تقدم بنوك الخليج مع تراجع منافسيها الأجانب وسط انقلاب في موازين القوى

الربح التشغيلي لأكبر 32 بنكا في الخليج قفز 74% بين 2006 و2012

تشير تقديرات إلى أن قيمة أصول القطاع المصرفي في مجلس التعاون الخليجي زادت 11% في 2012 إلى 1.47 تريليون دولار («الشرق الأوسط»)
TT

عندما تولى المصرفي البريطاني مايكل تومالين منصب الرئيس التنفيذي لبنك أبوظبي الوطني عام 1999، كان البنك يمتلك أصولا بقيمة نحو 9 مليارات دولار، وهي قيمة ضئيلة بالمقاييس العالمية، بينما كانت غالبية عملياته محصورة في إمارة أبوظبي الغنية بالنفط.

أما اليوم، فقد صار للبنك وجود في 14 دولة ووصلت قيمة أصوله إلى ما يقرب من 100 مليار دولار، ويشارك بقوة في الأنشطة العالمية، مثل القروض المجمعة والخدمات المصرفية الخاصة للعملاء الأثرياء والخدمات الاستشارية المتعلقة بعمليات الاندماج.

وأكد تقرير لـ«رويترز» أعده ستانلي كارفالو ودينش ناير أن هذا التغيير تأكد في أنحاء دول الخليج الغنية المصدرة للنفط، بفضل اتجاهات اقتصادية قوية تعزز البنوك المحلية في المنطقة، بينما تؤثر سلبا على البنوك الأجنبية المنافسة.

ويمثل ذلك تغيرا في ميزان القوى بالقطاع المصرفي، ويبدو أنه سيستمر في السنوات المقبلة. فعلى سبيل المثال قال بنك أبوظبي الوطني إنه يعتزم العمل في 41 دولة بالشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا بحلول عام 2021، ويتوقع أن تساهم العمليات الدولية بنسبة 40 في المائة من أرباحه التشغيلية بحلول ذلك العام.

وقال تومالين، الذي سيتقاعد من منصبه هذا الشهر، في مقابلة: «تغيرت المفاهيم على مر السنين. فالسوق تدرك الآن أننا بنك يتمتع بالميزانية القوية والخبرات التي تؤهله للتنافس مع البنوك العالمية».

وأظهرت دراسة أعدتها مجموعة بوسطن الاستشارية أن الربح التشغيلي لأكبر 32 بنكا بدول مجلس التعاون الخليجي الست قفز 74 في المائة في الفترة بين عامي 2006 و2012. في الوقت نفسه تراجع الربح التشغيلي للبنوك العالمية المنافسة لها تسعة في المائة.

صحيح أن البنوك الخليجية، مثل بنك أبوظبي الوطني، لا تزال أصغر بكثير من المؤسسات الكبرى في العالم التي يمتلك كل منها أصولا تزيد قيمتها على تريليوني دولار، إلا أن هذه الفجوة تضيق.

وتشير تقديرات خبراء الاقتصاد في بنك قطر الوطني إلى أن قيمة أصول القطاع المصرفي في مجلس التعاون الخليجي زادت 11 في المائة في عام 2012 إلى 1.47 تريليون دولار. ويمتلك أكبر 20 بنكا محليا ثلثي هذه الأصول. ويتمثل أحد أسباب نجاح البنوك الخليجية في قوة اقتصادات بلدانها التي خرجت من الأزمة المالية العالمية في الأعوام الخمسة الأخيرة بسلاسة فاقت توقعات كثير من خبراء الاقتصاد. وساعد ارتفاع أسعار النفط على توفر أموال طائلة يمكن للبنوك المحلية استخدامها في توسيع ميزانياتها والاستحواذ على أصول أجنبية.

ولعل امتلاك الحكومات لغالبية أسهم البنوك الخليجية الكبرى - ومن بينها بنك أبوظبي الوطني - قد ساعد هذه البنوك، إذ يضمن لها الأمن المالي ويتيح لها في بعض الحالات الحصول على أعمال. ويتماشى توسع البنوك مع السياسة الوطنية لمعظم الدول الخليجية التي تروج لنفسها على أنها مراكز مالية عالمية.

