وهذا ما خلق مصاعب جديدة لأصحاب المؤسسات».

وحول الإجراء الذي يراه ضروريا أكثر من غيره لتعود للاقتصاد التونسي عافيته في أقرب الأوقات، قال الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان لـ«الشرق الأوسط»: «إن الكرة الآن في ملعب السياسيين؛ لأن هامش تأثير البنك المركزي والمؤسسات الاقتصادية على الوضع الاقتصادي أصبح شبه منعدم»، مؤكدا أن «القرار يبقى سياسيا بالدرجة الأولى. ويعود للسياسيين حتى يتخذوا القرارات اللازمة لتجاوز المأزق السياسي الذي تعيشه البلاد»، مؤكدا أن «الاقتصاد سيعود إلى نسقه في حالة تحقيق انفراج سياسي في إطار اتفاقات حول المسائل السياسية الكبرى العالقة، وخاصة الاتفاق على خارطة طريق لبقية المرحلة الانتقالية، من خلال تحديد موعد الانتخابات والانتهاء من صياغة الدستور الجديد لتونس والمصادقة عليه. وهو ما سيساهم في توضيح الرؤية وتهدئة النفوس وبعث رسائل طمأنة للمستثمرين التونسيين والأجانب».