الصكوك في مصر.. ما لها وما عليها

TT

صادق أخيرا رئيس الجمهورية على قانون الصكوك على أن يعمل به فور صدوره في الجريدة الرسمية، ويعول بعض العاملين في الدوائر الاقتصادية المصرية على أن تصبح الصكوك أداة مالية غير تقليدية لتدبير التمويل اللازم لتمويل المشروعات التنموية للشركات والمؤسسات، وأيضا تمويل العجز في الموارد الاستثمارية للحكومة.

وتجدر الإشارة إلى أنه تم تغيير اسم القانون من «قانون الصكوك الإسلامية» إلى «قانون الصكوك» استجابة إلى النصح بعدم صبغه بأي صبغة دينية، حيث إن الصكوك ليست إسلامية، ولكنها تنظم وفق الشريعة الإسلامية.

وقد عرف القانون الصكوك بأنها «أوراق مالية اسمية متساوية القيمة، تصدر بالجنيه المصري أو العملات الأجنبية، عن طريق الاكتتاب العام أو الخاص، وتمثل حصصا شائعة في ملكية أعيان أو منافع أو خدمات، أو في ملكية موجودات مشروع استثماري معين، أو رأسمال مرابحة، أو تكلفة عين مصنعة، أو ثمن سلعة، وفقا لما تحدده نشرة الإصدار، وتكون قابلة للتداول لحين استحقاقها وفقا لشروط نشرة الإصدار».

فضلا عن هذا فإنها لا تستخدم في تمويل عجز الموازنة أو موارد لدعم الحكومة للسلع والخدمات أو لتمويل الأجور، كما أن سعر فائدتها غير ثابت، ويحق لحامل الصك في فترة خمسة وعشرين عاما استرداد قيمة ما سدده بالإضافة إلى الأرباح، وبعدها تعود كامل الملكية لمصدر الصكوك، وفي حالة الخسارة بسبب سوء الإدارة يحق لحامل الصك استرداد كامل قيمته مع الأرباح، أما لو كانت الخسارة بسبب عوامل اقتصادية وتقلبات السوق فذلك يقع تحت بند المخاطر التي يجب أن يتحملها حامل الصك. كما جاء في القانون أن نشرة الإصدار هي التي تحدد نسبة حاملي الصكوك من المصريين والأجانب، وهي كما يشاع 90 في المائة للمصريين و10 في المائة للأجانب.

* الموازنة العامة

* هل هناك أهمية لإصدار صكوك في مصر؟

تتضمن الموازنة العامة التي تصدرها الحكومة المصرية سنويا أربعة بنود رئيسة:

1- الأجور والمرتبات 2- الدعم اللازم للسلع والخدمات 3- سداد المديونية وخدمة الدين العام 4- الاستثمار في المشروعات الخدمية والإنتاجية وحيث إن الموازنة العامة للعام المالي 2013-2014 تعاني عجزا حادا ربما يبلغ في نهايتها نحو 200 مليار جنيه أي بنسبة 14-15 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وهذه نسبة مرتفعة جدا مقارنة بالنسب المتعارف عليها اقتصاديا، حيث إنها من المفروض ألا تزيد عن 7-8 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وهو الأمر الذي من شأنه أن يحتم على الحكومة أن تحدد أولوياتها حسب التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية التي تواجهها، وبذا يأتي بند الاستثمار في المشروعات الخدمية والإنتاجية في مؤخرة قائمة الأولويات بعد الأجور والدعم وسداد المديونيات، وبذا لن يكون لبند الاستثمار حظ في أي من موارد الدولة، إلا أنه من المستبعد وغير المقبول بكل المعايير الاقتصادية أن تخرج الحكومة من دائرة الاستثمار، وخاصة في المشروعات الاستراتيجية والخدمية ومشروعات البنية الأساسية وإحلال وتجديد المرافق العامة، وغيرها من المشروعات التي لا يستطيع القطاع الخاص الاستثمار فيها؛ لذا كان على الحكومة أن تدبر موارد مالية أخرى لضخها في تلك المشروعات الهامة والملحة. وعلى أن تخضع قواعد الاقتراض وتوزيع الأرباح إلى قواعد وأصول الشريعة الإسلامية.