ولكن هناك اتجاهات أخرى ساهمت في دعم البنوك المحلية. فالأزمة المالية العالمية دفعت بعض البنوك الغربية في السنوات القليلة الماضية إلى توخي المزيد من الحذر، إذ خفضت فرقها العاملة في الخليج في وقت تركز فيه على إصلاح ميزانياتها في بلادها. وقد أحدث ذلك فجوة يمكن أن تسدها البنوك الخليجية.

في الوقت ذاته لا تجد البنوك الخليجية الغنية بالسيولة صعوبة، كالتي تواجهها البنوك الغربية في تلبية متطلبات رأس المال والسيولة الأكثر صرامة التي يجري فرضها في أنحاء العالم بموجب معايير «بازل 3».

وقال بول هنري بروفوست المدير المشارك في وكالة «ستاندرد أند بورز» للتصنيف الائتماني: «تتمتع بنوك المنطقة برسملة وتمويل جيدين ورفعت ميزانياتها إلى حد كبير.. ولا تمثل (بازل 3) بالضرورة ضغطا على هذه البنوك على عكس البنوك العالمية». وبدأت قوة البنوك الخليجية تظهر في القوائم التي تسجل حصص البنوك في مختلف القطاعات.

فحتى عام 2010 كانت البنوك الخليجية غائبة إلى حد بعيد عن قوائم الأنشطة المصرفية الاستثمارية. غير أن بيانات «تومسون رويترز» تشير إلى أن شركة «السعودي الفرنسي كابيتال» الذراع الاستثمارية للبنك السعودي الفرنسي وبنك قطر الوطني ووحدة الأنشطة المصرفية الاستثمارية في مجموعة «سامبا» المالية جاءت في المراتب الثلاث الأولى، فيما يتعلق برسوم ترتيب عمليات طرح الأسهم في الشرق الأوسط، العام الماضي. وحلت هذه البنوك محل بنك «أوف أميركا ميريل لينش» و«مورغان ستانلي» و«دويتشه بنك» التي كانت تحتل المراكز الأولى في عام 2011.

وتظهر البيانات أن البنك الأهلي التجاري السعودي كان أكثر البنوك تحقيقا للرسوم من ترتيب القروض المجمعة في عام 2012 إذ حصل على 9.4 مليون دولار وحل محل «إتش إس بي سي» هولدنجز الذي تصدر القائمة في عام 2011.

ويقول بنك أبوظبي الوطني إنه شارك في ترتيب 20 صفقة لإصدار أدوات دين بقيمة نحو 16.3 مليار دولار في عام 2012، بعد أن رتب أربعة فقط من هذه الإصدارات في عام 2011.

وحتى البنوك المحلية الصغيرة بدأت في المشاركة وتستكشف المجالات التي تعتقد أنها تتمتع فيها بميزة تنافسية.

وقال بنك الفجيرة الوطني هذا الشهر إنه يؤسس شركة للخدمات الاستشارية المالية في المنطقة المالية المعفاة من الضرائب في دبي.

وقال فينس كوك الرئيس التنفيذي للبنك: «ثمة طلب متزايد على الخدمات الاستشارية المالية في سوق المؤسسات المتوسطة التي لا يخدمها حاليا اللاعبون الدوليون».

ومن بين العلامات الأخرى على تزايد قوة البنوك المحلية تدفق المسؤولين البارزين إليها. فمنذ عقد من الزمان كانت البنوك الأجنبية العاملة في الخليج تنتقي كثيرا من مسؤوليها من بين المؤسسات المحلية، ولكن انقلب الوضع وبات المسؤولون الأجانب يتدفقون إلى البنوك المحلية.

ومن المقرر أن يترك تومالين منصبه ليحل محله أليكس ثرسبي الذي قاد عملية التوسع الدولي لمجموعة أستراليا ونيوزيلندا المصرفية.