رئيس معهد الاستشراف الاقتصادي المتوسطي: نقطة ضعف المغرب في علاقته مع جيرانه

جون لويس غيغو لـ «الشرق الأوسط»: تحقيق الاتحاد المغاربي أصبح مطلبا ملحا خاصة من الناحية الاقتصادية

TT

قال خبير فرنسي إن أبرز نقاط ضعف المغرب تكمن في علاقاته مع جيرانه المغاربيين، مشيرا إلى أن المغرب يعيش فترة تحولات عميقة على جميع المستويات تجعل منه جزيرة استقرار في المنطقة، وترفع من جاذبيته للاستثمار الأجنبي. وأوضح جان لويس غيغو، المندوب العام الرئيس المؤسس لمعهد الاستشراف الاقتصادي للعالم المتوسطي «إبيميد» ومقره باريس، في حوار خاص لـ«الشرق الأوسط»، أن المغرب مؤهل للعب دور جسر متحرك بين أوروبا وأفريقيا، وأنه فعلا أحرز تقدما في مد القنوات والروابط التي ستمكنه من الاضطلاع بهذا الدور عبر توسع مصارفه وشركاته في أفريقيا جنوب الصحراء.

عن وضعية وآفاق الاقتصاد المغربي، ومشاكل الاتحاد المغاربي، وآفاق التعاون المتوسطي، تحدث جان لويس غيغو إلى «الشرق الأوسط» في الحوار التالي:

* كيف ترى وضع الاقتصاد المغربي في ظل تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية؟

- هناك الكثير من المؤشرات والأرقام التي تنشر بين الحين والآخر، بعضها سلبي وبعضها إيجابي. لكنها مؤشرات محدودة، وبالنسبة لي فهي تبقى مجرد أرقام ويجب البحث فيما وراءها، لأن ما يهمني كباحث استشرافي هو التوجهات الكبرى والثقيلة للبلد. فمثلا بالنسبة للمغرب، على المدى القصير، تم تحقيق إنتاج زراعي جيد هذه السنة، والذي سيوازن إلى حد ما آثار الأزمة الاقتصادية العالمية وتراجع الطلب الأوروبي، وهذا أمر جيد. لكن على المدى الطويل، ألاحظ أن الإنتاج الزراعي المغربي متقلب، ففي السنة الماضية مثلا كان متواضعا، في حدود 45 مليون قنطار، أي نصف إنتاج هذه السنة. وعدم استقرار أداء القطاع الزراعي وتقلبه من عام لآخر من أبرز المعوقات التي يعاني منها الاقتصاد المغربي. الآن هناك كل ما يقوم به المغرب من أجل ضمان استقرار وتواتر أداء القطاع الزراعي في إطار ما يسمى بسياسة المغرب الأخضر. وهذا يبعث على الاطمئنان بخصوص المستقبل، أن يكون هناك وعي بالمشكلة وتخطيط لمعالجتها. ونفس الشيء يمكن أن نقوله بالنسبة لباقي القطاعات التي وضع لها المغرب سياسات خاصة على المدى الطويل، الصناعة والسياحة والصيد البحري والحرف التقليدية وغيرها. لذلك نرى أن الاقتصاد المغربي يعيش اليوم فترة تحول على جميع المستويات. فالمغرب يشكل جزيرة استقرار وسط عالم عربي مضطرب. وأنا الذي أعيش في المغرب بين ثلاثة إلى أربعة أشهر في السنة مند أكثر من عقد من الزمن، يمكن أن أقول: إنه بلد نموذجي. صحيح أنه لا تزال هناك الكثير من نقاط الضعف، لكن ليس هذا هو موضوعنا الآن، فالبلد يتحول جذريا في عقلياته وفي سلوكياته. أصبحنا نرى رجالا جددا، يأتون بأفكار جديدة وسلوكيات جديدة وأساليب جديدة. ونرى جاذبية المغرب بالنسبة للأجانب، خاصة الإسبان، الذين يأتون إليه للاستقرار والإقامة. نرى أشياء كثيرة تحدث.

* تكلمت عن وجود نقاط الضعف، فما هي؟

- بالنسبة لي نقاط الضعف للمغرب تكمن في علاقاته مع الجزائر والبلدان المغاربية. فبلد كالمغرب من 30 مليون ساكن يعتبر صغيرا جدا. اليوم يجب إنجاز المغرب الموحد، المغرب الكبير الذي يبلغ عدد سكانه 100 مليون شخص. وهذا أمر استراتيجي. المطلوب اليوم وبإلحاح هو هيكلة شمال أفريقيا، من موريتانيا إلى ليبيا، في إطار اتحاد إقليمي. ويجب الاستفادة من الربيع العربي للقيام بذلك، وهذا في نظري يمكن أن يتم خلال عامين أو ثلاثة، لأن منطقة شمال أفريقيا لها دور استراتيجي كمفصل بين أوروبا وأفريقيا جنوب الصحراء. وأفريقيا الآن تتحرك، بالنسبة للعالم أصبحت أفريقيا جنوب الصحراء هي «الغرب الجديد»، «الفارويست الجديد». آسيا تمت تنميتها، وأميركا الجنوبية كذلك تمت تنميتها، ولم يبق سوى القارة الأفريقية. إذن إذا تمكنت دول شمال أفريقيا من التنسيق بشكل أفضل ستصبح الجسر المتحرك بين أوروبا وأفريقيا وراء الصحراء. واليوم نرى أن المغرب تقدم كثيرا في هذا الاتجاه، وبدأ يمد القنوات ويضع الأسس لربط أفريقيا بالعالم. فالمجموعات المصرفية المغربية تتوسع يوما بعد يوم في أفريقيا جنوب الصحراء، وكذلك الخطوط الملكية المغربية، والمكتب الوطني للماء والكهرباء. الكثير من الشركات المغربية اليوم توجه أنظارها واستثماراتها صوب أفريقيا. وبالنسبة للاتحاد المغاربي، هناك أشياء جيدة في طور الإعداد، لكن يجب الاستمرار في السير إلى الأمام وإعطاء الأسبقية للاقتصادي على السياسي. لأن الاقتصاد لا حدود له. الاقتصاد لغة كونية.