وقد اتضح للحكومة أن خيار إصدار قانون الصكوك سيوفر لها الموارد التي ستساعدها على الاستثمار، وفي الوقت ذاته سيحقق توفير أداة استثمارية تجذب شريحة كبيرة من المستثمرين الذين يشككون في الشرعية الدينية للأرباح البنكية التقليدية، كما ستساعد على إثراء سوق المال، والمساهمة في تغطية عجز الموازنة، وتوفير السيولة اللازمة للشركات والمؤسسات.

وملخص القول إن الحكومات والشركات تلجأ للصكوك في الحالات الثلاث الآتية:

1- تمويل المشروعات الجديدة أو المراد استكمالها 2- تجنب الشروط والقيود والمبالغة في أسعار خدمة الدين التي تفرضها البنوك ومؤسسات التمويل 3- تخفيض تكلفة الائتمان

* أنواع الصكوك

* هناك خمسة أنواع من الصكوك، هي المرابحة والمضاربة والإجارة والمشاركة والاستصناع.

1- المرابحة:

تصدر لشراء سلعة أو معدة يمتلكها حاملو الصكوك ثم بيعها بربح معلوم 2- المضاربة:

تصدرها إدارة المشروع بقيم متساوية لتمويل مشروع ما، ويستمر حاملو الصكوك مشاركين مع المضارب في رأسمال المشروع بنسبة من الربح متفق عليها سلفا، كما أنهم يتحملون مخاطر الخسارة.

3- الإجارة:

هو عقد إيجار بين المؤجر والمستأجر لمعدة أو أصل بمبلغ يتفق عليه ويتم السداد لقيمة الأصل خلال مدة متفق عليها، وتبقى المعدة أو الأصل في ملكية صاحبها.

4- المشاركة:

لتمويل مشروع معين يختاره مصدر الصكوك، ويكون حملة الصكوك هم أصحاب المشروع بقيم متساوية، وهي إما مشاركة بين مصدر الصكوك والمستثمرين أو مشاركة بين المستثمرين وبعضهم.

5- الاستصناع:

يصدرها الصانع لمباشرة تصنيع سلعة ما ويقوم بتسليمها للمصدر الذي يتفق مع الصانع على صيغة تمويلية مختلفة، مثل السداد بأقساط، ويصبح حاملو الصكوك هم مالكو المنتج.

* ملاحظات على الصكوك

* شهد قانون الصكوك جدلا واسعا قبل صدوره من طوائف اقتصادية وسياسية كثيرة في مصر، جاء بعضها من منطلق مهني اقتصادي، والبعض الآخر من جهات معارضة على طول الخط لأي مبادرات أو إجراءات يقوم بها حكم الإخوان المسلمين، سواء كان ذلك صوابا أو خطأ. ومن هذه الملاحظات ما يلي:

1- إن الصكوك هي استنساخ لتجربة شركات توظيف الأموال التي حدثت في مصر في الفترة من 1981 حتى 1988 تحت عباءة القانون رقم 159 لسنة 1981 للشركات المساهمة. ومن المعروف أن شركات توظيف الأموال خلفت وراءها ضحايا بالملايين ما زالوا يعانون من آثارها.

2- إن القانون لا ينص صراحة على تحديد حصة المصريين من الصكوك مقابل حصة الأجانب كما تداولت مناقشاته، وإنما تركت تحديد النسب لنشرة الإصدار، وهنا يخشى معارضو القانون على ملكية المشروعات الحيوية والاستراتيجية من انتقالها إلى جهات أجنبية.

3- إن القانون لم يحسم بعد من سيعين الهيئة الشرعية: الأزهر أم رئيس الوزراء؟

4- إن شركات الترويج والتسويق لصكوك المشروعات يتم تعيينها بالأمر المباشر وليس عن طريق مناقصات.

5- هناك وعود من قبل الحكومة بأن الصكوك ستستقطب ما قدره 200 مليار دولار للاستثمار في مصر، في حين أن إجمالي الاستثمارات العالمية في الصكوك لم تتعدَّ 86 مليار دولار.

6- عدم شفافية الصكوك السيادية ومجالاتها ومشروعاتها أدى إلى خلق مناخ من الريبة في الهدف من إصدار قانون الصكوك.

وفي النهاية فإن قضية الصكوك ما زالت تحت الاختبار، ولكنها تلقى تأييدا منقطع النظير من تيار الإسلام السياسي، بمن فيهم من في الحكم أو خارجه، وتلقى أيضا معارضة قوية من التيار المناوئ لحكم الإخوان المسلمين في مصر.

* خبير اقتصادي، الأمين العام لغرفة التجارة البريطانية – المصرية.