* لكن اليوم الاقتصاد يعرف بعض الصعوبات خاصة في أوروبا، ومشاكل الاقتصاد تؤثر سلبا على السياسة! - صحيح السياسة والاقتصاد هما قدما العالم. ولكن في نهاية المطاف الاقتصاد هو الذي يجعل العالم يتقدم، فهو الذي يقود العالم. واليوم أوروبا تكتشف أن نسب النمو المرتفعة موجودة في الجنوب وليس في الشمال، والجنوب يكتشف أن أوروبا تمثل قاعدة أساسية، مع سوق تضم 500 مليون شخص وثروة علمية كبيرة. إذن هناك اهتمام متبادل ومصالح متبادلة. فرنسا اليوم أصبحت تتحدث عن التوطين المشترك، أي أن تكون لشركاتها قدم في الشمال وقدم في الجنوب. أصبح هناك اقتناع بأن الكثير من الأنشطة لا يمكن أن تستمر في أوروبا، وأصبح مفروضا على أوروبا أن تنقل 20 إلى 30% من أنشطتها إلى الجنوب. وهناك أيضا أنشطة في الجنوب تحتاج إلى أسواق الشمال.

* لنعد للاتحاد المغاربي الذي شكل نزاع الصحراء على مدى عقود أبرز معوقاته. فهل أصبحت حظوظه أفضل مع التطورات الأخيرة؟

- يمكن دائما أن نجد سببا لعدم تحقيق أي تقدم، هنا نتحدث عن نزاع الصحراء، وفي المشرق نتحدث عن النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وأنه ما لم يتم حل هذا النزاع لن نتقدم. أنا لا أواجه إلا المشاكل التي أعرف حلها. ما أنا متأكد منه أن هذا المشكل سيتم حله خلال عامين أو ثلاثة أعوام. هناك اقتراحات جيدة مطروحة على الطاولة. والجزائر نفسها يجب أن تتطور في الاتجاه الجيد. لكن لا يجب أن نجعل منه عائقا. وإلا فإننا لن نتقدم. لدينا الكثير من الفرص اليوم، في الزراعة والطاقة والصحة. مجالات عدة يمكننا أن نتعاون فيها جميعا، الجزائر وتونس والمغرب وأوروبا، في إطار منطقة غرب المتوسط، أو ما نسميه مجموعة خمسة زائد خمسة. هذه المنطقة يبدو لي أنها تشكل الإطار الملائم للتعاون والتقدم.

* لكن دائما نسمع خطابات كثيرة، حول التعاون المتوسطي، وبرشلونة، والاتحاد من أجل المتوسط. نسمع أفكارا كبيرة ولا نرى إنجازات؟! - صحيح هي أفكار كبيرة. لكن الاتحاد من أجل المتوسط هو المدى البعيد. فتح الله السيجلماسي، الأمين العام الحالي للاتحاد من أجل المتوسط، يقود ثورة، وهذا لا نراه. الجزائر اليوم أصبحت تهتم بالاتحاد من أجل المتوسط. السيجلماسي اليوم هو الذي يشرف على التوظيف، ويختار بنفسه الأشخاص الملائمين. بينما في السابق كانت الحكومات هي التي تعين الموظفين في برشلونة، وكانوا يرسلون أشخاصا متقاعدين وغير فعالين، كانت الحكومات ترسل أشخاصا من دون قيمة. اليوم السيجلماسي هو الذي يكافح ويفرض رأيه ويدافع عن المشاريع. الأمور تتقدم. على مستوى الصناعة انظروا ما تقوم به مثلا شركة «جي دي إف سيوز» في مجال استغلال طاقة الرياح في جنوب المغرب، سيكون أكبر حقل لاستغلال طاقة الرياح في أفريقيا. هناك أشياء كثيرة تتطور. صحيح ليست هناك يوميا تدشينات ضخمة، هذا غير ممكن. العقليات يجب أن تتطور، فقد ظلت راكدة لمدة طويلة. اليوم نسمع مع الربيع العربي أن هناك فوضى في بلدان الجنوب، وأن هذا يثبط الاستثمار. لكن مع ذلك هناك أشخاص يستمرون في الاستثمار، ويمكن أن أعطي أمثلة دقيقة عن مشاريع مشتركة مغربية غربية جديدة لا يتحدث عنها أحد. كل يوم الطائرات مليئة برجال أعمال يتنقلون ويبحثون عن فرص وشراكات وأعمال. صحيح أن هذه الأشياء غير مرئية، لكني أعتبر أن هذه الحركية أكثر أهمية بالنسبة للمستقل من تدشين مشروع ضخم في حجم القطار السريع. لنكن واقعيين، لا يمكن أن ندشن في كل يوم مشروع قطار فائق السرعة. المغرب يتمتع بصورة جيدة في العالم الغربي وأوروبا، والتحولات الجارية في المغرب تعتبر مواتية لعلاقات تجارية وصناعية ستجعلنا نتقدم أكثر.